نقاش الهدف الاستراتيجي للشعب الفلسطيني (1)
لا يمكن تحديد الهدف الاستراتيجي لنضال الشعب الفلسطيني دون فهم علمي للواقع الذي يعيشه.وهناك معطيات لهذا الواقع لم يعد ممكنا تجاهلها. وهي أولا، أن كل مكونات الشعب الفلسطيني تعيش اليوم نمطا واحدا من الاضطهاد العنصري الإسرائيلي، وهو نظام الأبارتهايد، الذي يمس حياة ومصالح الفلسطينيين في الداخل، وفي الأراضي المحتلة، وفي الخارج.
وثانيا، أن إسرائيل، وبدعم مطلق من الإدارة الأميركية، تقضي على فكرة ما يسمى حل الدولتين، وقد أزالت فعليا الحدود بين الضفة الغربية وباقي فلسطين التاريخية تمهيداً للضم والتهويد الشامل.وثالثا، أن الحركة الصهيونية، وحكومة إسرائيل تضع كل ثقلها وثقل مخططاتها، لفصل السكان الفلسطينيين عن الأرض، تجنبا لوقوع الكارثة الديمغرافية بضم سكان الأراضي المحتلة لإسرائيل. وهي لذلك تبحث عن حلول للأزمة الرئيسة لمشروعها، وهي الأزمة الديمغرافية، تارة بترسيخ فصل غزة عن الضفة الغربية، وتارة بالترويج لفكرة الكونفدرالية مع الأردن، بحيث تشمل سكان الضفة دون أرضها، وتارة بالتضييق الاقتصادي والاجتماعي لتشجيع هجرة الفلسطينيين، وأخيرا بمشروع صفقة القرن الرامي إلى استخدام التخدير الاقتصادي لتكريس منظومة بانتوستانات ومعازل تدار بحكم ذاتي هزيل، دون سيادة، ودون صلاحيات، ودون مقومات دولة. لسنوات طويلة منذ الثمانينيات تبلور الهدف الاستراتيجي الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس، وحظي هذا الهدف بتأييد عربي ودولي. ورأت فيه كثير من الأطراف الدولية بديلا لما كانت حركة التحرر الوطني الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية تتبناه وهو إقامة "الدولة الديمقراطية الكاملة" في كل فلسطين. ولسنوات طويلة سكتت الأطراف الدولية نفسها على إمعان إسرائيل في توسيع الاستيطان الاستعماري الذي يقضي على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما امتنعت عن اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد ما قامت به إسرائيل من خروقات متكررة، منهجية ومتواصلة للقوانين والقرارات الدولية. رأينا العراق يعاقب، ثم رأينا السودان يعاقب، ثم رأينا ليبيا تعاقب، ثم رأينا إيران وكوريا تعاقب بحجة نشاطها النووي، ثم رأينا روسيا تعاقب، وتركيا تعاقب، ولم تتجرأ دولة واحدة على فرض عقوبات على إسرائيل والتي تملك ما يقدر بمئات القنابل النووية، بل الهيدروجينية، باستثناء جنوب إفريقيا التي خفضت التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل ردا على عنصريتها. ورأينا "ملك إسرائيل" نتنياهو يكافأ بدل أن يعاقب على فساده، واستعماره الاستيطاني، ونهجه في قتل اتفاقيات السلام، وأخيرا إعلانه الصريح لنواياه بضم الضفة الغربية.كافأته الإدارة الأميركية بنقل سفارتها للقدس والاعتراف بضم الجولان، والمس بحقوق اللاجئين، وفرض عقوبات على الفلسطينيين ومنظمة التحرير، وستكافئه قريبا بما يسمى "صفقة القرن" التي لا شك لدي أنه أملى بنودها بنفسه. وتبرز هنا ثلاثة أسئلة رئيسة:هل ما زال صحيحا تجزئة نضال الفلسطينيين الذي نشأ بعد اتفاق أوسلو، وتبني حل الدولتين؟ وهل يمكن إلحاق الهزيمة بنظام الأبارتهايد العنصري، دون توحيد طاقات وجهد ونضال كل مكونات الشعب الفلسطيني سواء الذين يعيشون داخل أراضي 1948، أو في الأراضي المحتلة عام 1967، أو في الخارج وفي مخيمات اللجوء؟والسؤال الثاني، هل حان أوان تبني هدف إسقاط كل نظام الأبارتهايد والفصل العنصري في كل فلسطين التاريخية لا في أجزاء منها؟ والسؤال الثالث، ما الذي سيحدث للهدف المعلن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967؟ وكيف يمكن الرد على استغلال إسرائيل لتبني هدف إسقاط الأبارتهايد وشعار الدولة الديمقراطية الواحدة، لتبرير ما تقوم به من قضاء على فرص قيام دولة مستقلة فلسطينية مستقلة؟وهذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها، دون التأكيد على ثلاثة أمور:أولا، أن النضال الفلسطيني لإسقاط النظام العنصري وإرساء نظام ديمقراطي يتساوى فيه الناس في الحقوق والواجبات في دولة واحدة تشمل كل فلسطين التاريخية، يجب ألا يقتصر على المساواة في الحقوق المدنية، بل أن يتضمن الحقوق القومية للشعب الفلسطيني. ثانيا، أن بلورة الهدف الاستراتيجي لا يمكن أن تتم دون آلية لتحقيق الحد الأقصى من الإجماع الفلسطيني عليه.ثالثا، أن صعوبة التحديات والأسئلة المطروحة لا تبرر، ولا يمكن أن تقبل كمبرر، للمراوحة في المكان، فالمرواحة أثناء معركة محتدمة لن تؤدي إلا إلى الفشل.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية