نشرت الصحافة الكويتية قبل سنوات "تقرير قياس أداء جامعة الكويت 2013-2014"، وقالت "القبس" في رأس صفحتي التقرير الذي أعدته للنشر "أميرة بن طرف"، إن الجامعة تقيم نفسها وتعترف قائلة "تراجعنا... والنتائج بعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية". (27/ 3/ 2016)
وكما هو متوقع، بيّن التقرير فائضاً في الكليات النظرية وعجزاً في الكليات العملية والمهنية، "وفيما عدا كليتي الحقوق والشريعة، فقد كان احتياج سوق العمل لمخرجات باقي كليات الجامعة يفوق عدد خريجيها، ففي الشريعة كان الاحتياج 80 خريجا فقط، بينما بلغ عدد الخريجين 540 خريجاً، فيما كان الاحتياج في الهندسة لـ1183 خريجاً والواقع كان 579".وذكرت الصحف كذلك في الصيف الماضي أن دراسة أكاديمية حديثة قد كشفت "أن الإنتاجية العلمية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت انخفضت نسبياً في السنوات الثلاث الأخيرة". (القبس، 17/ 7/ 2018).ماذا عن نوعية هذه البحوث وأهميتها، وما أضافته في مجالها؟ هذا موضوع لا مجال للحديث فيه الآن!وبينت الدراسة وجود أكثر من عشرة عوائق للبحث العلمي الأكاديمي في الجامعة منها:– غياب ثقافة التعاون البحثي.– عدم مراعاة البعض لأخلاقيات البحث العلمي والنشر.– انخفاض ميزانية البحث العلمي ومخصصات تنمية مهارات وتأهيل الأساتذة.– وجود سياسات تمييزية بين أعضاء هيئة التدريس الكويتيين وغير الكويتيين أحياناً.– قلة أهمية الإنتاجية البحثية في تولي المناصب الإدارية بالكليات والجامعة.– المغالاة في الإنتاج العلمي المطلوب لأغراض الترقية.– تعنت لجان الترقيات بالكليات والجامعة أحياناً.– الإجراءات الروتينية والمملة لتقديم وقبول وتمويل وإدارة البحوث الممولة من الجامعة.– عدم توافر طلبة دراسات عليا– لا سيما الدكتوراه– في معظم الأقسام العلمية.– ندرة الإمكانات البحثية المطلوبة كالحاسبات والمختبرات والمواد والعينات وقواعد البيانات والفنيين.– عدم وجود حوافز حقيقية للأساتذة الكويتيين للاستمرار في البحث بعد الحصول على درجة الأستاذية.ومن أخطر ما نشر في هذا المجال كذلك، التحذير من بيع الأبحاث والدراسات، وربما رسائل الماجستير والدكتوراه.وجاء في الصحافة أن بعض الشركات الخاصة باتت تستهدف البريد الإلكتروني الذي خصصته لأعضائها كل من الجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، وذلك للترويج لبيع الأبحاث "وهناك من يُقبل على شراء هذه الأبحاث أو المساعدة في إعدادها، وهناك من يُقبل على شراء هذه الأبحاث الجاهزة، مما يساهم في صناعة أساتذة مزيفين". وأشار المراقبون إلى أنه في السنوات الأخيرة انتشر نوع من "النشر العلمي" وهو النشر الإلكتروني عبر تقنيات الإنترنت، والتي توفر المعلومات في ما يسمى بـ"الدوريات الإلكترونية" والتي يوجد اليوم المئات منها مجاناً أو ببعض الرسوم. وقد حذر أمين سر الجمعية الكويتية لجودة التعليم د. هاشم الرفاعي "أن الجمعية حذرت من خطورة شراء الأبحاث والنشر في مجالات وهمية، ومع الأسف لم نجد أي تفاعل جدي لمحاربة هذه الآفة الخطيرة". (القبس، 21/ 1/ 2019).