جمال النوفلي: الشعر لم يعد ديوان العرب!

«هيا نحضر عرساً في اليونان» أحدث كتبه في أدب الرحلات

نشر في 29-04-2019
آخر تحديث 29-04-2019 | 00:12
ولد الكاتب العماني جمال النوفلي في قرية "ودام" بسلطنة عُمان، وهي ذات القرية التي ولد فيها الخليل بن أحمد الفراهيدي، أحد أئمة الأدب، وواضع علم العروض، ويبدو أن جينات الأدب انتقلت إلى النوفلي، فبرع في كتابة الشعر والرواية والمقال الصحافي، ويعتبر كتابه الصادر حديثاً "هيا نحضر عرساً في اليونان" من أروع كتب أدب الرحلة... "الجريدة" التقته في هذا الحوار:

● يُنسب إليك قولك إن عبارة "الشعر ديوان العرب" استهلاكية... ماذا تقصد؟ وهل يعني ذلك تفوق أنواع أدبية أخرى على القصيدة؟

- أقصد بقولي "استهلاكية" أن هذه العبارة الشهيرة قيلت في مراحل سابقة من النقد لأجل وصف الشعر العربي القديم، سواء الجاهلي أو ما بعده من العصور، حين كان الشعر يحتل المرتبة الأولى بين الفنون الأدبية، وحين كان لزاماً على أي دارس لتلك العصور أن يعود لقراءة ما كتب فيها من أشعار، أما الشعر العربي اليوم فهو لا يحمل تلك الصفات، ولا يصح أن يطلق عليه ديوان العرب، فالرواية صارت أكثر انتشاراً وطلباً، وتحظى باهتمام أكبر من جانب الجمهور المتذوق. وصار لدينا تنوع في الفنون الأدبية التي تنافس الشعر، كالقصة والمسرح والموسيقى. هناك كم غفير من الشعراء والناظمين في العالم العربي، وهو أمر حسن لو كانوا فعلاً يقدمون شعراً يستحق القراءة والإمعان والاستمتاع.

● في ورقة بحثية قدمتها في الجمعية العمانية للكتاب بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية عام 2018 ، هاجمت تمجيد الفصحى من زاوية ضيقة هي اعتبارها لغة "الضاد"، وتحدثت عن ضرورة تطوير اللغة... فكيف برأيك يتم ذلك؟

- لن يتم تطوير اللغة العربية إلا بعد أن يعزز أبناؤها انتماءهم إليها، فأكثر العرب اليوم يفضلون التحدث بلغات أجنبية أخرى، وهذه الانهزامية صارت تنتقل إلى هذه الأجيال وما بعدها بشكل تلقائي. لابد لنا من الاعتزاز باللغة العربية أولاً والإصرار على استخدامها والتفاخر بها، خصوصا في المجالات العلمية والفنية والأدبية، لأن اللغة وعاء كل شيء، فحينما لا نتحدث لغتنا ولا نمارسها فإننا نخسرها ونخسر معها آدابنا وفنوننا وثقافتنا، وتكون "العربية" مجرد تاريخ ولغة خاصة بالعبادة عند المسلمين.

● للغة هي بوابة عبور المبدع إلى المتلقي... كيف وظفت ذلك في أشعارك؟ وأيهما أهم برأيك: اللغة أم تقنية الكتابة؟

- اللغة هي أيضاً جسر عبور المبدع إلى المتلقي، لهذا أحرص دائماً على أن تكون لغتي صحيحة أولاً، فلا يكون بها أي وهن أو خطأ لغوي، لأن ذلك ينفر القارئ الحاذق، ثم أحرص على أن أوظف تقنياتي وأدواتي الخاصة التي تتميز بالابتكار الموضوعي والتماسك في الأفكار والسلاسة في العبارة والعمق في المعاني دون الإكثار من استخدام الغريب من الكلام والثقيل من اللفظ، النص وإن كان نثراً فإنني أعامله كقصيدة شعرية قوياً في معانيه ساحراً في خياله متناسقاً ومتناغماً في عباراته وتراكبيه وصادقاً في مشاعره.

