خاص

الأديب والمترجم أبوبكر العيّادي لـالجريدة•: كثير ممن يكتبون الرواية اليوم لا يملكون حساً إبداعياً

نشر في 28-04-2019
آخر تحديث 28-04-2019 | 00:00
أكد الأديب والمترجم التونسي الكبير أبوبكر العيادي أن هناك كثيرين لا يملكون حساً إبداعياً أقبلوا على كتابة الرواية. وقال العيادي المهاجر إلى فرنسا ويقيم في عاصمة النور منذ عام 1988، إن وجود محظورات ثقافية في بعض الأقطار العربية حدّ من حرية الكتّاب، مضيفاً في حوار أجرته معه "الجريدة" أنه يحاول من خلال الأعمال، التي يترجمها إلى الفرنسية، التعريف بالقصص العربي القديم والموروث الشفوي التونسي... وإلى نص الحوار:
● ما أبرز المحطات في مشوارك الأدبي، التي تعكس تنامي تجربتك المميزة؟

- لا أدري هل هي محطات أم لا، لأن الشرط في تمييز بعضها عن بعض أن يكون ثمة قطعٌ بين مرحلة وأخرى، والحال أن السابق في مسيرتي كان يسلم إلى اللاحق في نوع من النمو الطبيعي، الذي لا يعدمه أي كائن حيّ، سويّ البنية. يمكن أن أذكر التحاقي بنادي القصة، الذي ساعدني أعضاؤه المتمرسون في صقل أدواتي الفنية، ثم إشرافي على الملحق الأدبي لجريدة "الصباح"، الذي زادني اطلاعاً على الساحة الأدبية من الداخل، ثم انتقالي منذ أواخر الثمانينيات إلى عاصمة الأنوار، حيث استفدت كثيرا من وجودي بواحد من أهم المراكز الثقافية في العالم. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

● هذا الشلال الهادر من الروايات التي تصدر في العالم العربي، هل يؤشر إلى صحوة أدبية أم يعكس ظاهرة سلبية لخوض أشباه المبدعين مجال الكتابة؟

- عادة نقول إن الكمّ يُفرز الكيف، لكن ما يحدث في ساحتنا العربية أن الكمّ، الغثّ في عمومه، هو من الكثافة بما يغطي على التجارب المتميزة، في غياب نقد جادّ يفصل الحنطة عن الزؤان، ويحلّ كل كاتب المكانة التي يستحق. فما نلاحظه اليوم أن كثيراً ممن لا يملكون حساً إبداعياً، أقبلوا على كتابة الرواية إقبالهم على موضة، منهم أدعياء استسهلوا السرد استسهال سابقيهم قصيدة النثر، ومنهم أكاديميون يبحثون في كتابة الرواية عن حضور لم يحوزوه بمؤلفاتهم الأكاديمية. والمخجل أن المؤتمرات والندوات ومعارض الكتب التي تعقد هنا وهناك في الوطن العربي لا تستحي أن تدعو من لا تجربة له للحديث عن الرواية وقضاياها وآفاقها، لمجرد أنه "اقترف" كتيباً، كما يقول الفرنسيون، وتغض الطرف عن أصحاب التجارب الجادة، فتمنحهم شرعية حضور ليسوا أهلاً لها.

● كيف ترى اتجاه روائيين كُثر -من أصحاب التجارب الإبداعية الأولى- خلال السنوات الأخيرة إلى النوفيلا أو الرواية القصيرة؟

- قد يكون لعامل السن دور في ذلك الاختيار، فروايات نجيب محفوظ في المرحلة الأخيرة كانت قصيرة، أقرب إلى النوفيلا، وقد يكون هذا المسار مبنياً على فكرة خاطئة، أن إنسان هذا العصر المتسارع لم يعد يجد الوقت لقراءة الروايات الضخمة، خصوصاً في ظل هيمنة وسائل الاتصال الحديثة وأدواتها التكنولوجية المذهلة. وهذا لا يعني أن الرواية صغيرة الحجم دون نظيرتها الكبيرة أهميةً، فقد استطاع المكسيكي خوان رولفو مثلاً أن يفرض اسمه كواحد من أهم روائيي أميركا اللاتينية، بفضل رواية لا تتجاوز مائة وخمسين صفحة من القطع الصغير هي "بدرو بارَمو".

