السعودية وبوليفيا والفلبين
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
وعلى منوال مقارب لا مطابق ترد إرهاصات إطلاق اسم بوليفيا على تلك الدولة المغلقة عن البحار في غرب حوض الأمازون في وسط أميركا الجنوبية، فبوليفيا تنسب إلى سيمون بوليفار، ذلك البطل المحرر من نير الاستعمار الإسباني الذي يُحتفى به في سائر دول أميركا اللاتينية ويطلق اسمه على عديد من مقاطعاتها، ومع ذلك لم يكن بوليفار هو من قاد حروب تحرير بوليفيا من الإسبان، مباشرة كما فعل في دول أخرى، كما في موطنه فنزويلا، أو في كولومبيا أو في غيرها. كلا، فحين تحقق ذلك في الربع الأول من القرن التاسع عشر، كان، بدعم من بوليفار بالطبع، ولكن على يد القائد أنطونيو دي سوكر، الذي تنسب إليه العاصمة السياسية لبوليفيا. وبالمناسبة أيضا، فعلى غرار المملكتين، العربية السعودية، والأردنية الهاشمية، فإن التسمية الرسمية لجمهورية فنزويلا تحمل لقب البوليفارية، كما أن العملة المتداولة فيها هي البوليفار توسما بالبطل سيمون بوليفار.وفي سياق مغاير تماما ويثير الغرابة يمكن إيراد حال أرخبيل الفلبين في شرقي بحر الصين الجنوبي، فمجموعة الجزر التي يربو عددها على السبعة آلاف شهدت رسو سفن المستكشف الإسباني روي لوبيز دي فيلالوبوس مصادفة في منتصف القرن السادس عشر، الذي أطلق عليها اسمها الحالي نسبة إلى ملك إسبانيا القاصر آنذاك فيليب الثاني، وقد مكثت جزر الفلبين منذ ذلك الحين مستعمرة إسبانية حتى تحررها في نهاية القرن التاسع عشر. ما يثير الغرابة هو سر احتفاظ شعب تلك الجزر بالتسمية الإسبانية أو قل الانتساب على اسم علم إسباني رغم ترامي مواطن سكانه وغزارة عدد سكانه وتنوع مشاربه المنتمية إلى ثقافات جنوب شرق آسيا. ناهيك عن أن سياسة المستعمر الإسبانية قد حملت كثيرا مشاريع تبديل الهوية الدينية والثقافية لسكان الجزر. ولعل مساعي الرئيس الحالي إلى الدفع نحو إعادة تسمية الدولة، إلى مهارليكا، خطوة نحو إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فالتسمية الحالية للجزر لا يدعمها أي اعتبار، لا من تاريخ الجزر أو ثقافتها أو محيطها المتاخم.هذه أمثلة لدور الأفراد في صنع هوية الأمم، وهي ليست الأمثلة لا غيرها، فلو شئنا الاستزادة لذكرنا الولايات المتحدة الأميركية، التي تنسب إلى الإيطالي أميريغو فيزوبوتشي، معاصر كريستوفر كولومبس الذي تنسب إليه على المنوال نفسه جمهورية كولومبيا وكثير من مقاطعات ومدن دول أميركا، وفضلا عن تلك الأمثلة هناك الدولة العثمانية التي عمرت لقرون عديدة وبالكاد مضى قرن منذ اندثارها.