● اهتمامك برصد الأعمال الأدبية ذات الصبغة الإنسانية واضح من قراءاتك النقدية لبعض الكتب مثل "آدم بالأبيض والأسود" للصحافي أحمد الهنائي، إلى أي مدى تبحث عن الجمال الإنساني؟

- النفس الإنسانية لها اهتمام خاص في كتاباتي، من حيث الجمال أو القبح والخير أو الشر، تثير فيّ الدهشة دائماً هذه النفس البشرية بتناقضاتها العجيبة ومفاجآتها الصادمة، لهذا أفضل قراءة وعرض هذا النوع من الكتب، قدمت قراءة لكتاب "آدم بالأبيض والأسود"، وهو يطرح قضايا واقعية غريبة لشخصيات موجودة على أرض الواقع، كما تعرضت لقراءة كتاب "ماذا يعني هذا كله؟" للفيلسوف الأميركي توماس نيجل، وترجمة الروائي العماني حسين العبري، وهذا الكتاب عبارة عن مقدمة قصيرة في الفلسفة يتناول الإنسان وعلاقته بنفسه وبفكره وعقله والوجود بكل تجلياته من خلال طرح عميق سهل الفهم.

● برعت أيضاً في أدب الرحلة، وأصدرت أخيرا كتابك "هيا نحضر عرساً في اليونان"... حدثنا عن أجواء الكتاب؟

- هو كتاب مميز يرى بعض النقاد أنه أقرب للرواية أو السيرة الذاتية، رغم أنه مصنف كأدب رحلات، لأنه عبارة عن قصة شخص سافر في ظروف غريبة إلى اليونان لأجل مرافقة صديق له اسمه حمد، وقد سافرا لأجل تلبية دعوة لحضور عرس فتاة هناك، كانت الفكرة في السفر في بدايتها عادية وبريئة حتى يكتشف المسافر أشياء غريبة منها شكه في وجود علاقة عاطفية لصديقه، الأمر الذي يكاد يفسد حفل الزواج والرحلة برمتها، بالإضافة إلى الأحداث الغريبة والعقبات والمواقف الظريفة والجميلة التي تحصل في رحلة التنقل من العاصمة حتى الجزيرة التي سيقام فيها حفل الزواج، والمواقف مع العرب اللاجئين والمهاجرين هناك بسبب الحروب، فالوصف والتشويق والفكاهة وصدق المشاعر هو بعض ما يميز الكتاب.

● إلى أي مدى نفتقر إلى هذا اللون الأدبي المهم في العالم العربي؟

- في العالم العربي يوجد القليل ممن يكتب في هذا الفن، لأن من يكتب فيه يجد متاعب كثيرة، لأن عليه أن يكشف أشياء عن نفسه، وعن مرافقيه لا يتقبل الإنسان العادي أن تنشر أو يتحدث عنها، فإما أن يكتفي الكاتب بوصف الأمكنة والشوارع والأشياء دون التعمق في الحوادث المواقف، وعندها لن يكون ما يقدمه أدباً إنما تقارير صحافية، وإما أن يكتب بصدق وحرية، وهذا غير متوافر في المجتمع الشرقي.

● لكونك أمين صندوقها، ما الدور الذي تلعبه الجمعية العمانية للكتاب في سبيل تنشيط الثقافة والفكر في السلطنة؟

- تمثل الجمعية بيتاً لعائلة الكتاب والمثقفين العمانيين والعرب المقيمين في عمان، من خلال احتضان مناشطهم وإبداعاتهم وتقديمها للجمهور العربي بشكل يليق بها، ودعمهم بكل ما يمكننا تقديمه، وإتاحة مساحات واسعة ومتنوعة للإبداع والحوار الحر والتواصل الفكري، وتقوم الجمعية بعمل رائع وجهودها تلقى الإشادة من الداخل والخارج.

● ما أكثر ما يؤرقك فيما تتابعه بالمشهد الثقافي العربي راهناً؟

- السطحية واختلال الذائقة بسبب حالة الفوضى والعبثية التي سببتها وسائل التواصل الاجتماعي، فمعيار الإجادة أصبح الشهرة وكثرة المتابعين على حساب الجودة والأصالة وثراء النص، والأمر الآخر غياب النقد، فحركة النقد صارت ضعيفة ومتواضعة وإن وجدت فهي نتاج رسائل جامعية أُعدت لأغراض أكاديمية، والإبداع الثقافي بحاجة إلى حراك نقدي حي متواكب مع حركة النشر السريع.

● ما مشروعك الأدبي الذي تعكف عليه الآن وربما يخرج إلى النور قريباً؟

- كتاب في أدب الرحلات عن رحلة قضيتها في باريس، ثم شافهاوزن السويسرية، ثم ميونيخ الألمانية ربما سيكون اسمه "أوغاد في باريس وملائكة في شافهاوزن"، وكتاب آخر عبارة عن رواية اسمها "غريب لانكران" (لانكران مدينة في أذربيجان)، ورواية ثالثة بعنوان "لا تمش وحدك في الأردن".

أكثر العرب اليوم يفضلون التحدث بلغات أجنبية أخرى وهذه انهزامية

أحرص أن تكون لغتي صحيحة لأنها جسر عبوري إلى المتلقي
back to top