الكويت وجذور فطرتها
طالعت قبل فترة إحدى المقالات وكان فيها التساؤل: "هل الشعوب المتفوقة سياسيا وعسكريا أسعد من غيرها؟"، وللإنصاف التساؤل ربما يبدو منطقياً في جزء منه لكنه لا يصف "حقيقة"، فلكل وطن وشعب "هوية أصيلة" متلازمة له لا تتغير في حقيقتها ولا تتبدل في واقعها، الكويت مثلاً ومنذ تأسيسها على يد آل صباح الكرام اشتهر أهلها بالتسامح والمساعدة وحب الخير، بل إن أهم مكونات الشخصية الكويتية تمثلت بأن جبل أهلها على احترام الكبير والألفة والإيثار، وفي ظني (وبعض الظن له ما يبرره) أن جذور تلك الفطرة والسمات اكتسبها الكويتيون من الأجداد والآباء قبل حتى أن يعرفوا التعليم النظامي من خلال المساجد والكتاتيب والمطاوعة، أقول ذلك وأنا أرى هذا الحرص المتصل بالماضي وترسيخه ووصله بالحاضر من قبل الكويت "ممثلة في حضرة صاحب السمو" وأهلها على التشجيع الدائم لتبني مسابقات "حفظ القرآن الكريم والمشاركة فيه". فقبل أسابيع كان الحفل لتكريم الفائزين والفائزات في مسابقة الكويت الكبرى الثانية والعشرين لحفظ القرآن الكريم وبحضور سمو ولي العهد الشيخ نواف، إذ بلغ عدد المشاركين فيها نحو 40 جهة حكومية وخيرية، كذلك تشهد الكويت في تلك الفترة انطلاق فعاليات جائزة الكويت الدولية العاشرة لحفظ القرآن الكريم وقراءاته وتجويده وتلاوته، وحضر افتتاحها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح، وهي من الجوائز التي تمتلك مكانة بين الجوائز العالمية، وذلك لارتفاع نسب الحضور والمشاركة المتزايدة التي تشهدها منذ انطلاقها، إذاً لا مبالغة بأننا أمام مشهد يعكس حرص راسخ من الكويت وأهلها على خدمة كتاب الله تعالى وتنشئة أجيال وتربيتهم على تعاليم الدين وعلى القرآن والوسطية الصحيحة، وأن هذا الوطن حريص على (الفطرة) التي جبل عليها أبناؤه من ترسيخ القيم الإسلامية والاهتمام بحفظة القرآن الكريم، والعمل على رفع مكانتهم وعلو منزلتهم.
أعود إلى حيث بدأت، لأقول إن سعادة الأوطان، وإن كانت تبنى بالعلم والعمل، تظل رهينة ومنقوصة إن لم يعززها الإيمان، حتى إن كانت التبدلات الثقافية والاجتماعية المتسارعة تفرض علينا مجاراتها ومواكبتها، لكن حجتي أنه كم من الشعوب والأمم ترجلت وخبت قوتها حين فقدت "جذور فطرتها".