فتحت واشنطن بابا للتفاوض مع طهران، غداة انهاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعفاءات سمحت لبعض الدول بشراء النفط الإيراني، في خطوة يتوقع أن تتسبب بخنق شديد لاقتصاد الجمهورية الإسلامية.وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران برايان هوك، أمس، إن بلاده ليست لديها مشكلة في الدخول في مفاوضات مع إيران إذا طلبت ذلك.
وأوضح هوك في حديث لقناة "الحرة" الأميركية الناطقة بالعربية، أن "ما نريده من إيران هو أن تصبح بلداً طبيعياً"، مؤكداً أن "ضغوط واشنطن على النظام الإيراني ستتزايد في المستقبل".ولفت إلى أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "طلب من النظام الإيراني تنفيذ 12 بنداً، وهي مطالب معقولة"، داعياً النظام الإيراني إلى "عدم التصرف بطريقة ثورية".وفي 21 من مايو الماضي، حددت الولايات 12 مطلباً يجب على إيران تنفيذها، إذا أرادت رفع العقوبات الاقتصادية عنها، من بينها سحب قواتها من سورية، ووقف دعم "حزب الله" اللبناني وحركتي "حماس" و"الجهاد" الفلسطينيتين وحركة "أنصار الله" الحوثية في اليمن، بالإضافة إلى وقف تدفق مقاتلي ميليشياتها إلى العراق وتوفيرها ملاذاً لمن وصفهم بـ"الإرهابيين"، وإطلاق سراح كل المواطنين الأميركيين ومواطني حلفاء أميركا المحتجزين لديها، وعقد اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي.
مكافحة «الترامبية»
في المقابل، أكد وزیر الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، ضرورة مواجهة ما وصفه بـ"الترامبیة"، وقال لدى وصوله إلى روسيا إنه یعتزم "مناقشة مخاطر انتشار الترامبیة فی مؤتمر موسكو الأمنی". وحذر من أن سياسات الرئيس الأميركي تعرض الأمن العالمي للخطر وتنتهك القانوني الدولي. في موازاة ذلك، صادق نواب مجلس "الشورى" الايراني على مشروع قرار لملاحقة قادة القوات المركزية الأميركية في غرب آسيا "سنتكوم" والمنظمات أو المؤسسات التابعة للقيادة وتقدم الدعم للإرهابيين، قضائياً.وصادق النواب على المادة 2 من مشروع الخطوة المضادة إزاء قرار ترامب إدراج "الحرس الثوري" ضمن المنظمات الإرهابية، بموافقة 168 صوتا ومعارضة 6 أصوات وامتناع 8 عن التصويت، من إجمالي 210 أصوات. وكلف البرلمان السلطة القضائية والمؤسسة الأمنية بالإعلان عن قائمة بقادة "سنتكوم" لملاحقتها قضائيا بتهمة اسناد منظمات إرهابية.ورأى وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه أن واشنطن ترتكب خطأ سيئاً بتسييس النفط واستخدامه كسلاح.ترحيب والتزام
في غضون ذلك، تواصلت ردود الفعل الدولية حول انهاء واشنطن كل الاعفاءات لشراء النفط الإيراني، ورحب وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف بقرار الولايات المتحدة الذي يدخل حيز التنفيذ مطلع مايو المقبل، قائلا إنها "خطوة ضرورية للاستقرار" في المنطقة.وعبر العساف عن "دعم المملكة الكامل للخطوة، باعتبارها خطوة لازمة لحمل النظام الإيراني على وقف سياساته المزعزعة للاستقرار ودعمه ورعايته للإرهاب حول العالم".وكرر الوزير تأكيد بلاده على التنسيق مع منتجين آخرين للخام، من أجل التأكد من توفر إمدادات كافية من النفط وتحقيق توازن في الأسواق بعد القرار الأميركي.في موازاة ذلك، رحبت البحرين بعدم تجديد قرار واشنطن الذي اعفى 8 دول من العقوبات الأميركية لمواصلة شراء الخام الإيراني حتى 1 مايو. واعتبرت وزارة الخارجية في بيان أن الخطوة الأميركية "ضرورية ومهمة من شأنها دعم وتعزيز الجهود الرامية لتجفيف منابع الإرهاب والتصدي للدور الخطير الذي تقوم به إيران في زعزعة الأمن والاستقرار ودعم التنظيمات والميليشيات الإرهابية في المنطقة".وفي نيودلهي، أعلنت الحكومة الهندية التزامها بقرار الولايات المتحدة بعدم تجديد الاعفاءات.معارضة وأسف