● الأعمال التي يوغل أصحابها في التجريب، برأيك هل تعبر عن منتج أدبي حقيقي يستحق الإشادة أم ثمة حدود للتجريب؟

- التجريب في المطلق مشروع، فكل مبدع يريد أن يكتب على غير مثال، ويستكشف طريقاً لم يألفها سابل، ولكن شرط أن يحافظ على خيط يربطه بالقارئ، وإلا كان نصه حجاء يفسره من يشاء كما يشاء. فالتجريب ليس مجرد مخالفةٍ للأنماط السائدة وخروجٍ عن المألوف بأي وسيلة، حتى رصف الكلام بلا ضابط ولا رابط، بل هو تعبير عن حساسية جديدة تعكس رؤية للإنسان والعالم في لغة حديثة وأسلوب مبتكر يواكبان إيقاع العصر، ولكن شرط أن يحافظ النص على مقروئيته، وإلا كان لغواً قد يلبي أفق انتظار بعض النقاد والأكاديميين الباحثين عن "المختلف" دون أن ينجح في شدّ اهتمام القارئ. ويحضرني هنا مثال الأميركي دافيد فوستر والاس الذي نشر رواية تجريبية من ألف صفحة عنوانها "حذلقة لا متناهية"، وكان يؤمن بأن الأعمال التجريبية والطلائعية قادرة على الإمساك بالكيفية، التي يلامس فيها العالم دقائق أعصابنا، فقد اعترف قبيل انتحاره بأن "أغلب البدع التجريبية عسيرة بشكل مقرف، والجهد الذي تتطلبه من القارئ يفوق بكثير ما تُقدّمه. حتى الأعمال التجريبية الكبرى التي كنت مضطراً لقراءتها لأني أمارس اللون نفسه، كان ينتابني إحساس بأني أشبه بطفل صغير يتحدث الكبار فوق رأسه، وأن الكتاب الذي أقرأه وضع للآخرين، كتّاباً ونقاداً ومنظّرين".

● انتشار الجوائز الأدبية العربية وكثرتها في مجالات القصة والشعر والرواية... هل تراها ظاهرة إيجابية في فرز وتقديم أفضل منتج للقارئ، أم لديك رأي آخر؟

- الجوائز تحفز على الإبداع، فالرواية عندنا في تونس لم تزدهر إلا بظهورها، ولكن وجود المحظورات الثقافية في بعض الأقطار العربية حدّ من حرية الكتّاب، الراغبين في دخول السباق، فصاروا يكتبون وفق شروط محددة، تخالف جوهر الإبداع، كما أن تحيّز اللجان إلى هذا الكاتب دون ذاك أفقدها نزاهتها، فقد شاهدنا في الأعوام الأخيرة تتويج أعمال متواضعة، لمجرد أن لأصحابها علاقات مع تلك اللجان، أو رؤسائها، وهذا يسيء كثيراً إلى ما يكتب اليوم.

● إلى جانب إبداعك في القصة والرواية والمقال الصحافي والمسرح، تعمل أيضاً في الترجمة. كيف ترى أهمية ما ينادي به البعض من ضرورة الاهتمام بالترجمة العكسية لنقل الأعمال العربية المهمة للقارئ الغربي؟

- الفكرة في المطلق جيدة، ولكن نقل أدبنا وثقافتنا إلى اللغات العالمية يمر حتماً عبر النشر المشترك بين العرب والمؤسسات الأجنبية، لأن ما يترجمه العرب، على أهميته، لا يوزّع في الغالب ولا يُقرأ. فلئن كنا نعرّب إنتاج هذا الغرب باختيارنا، فإنه في المقابل يفرض ما يناسبه، ويصرّ على اختيار مترجميه، وعادة ما ينظر إلى المسألة من زاوية تجارية ربحية، فلا ينقل إلا ما يضمن ترويجه، أي ما يثبت الصورة التي رسمها لنا في أغلب الأحيان. لقد حاولت، فيما نقلت إلى اللغة الفرنسية، التعريف بالقصص العربي القديم، والموروث الشفوي التونسي.

● ما الذي تعكف على كتابته الآن؟

- مجموعة قصصية ثامنة، أطارد فيها الردة الحضارية التي تشهدها تونس، اليوم، تحت حكم النهضة ومن سار في ركابها، ورواية سابعة عن مقاومة أهالي المناطق الحدودية في الشمال الغربي للزحف الاستعماري في أواخر القرن التاسع عشر.

وجود محظورات ثقافية في بعض الأقطار العربية حدّ من حرية الكتّاب

أحاول في ترجماتي إلى الفرنسية التعريف بالقصص العربي القديم
back to top