تحدث للصحفية كذلك في 4/ 2/ 2019 د حيدر بهبهاني مساعد نائب مدير الجامعة للأبحاث، وقال إن الجامعة "لم تعتمد أوراقاً علمية مضروبة". غير أن هذا التطمين يشبه ربما ما قاله جحا لنفسه عندما سرق لصٌّ خزانته، بأنها "مقفلة بإحكام" وبأن "المفتاح عندي" فلا يخفى أن "الشهادات المضروبة" موجودة في الكثير من الوزارات والمؤسسات الكويتية والعربية، ولا يسهل محاصرتها بالسبل المترددة التي اتبعتها الحكومة على امتداد السنين، ومنذ أن عمّ الحديث عنها، وقد تستمر بعد أن تهدأ عاصفة الملاحقة الحالية! تحدث د. بهبهاني في المقابلة نفسها عن تمويل الأبحاث من قبل الجامعة، وقال إن الأبحاث التي تحتاج تمويلا يتجاوز العشرة آلاف دينار يتم دعمها من قبل لجنة التمويل، وبيّن أن ميزانية الأبحاث "جرى تقليصها في السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع المالية في البلاد وانخفاض أسعار النفط، وكانت الميزانية في عام 2015- 2016 ضعيفة جداً، ولا تناسب احتياجاتنا". وقد سألته الصحيفة: "هل تسمحون لجهات من خارج الجامعة بتمويل الأبحاث؟ فأجاب: ليس لدينا مانع في ذلك، وهناك جهات حالياً تدعم وتمول منها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي". (القبس 4/ 2/ 2019).غير أن موضوع ومجال التمويل والإنفاق على البحوث العلمية أوسع بكثير، وهو مهمل إلى أقصى حد في عموم البلدان العربية كما هي الشكوى الدائمة. فلماذا لا تقوم علاقة مدروسة راسخة بين الحكومة أو القطاع الخاص وبين الكليات العلمية مثلا في مجال الزراعة أو الكيماويات أو الأدوية أو الأصباغ أو الإلكترونيات؟ ولماذا لا تضع جامعة الكويت أو غيرها لنفسها هدف الاستقلال المادي عن الصرف الحكومي عليها أو التقليل منه؟ولماذا لا يتم التنسيق والتعاون مثلا بين الحكومات والجامعات والشركات والبنوك الخليجية أو غيرها لتحقيق أهداف استثمارية معينة أو إنتاج ما يمكن تسويقه عربياً وربما عالميا في المجال المدني أو العسكري؟ ولماذا تنجح كبرى الجامعات الإسرائيلية في مجال الاختراع والاكتشاف والتطوير، وتتكدس المليارات في ميزانية بعض الجامعات الأهلية الأميركية، في حين لا نزال، رغم كثرة أموالنا واتساع ثرائنا، نفكر بعقلية جامعات العالم الثالث والرابع؟!إذا لم تكن "جامعة الكويت" و"المعهد التطبيقي" بارزتين في مجال الأبحاث والدراسات والابتكار، فهل تؤديان الحد المعقول في مجال المخرجات وسد احتياجات سوق العمل؟ملف القبس قبل ثلاثة أعوام والذي نشر على صفحتين في 1/ 5/ 2016، بعناوين لافتة، قال شيئا آخر!56 ألفا تخرجوا خلال 5 سنوت، 4 آلاف عاطل تخصصاتهم نظرية، مصير الطلبة معلق بعد تخرجهم، 23 ألف طالب جامعي منهم 125 طبيب أسنان فقط، عميد الدراسات التجارية في الهيئة يقول التعليم في الكويت ضعيف، د. أسعد الزيد كما نقلت الصحيفة تصريحه قال "إن مستوى وجودة مخرجات التعليم في الكويت غير مرضية، ويرجع السبب إلى أن المستوى التعليمي لدينا ضعيف". من أبرز أسباب هذا الضعف كما ذكرها، عدم الاهتمام بالطالب منذ الصغر، و"تأسيسه منذ الصغر على الاعتماد الذاتي في عمل البحوث والدراسات وليس كما هو حاصل في الوقت الراهن، بعض الطلبة يعتمدون على الأبحاث الجاهزة في مكتبة الطالب"، كما "أن الطلبة لا يتحملون مسؤولية مستواهم الضعيف ولا يمكن تغيير ما تعلمه الطالب في 12 عاماً بعامين من خلال دراسته الجامعية".ومن عناوين الملف الأخرى عنوان يقول: "9 آلاف وظيفة تحتاجها الدولة ولا مؤهلين للعمل"، "شح التخصصات الطبية وتُخمة هندسية".معظم الجامعات العربية غارقة في مشاكل متشابهة ومنها غياب الخطط التنموية، وكثرة الطلاب، وتخلف المناهج، واهتراء البنية التحتية من مبان وفصول، وغموض مستقبل الطالب، وغير ذلك كثير! بالطبع إلى جانب ما ذكرنا من فقر في الإنتاج المعرفي والأبحاث. نحن نثبت أن جامعاتنا ودولنا الثرية ليست أحسن حالا... في نهاية المطاف!