في المقابل، أعلنت بكين اعتراضها بشدة على قرار واشنطن، الذي شمل انهاء اعفاء 8 دول هي بالإضافة إلى الصين، الهند واليابان وتركيا واليونان وايطاليا وكوريا الجنوبية وتايوان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية غينغ شوانغ إن "الصين تعارض بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية".وأضاف شوانغ: "شكت وزارة الخارجية الصينية رسمياً إنهاء الإعفاء من العقوبات. نحث الولايات المتحدة على اتباع نهج مسؤول والاضطلاع بدور بناء، لا العكس"، ودعاها إلى عدم اتخاذ خطوات خاطئة تضر بمصالح الصين التي ستدافع عن حماية حقوق شركاتها.يذكر أن الصين أكبر مشتر للنفط الخام الإيراني بإجمالي واردات بلغ العام الماضي 29.27 مليون طن، وهو ما يشكل نحو 6 في المئة من إجمالي واردات الصين النفطية.في هذه الأثناء، أعربت الناطقة باسم الشؤون الخارجية بالمفوضية الأوروبية مايا كوتشيانتيس عن أسفها لقرار واشنطن. وقالت كوتشيانتيس: "التحرك من شأنه أن يهدد بتقويض تنفيذ الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع إيران عام 2015"، قبل أن ينسحب منه ترامب بشكل أحادي مايو الماضي، مضيفة أن الاتحاد سيواصل الالتزام بالاتفاق النووي، إذا واصلت طهران الالتزام به.وفي باريس، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن آلية دعم المبادلات التجارية التي أقامتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا للالتفاف على العقوبات الأميركية تحقق تقدماً إيجابياً، "ومن المأمول الوصول لنتيجة نهائية".ودعت باريس طهران إلى "تحقيق تقدم مكافئ من جانبها لتفعيل آلية التبادل التجاري"، في إشارة على ما يبدو إلى ضرورة انضمامها لمعاهدة دولية لمكافحة تهريب الأموال وتمويل الإرهاب.تحرك عراقي
في السياق، أكدت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عزمها الضغط على الجانب الأميركي للعدول عن قرار عدم شمول العراق بالاستثناء من العقوبات على طهران، مشيرة إلى أن الالتزام بتلك العقوبات سيضر بالعراق مع بدء موسم الصيف والحاجة إلى الكهرباء والغاز السائل الذي تورده طهران.وشددت اللجنة على حاجة بغداد لتمديد اعفاء واشنطن 6 أشهر على الأقل، لحين انتهاء موسم الصيف، محذرة من استخدام العراق كـ"أداة لتنفيذ العقوبات الأميركية الأحادية" على دولة جارة.الريال الإيراني يتراجع
تراجع سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار، بعد إعلان واشنطن تشديد القيود على صادرات النفط الإيرانية، وقولها إنها لن تمنح مشتري الخام من طهران إعفاءات بعد مايو.وأظهرت بيانات موقع "بونباست"، الذي يرصد تحرك العملة الإيرانية أمام العملات الأجنبية في السوق الموازي، أن سعر صرف الدولار بلغ الاثنين 140500 ريال إيراني (التومان = 10 ريالات)، بزيادة نسبتها 2.5 في المئة عن مستواه الأحد.وللمقارنة فقد تم بيع الدولار في مطلع العام الحالي بالسوق الموازي مقابل 112000 ريال، أي أن العملة الأميركية صعدت منذ بداية 2019 حتى أمس الاول بواقع 28500 ريال.