ستشكّل الانتخابات الأوروبية الشهر المقبل إحدى اللحظات الأكثر غرابة في تاريخ السياسة البريطانية، وسيقترع البريطانيون في انتخابات ما كان يُفترض ألا نشارك فيها كي نرسل ممثلين إلى منظمة كان يُفترض أن نكون قد خرجنا منها. من الممكن لأعضاء البرلمان الأوروبي هؤلاء أن يشغلوا مناصبهم لبضعة أشهر أو خمس سنوات أو قد لا يستلمونها مطلقاً.ما يزيد هذا الوضع غرابة أن حزباً ما كان له وجود قبل بضعة أسابيع صار اليوم في الطليعة، وفق استفتاء YouGov الأخير، وسواء فاز حزب نايجل فراج، وحزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أو لا، يبدو أنه سينال عدداً كبيراً من الأصوات خلال عملية اقتراع ستشكّل، نظراً إلى كل ما تشهده السياسات البريطانية في الوقت الراهن، مجرد تكرار بديل لاستفتاء عام 2016.
يبدو أن كل هذا ينسجم بدقة مع القصة الكبيرة التي سردناها لأنفسنا عن عالم السياسة في الغرب في السنوات الأخيرة: عن تنافس الشعبويين والليبراليين وعن الاصطفاف الكبير الذي يعني امتداد خط الانقسام الجديد بين "المفتوح" و"المغلق".لكن استطلاعاً جديداً للرأي في 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبي (لا تشمل المملكة المتحدة) تشارك في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يشير إلى أن السياسيين والمحللين الذين يؤيدون وجهة النظر هذه، في القارة على الأقل، يخوضون حرب الأمس.بخلاف الرأي السائد، كشف استطلاع الرأي هذا أن الانتخابات الأوروبية لن تمثل انحداراً نحو القبلية الجديدة أو استبدالاً للانقسام القديم بين اليمين واليسار بانقسام بين "أنصار العولمة" و"القوميين".على العكس، كشف استطلاع رأي دول المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن "الصفة الأبرز التي تحدد المشهد السياسي هي التقلب: لم يحسم الناخبون رأيهم بعد. ولا يقل عدد هؤلاء الناخبين الحائرين الذين لم يتخذوا قرارهم عن 97 مليوناً". فضلاً عن ذلك، يذكر نحو 70% ممن يملكون تفضيلات أنهم قد يبدّل رأيهم.بكلمات أخرى، لا تظهر خطوط التماس بين القبائل السياسية الأوروبية بالوضوح الذي يظنه معظم الناس، فلا يشكّل الناخبون المتقلبون الذين لم يحسموا رأيهم شريحة صغيرة في الوسط بل أكثرية ضخمة.من اللافت للنظر أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يعتبر أن الطريقة الفضلى للتفكير في الناخبين الأوروبيين لا تقوم على تقسيمهم إلى فريقين متنافسين بل إلى أربع مجموعات. تضم المجموعة الأولى "مَن يؤمنون بالنظام" ويملكون بعض المخاوف بشأن الوضع القائم على الصعيدين الوطني والدولي. نأتي بعد ذلك إلى مَن فقدوا الأمل بالسياسات على الصعيد الوطني وما يتخطاه وتجسدوا بحركة السترات الصفراء الفرنسية. أضف إلى ذلك مَن نُسيوا من مؤيدي الوحدة الأوروبية ويعتقدون أن بروكسل تمثل الحل للنظام السياسي الوطني الذي فقدوا الإيمان به. ونصل أخيراً إلى الوطنيين المعارضين للوحدة الأوروبية الذين يريدون العودة إلى دول أعضاء تحكم ذاتها.تمثل هذه المجموعات نحو 24%، 38%، 24%، 14% من الناخبين على التوالي، مع أن هذه النسبة تختلف كثيراً باختلاف الدول. من الطبيعي أن يظن 61% من اليونانيين، مثلاً، أن النظام معطل في أثينا وبروكسل على حد سواء، وترتفع نسبة هذه المجموعة في فرنسا إلى 69%. في المقابل يعتقد 64% في رومانيا أن سياساتهم الخاصة فاشلة، في حين يمثل الاتحاد الأوروبي بالنسبة إليهم الحل لمشاكلهم المحلية. الدنمارك الدولة الوحيدة التي يشكّل فيها الناخبون الراضون "الذين يؤمنون بالنظام" الأكثرية.بكلمات أخرى، يمكننا فهم الناخبين الأوروبيين بشكل أفضل بتأمل مدى رضاهم عن الوضع القائم ومَن يحمّلونه مسؤولية إخفاقاتهم.لا شك أننا نشهد اليوم تنامياً مقلقاً في الاستياء السياسي في مختلف أنحاء أوروبا، استياء زاده الاتحاد الأوروبي سوءاً بعناده، إلا أن هذه الوقائع تُظهر أن هذا الاستياء لا يؤدي إلى تشكّل حركة واحدة متماسكة بالطريقة التي تأملها المعسكرات الشعبوية والليبرالية.يرى أمثال ستيف بانون من جهة وغاي فيرهوفشتات من جهة أخرى أنفسهم كجنرالات في صدام عقائدي تاريخي، لكن هذين الطرفين مخطئان، كل على طريقته، بشأن قارة خلافاتها أقل تنظيماً بكثير وأقل تناغماً بكثير مما يرجوانه.* أوليفر ويزمان*«كاب إكس»
مقالات
قبائل أوروبا
24-04-2019