طرح سوق «الزل» و«الصرافين»... فصل ثانٍ من أزمة «المباركية»
• المرافق التراثية جزء من ثقافة وسياحة أي دولة بعيداً عن العائد المالي الضئيل
• هيئة الشراكة كررت في الطرح الثاني عيوب ومشكلات «الأول»
الطرح الثاني لمزايدة سوق الزل وساحة الصرافين في "المباركية" يكشف أن الوعود الحكومية لتلافي الأزمات لا قيمة حقيقية لها، فإذا كانت الأزمة حدثت بعد الطرح الأول ولم تتمكن الحكومة من التدخل والمعالجة فإن الطرح الثاني بنفس الشروط والضوابط يشير بصورة واضحة إلى أن تلك الوعود لم تكن حقيقية ولا تستهدف أي حل للمشكلة.
لم يمض وقت طويل على انتهاء أزمة محلات سوق المباركية التراثي مع الدولة بشأن زيادة المستثمر الجديد للسوق أسعار الإيجارات بنسب هائلة، حتى قدمت الجهة المعنية بالسوق مشروعاً جديداً يتضمن نفس بذور الأزمة السابقة، رغم التصريحات الحكومية السابقة بالبحث عن حلول للمستأجرين الذين أصدرت محكمة التمييز الشهر الماضي حكماً نهائياً بأحقية الشركة المستثمرة في إبرام عقود جديدة معهم وفق القيم الإيجارية السوقية وسلامة إجراءاتها.هذا الأسبوع طرحت هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بالتعاون مع وزارة المالية، مزايدة عامة لإدارة سوق "الزل" وساحة الصرافين والساحة الجنوبية في المباركية مدة 10 سنوات بإجمالي مساحات 10.5 آلاف متر مربع دون أن تتلافى المشكلات التي حدثت بين المستأجرين والشركة المستثمرة في مشروع المباركية الأول، والتي من المتوقع تكرارها مجدداً مع مستأجري المواقع المراد طرحها في المزايدة والشركة الجديدة، وأولها بالطبع رفع قيم الإيجارات على المحلات مدعومة بتجربة سابقة مؤيدة بحكم التمييز.
هوية لا ربح
بالطبع، في الحديث عن أزمة سوق المباركية الأولى، وحتى الثانية المتوقعة، ما هو أبعد من الحكم القضائي إلى جوانب تجارية وسياحية واقتصادية، أولها أن تراثية الأسواق والمرافق جزء من هوية أي دولة ليس في جانبها الثقافي فقط بل السياحي كذلك، ومن ثم فإن الجانب الربحي الضئيل لا يمكن أن يعوض الخسائر الناتجة عن ضياع الهوية الثقافية لمرفق ما، وخصوصاً إذا علمنا أن العائد المالي للدولة عن مزايدة محلات المباركية سابقاً لم يتجاوز 3.7 ملايين دينار فقط، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالحفاظ على قيمة السوق التراثية، فضلاً عن أن جميع دول الخليج ومعظم دول العالم لديها من الأسواق التراثية القديمة التي تدار بشكل يحفظ خصوصية السوق والمدينة، ويقدم الهوية على الربح، دون أن تكون هناك أزمة، إلا في الكويت التي يتسبب سوء التنفيذ بها في حدوث مشكلات ما كان من المفترض أن تحدث أصلاً.استمرار «الباطن»
أما ثاني الملاحظات فيتعلق بأن طرح المزايدة الجديدة لسوق "الزل" وساحة الصرافين والساحة الجنوبية لم يتعامل مع أكثر التحديات الخاصة بتضخم أسعار الإيجارات، وهو "التأجير بالباطن"، أي العقود الإيجارية غير المباشرة بين المالك أو مطور المشروع مع المشغل الفعلي، الأمر الذي يرفع قيم الإيجارات دون مبرر، مما ينعكس مباشرة على الأسعار، ومن ثم يلحق الضرر بالمستهلكين، كما أنه يضر الدولة كمحصل لقيمة متدنية جداً من الإيجار يمكن أن ترفعها بشكل معقول لو كان تعاملها المالي فعلاً مع المشغل النهائي والحقيقي، وبناء عليه فإن رفع الإيجارات من المستثمر على مؤجر الباطن سيلحقه بكل تأكيد رفع على المشغل الحقيقي، وهو أمر يكشف إهمالاً لافتاً للجهة الحكومية المناط بها إدارة المرفق في معالجة أحد أهم الاختلالات داخل السوق، فضلاً عن أن الدولة ذاتها لا تزال مهملة لمواجهة الآثار السلبية التي تفرزها عقود الباطن على العديد من مفاهيم وقيم العدالة ومكافحة الاحتكار في السوق، ولا سيما على المرافق المملوكة لها.وعود وسلبية
رغم أن سوق المباركية ككل يعتبر صغيراً بحجم الاقتصاد فإن الطرح الثاني للمزايدة فيه يكشف أن الوعود الحكومية لتلافي الأزمات لا قيمة حقيقية لها، فإذا كانت الأزمة حدثت بعد الطرح الأول للمزايدة ولم تتمكن الحكومة من التدخل والمعالجة فإن الطرح الثاني بنفس شروط وضوابط "الأول" يشير بصورة واضحة إلى أن الوعود لم تكن حقيقية، ولا تستهدف أي حل للمشكلة، فضلاً عن أن هذه المشكلة تفتح المجال للتساؤل عن مدى سلبية الدولة في التعاطي مع أي أزمة يمكن أن تنشأ بعد خصخصة خدمات وشركات حكومية أكبر ذات علاقة مباشرة بالمجتمع، وخصوصاً أن معظم الأفكار والنقاشات حول الخصخصة مرتبطة بمسائل الملكية وقيمتها وآثارها المالية.مفارقات غير منطقية
في اقتصاد الكويت مفارقات كثيرة، بعضها غريب وغير منطقي، كأن تتولى هيئة الشراكة مسألة تطوير سوق تراثي يبيع "الحلوى والزل وما شابههما"، يفترض ألا يكون الربح المالي- على ضآلته - هدفاً أساسياً له، في وقت يرسي جهاز المناقصات المركزي سنوياً مشاريع لا تقل قيمتها عن 4 مليارات دينار بعضها مهيئة لتأسيس شركات عامة كمشروع مطار الكويت الدولي دون أن يشملها أي نظام شراكة.