تكريماً للدكتور أنطون غطاس كرم، في مئوية ولادته وبمرور أربعين سنة على رحيله، عقدت دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) ندوة عنه، وقد جمعت الندوة طلاب د. كرم السابقين وزملاءه وأصدقاءه وعائلته، وكرّمته كأستاذ موقّر وشخصية أدبية بارزة، تقديراً وامتناناً واحتراماً لتراثه الكبير والملهم.

وُلد أنطون غطاس كرم في 12 أبريل 1919، وتخرّج في الجامعة الأميركية في بيروت مع بكالوريوس (1945) وماجستير (1947) في تعليم اللغة العربية. وبعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس، عاد إلى لبنان ليصبح أول عميد لكلية الفنون والآداب في الجامعة اللبنانية، في الفترة بين عامي 1960 و1963، ثم شغل منصب أستاذ زائر في جامعة كولومبيا بين عامي 1967 و1968، وقرر بعدها العودة مرة أخرى إلى الجامعة الأميركية في بيروت عام 1971 حيث عمل رئيساً لدائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى حتى عام 1974، وحيث كان أيضاً أستاذاً للأدب العربي والفكر الإسلامي.

Ad

وضع د. كرم العديد من المؤلّفات والترجمات، مثل كتاب "النبي" لجبران خليل جبران. كما أسّس جمعية أصدقاء الكتاب في لبنان وحصل على جائزة الجمهورية اللبنانية للأدب في عام 1974. وحصل لاحقاً على وسام الأرز اللبناني من رتبة ضابط.

توفي د. أنطون غطاس كرم عام 1979 في بيروت. واحتُفل في حياته بافتتاح مكتبة عامة في جزين وبإنشاء قاعة د. أنطون غطاس كرم الإلكترونية في مكتبة يافث التذكارية في الجامعة الأميركية ببيروت.

ندوة ولغات

خلال الندوة قال رئيس دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى د. بلال أورفلي إن الدائرة افتخرت دائماً بتاريخها وبتراثها. وأردف: "الحديث عن د. كرم هو الحديث عن عصر ذهبي في تاريخ الدائرة والجامعة. لقد عَرَفَت هذه الدائرة العديد من العمالقة، منذ أيام الشيخ ناصيف اليازجي عندما تأسست الجامعة في عام 1866. وينتمي أنطون كرم، اللامع الذي نحتفل به اليوم، إلى جيل العمالقة هذا. ومن واجبنا تكريمه والاحتفال بمساهماته دائماً". وقدّمت الندوة شهادات بالفيديو لطلاب د. كرم السابقين، د. ريتا عوض، ود. أسعد خيرالله، ود. طارق متري، والكاتب مروان نجار، ود. أمين ألبرت الريحاني، ود. نازك سابا يارد. وهم تحدثوا عن الإلهام الذي أشعله في نفوسهم والأثر الذي أحدثه في مساراتهم الفكرية والأكاديمية والمهنية.

وقال الكاتب مران نجار، الذي كان طالباً في صفّ د. كرم: "كان الناقد الذي لا يستريح. وكان أيضا الأناقة والحساسية، والدقة والحساسية معاً. كان قاسياً جداً في حكمه، لكنه كان مهذباً جداً في التعبير عنه. في تعليمه وحياته ومماته، كان مهذباً جداً. حتى أنه قبل وفاته، دخل في غيبوبة بضعة أيام، وكأنه يستأذننا الرحيل. لقد كان مهذباً حتى في وفاته".

وقالت د. ريتا عوض، التي عرفت د. كرم حين كانت طالبة دكتوراه في دائرة اللغة العربية: "لا أنسى أبداً دقّته العلمية وحساسيته الشديدة، وثقافته الواسعة، وأخلاقه العالية. ولا أنسى أيضاً أناقة مظهره وحديثه. كان صوفياً في شغفه بما كان يعلّمه. الحضور كانوا يشعرون أنه وضع روحه في محاضراته... وكان في كثير من الأحيان يدمع العينين وهو يصف روعة الفن الإسلامي الذي رآه في النجف. وارتجف صوته تأثّراً وهو يقرأ أبيات السياب وحاوي وأبو النواس والمتنبي. لا عجب أن قلبه الرقيق توقّف لأنه رأى الحرب الأهلية تمزّق لبنان الذي أحبّه حتى الموت".

بعد ذلك، قُدّمت مداخلات أساتذة من الدائرة. فتحدثت د. زينة حلبي عن تأثير أنطون غطاس كرم على الأدب العربي الحديث. ثم تكلّم د. نديم النعيمي عن تأثيره على الكتابة الإبداعية. ثم تكلم البروفسور رمزي بعلبكي، أستاذ كرسي جُوِيت للدراسات العربيّة في الدائرة، عن دور د. كرم القيادي في الجامعة الأميركية في بيروت. وتحدث خبير الاتصالات، رمزي النجار أيضاً عن دور د. كرم الرائد وتأثيره في المنطقة.

رئيس الجامعة الأميركية في بيروت د. فضلو خوري قال: "أنطون غطاس كرم هو شخصية رئيسية في دائرة اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت وأستاذ متميّز في الأدب العربي. وكل من عرفه يقدّره تقديراً كبيراً".

وتحدث الرئيس خوري أيضاً عن ميراث كرم وإسهاماته الغنية في الأدب العربي. وقال: "لقد ترك فراغاً كبيراً في حياة عائلته، وحياة أسرته في الجامعة الأميركية في بيروت وطلابه العديدين. ونحن في الجامعة الأميركية في بيروت نتعهّد بتكريم ذكراه طالما حيينا".

د. شادي كرم، نجل د. أنطون غطاس كرم، قال: "كل يوم، كنت أتعلّم شيئاً من والدي، وأُغني عقلي وقلبي وروحي". ثم روى ذكرياته عن والده "تسونامي (طوفان) المعرفة والحكمة والثقافة الذي حفظ عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية بأربع لغات". وقال إن والده كشف وجود أكثر الروابط استبعاداً بين الرومانسيين الألمان، والكُتّاب والمسرحيين الفرنسيين والإنكليز والإيطاليين، وأدباء الكلاسيكية اليونانية واللاتينية ومفكّري الحداثة، والكُتّاب الطليعيين".

وختم شادي كرم قائلاً: "شكراً لك أيها الرئيس فضلو خوري وشكراً للجامعة الأميركية في بيروت لمساعدتكم لنا بفعالية كبيرة في الحفاظ على ميراث أنطون غطاس كرم طوال كل هذه السنوات... شكراً لكم جميعاً على مشاركتنا في هذه اللحظات الثمينة... أنطون غطاس كرم كان حاضراً في هذه القاعة اليوم بقوة من خلال كلماتكم".