مدير إدارة التعليم والبحث العلمي بجامعة الدول العربية بالقاهرة، "علي محسن حميد" كتب قبل أعوام عن "البحث العلمي في الدول العربية" وقال في ورقته: "برغم أن لدينا 300 جامعة عربية عريقة وحديثة تضم أكثر من عشرة ملايين طالب جامعي إلا أن أيا منها لم تحظ بشرف الانتساب إلى قائمة الخمسمئة جامعة المرموقة والأفضل في العالم طبقا لتقييم شغهاي لعام 2005، ووضعها الراهن يجعل التعويل عليها في إحداث تحويل نوعي في البيئة العالمية وتحقيق إنجاز علمي عربي محدودا للغاية. ونتيجة لذلك فإن النظام التعليمي العربي من ألفه إلى يائه عاجز عن الوفاء بمتطلبات التنمية القطرية وعن توفير فرص التكامل الاقتصادي العربي ووضع العرب على الخريطة العلمية العالمية. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة لضعف التجارة البينية العربية الذي سيظل على هذه الحال طالما ظل التعليم والبحث العلمي متخلفين ومعهما التنمية المرتبطة بها أشد الارتباط، ولغياب العرب الطويل عن ساحة المنافسة التجارية والصناعية والعلمية الدولية". (شؤون عربية-131- خريف 2007، مقال "البحث العلمي في الدول العربية، ص169)وإذا وضعنا البحوث في مجال العلوم البحتة والتطبيقية والتكنولوجيا جانباً، فهل باحثو العالم العربي أحرار في اختيار مواضيع وميادين بحثهم؟ ألا تتدخل السلطات الجامعية أو السياسية أو الدينية بالمنع في بعض المواضيع التي تعدها "حساسة"، فتسد الطريق وتمنع المضي فيه؟ هل نحن أحرار حقاً في أن نبحث كما نشاء داخل الجامعات العربية، في مجالات السياسة وعلم الاجتماع والفلسفة والدين وحتى الجغرافيا والتاريخ؟ وضع عالم الكيمياء المصري-الأميركي، د. أحمد زويل (1946- 2016) يده على مشكلة أخرى وهي "الانهيار الأخلاقي"، فقد ذكرت صحيفة "النهار" الكويتية في 16/ 2/ 2010 أن د. زويل شن هجوما عنيفا في محاضرة له بدار الأوبرا بالقاهرة على شتى جوانب التعليم في مصر، ودعا فيها إلى "إطلاق العنان للتفكير".وانتقد حال الإعلام المصري وتركيزه بنسبة 99% على السياسة، وقال إنه يلاحظ ضعفا في القيم الدينية الحقيقية بجانب ضعف الثقافة واللغة العربية، وزيادة الاتجاه للاتجار بالتعليم. ورغم مضي قرابة العقد على تحذيرات د. زويل فإن انحدار القيم التربوية وبنى التعليم التحتية لا يزال مستمراً في مصر والعالم العربي، وبخاصة إزاء ما نرى من الشهادات المزيفة والبحوث المضروبة والجامعات المتمركزة في غرفة أو شقة واحدة. ويحاول الكثير من الباحثين والمتخصصين الطموحين، مثل د. زويل نفسه، الهجرة إلى الغرب وجامعاته ومراكز أبحاثه. وفي مارس 2013 أشار تقرير نشر في صحيفة "الحياة" إلى أن 34% من أطباء بريطانيا ينتمون إلى جاليات عربية، كما جاء في حديث لأمين الجامعة العربية خلال مؤتمر لدراسة الأوضاع "بعد ثورات الربيع العربي". وأورد د. "نبيل العربي" نفسه أن 600 عالم مصري "يعملون في الغرب في تخصصات عالية، مع وجود 854 ألف اختصاصي مصري مهاجر وقرابة أربعة ملايين من خيرة الكفاءات العلمية في الغرب"، وأكد وزير التربية المصري د. مصطفى مسعد "أن 54% من الطلاب العرب الذين يسافرون للدراسة في الخارج لا يرجعون إلى أوطانهم".وذكر مسؤول آخر أن العلماء العرب في الخارج ينظرون بحسرة وألم إلى العالم العربي "مقارنة بدول أخرى مثل الهند والصين وكوريا الجنوبية التي استطاعت الاستفادة من أبنائها المهاجرين علماً أن نسبة المغتربين العرب أضعاف نسب المغتربين من هذه الدول". (الحياة، 10/ 3/ 2013)ماذا عن "معهد الكويت للأبحاث العلمية"، ومعاهد البحث العلمية الأخرى في العالم العربي؟ لماذا لا تكون هذه المعاهد مصدراً للدخل والصعود العلمي؟
مقالات
«سوق النخاسة»... للبحوث العلمية والأكاديميا!
25-04-2019