في الوقت الذي ترتفع معدلات القضايا المنظورة أمام المحاكم الكويتية، بدرجاتها الثلاث، مازالت النظم القانونية التي تحكم عملية التقاضي «مكانك سر»، وبمنأى عن التطور التكنولوجي، الذي يختصر إجراءات التقاضي ويسرع الفصل في الدعاوى والنزاعات القضائية، وباتت الاتهامات توجَّه إلى أحكام قانون المرافعات، المعني بتنظيم إجراءات التقاضي، لأنه المتسبب فيما يحدث، فضلاً عن غياب الدور الرقابي من مسؤولي وزارة العدل على العاملين على تيسير الخدمات القضائية، التي منها تسهيل رفع الدعاوى القضائية، وإعلانها، وإحالتها إلى إدارة الخبراء، وفي حال استئنافها أو تمييزها، العمل على ضم ملفاتها، وسرعة تحديد جلسات لها، وأخيراً العمل على تنفيذها.

وبعد تطبيق لأكثر من 40 عاماً لأحكام قانون المرافعات، المعني بتحديد إجراءات التقاضي، تُثار جملة من التساؤلات، وهي: هل حان الوقت لاستبدال هذا القانون بنظام قضائي آخر يحكم عملية التقاضي في الكويت، ويسهم في اختصارها، بما يكفل ضمان تحقيق العدالة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا؟ أم أن الأمر يحتاج إلى مراجعة أحكام القانون الحالي، وتعديل بعض بنوده، بما ينعكس بالإيجاب على منظومة التقاضي، التي ابتعدت عن التطور التكنولوجي، وأصبحت أسيرة للروتين الإداري، الذي جعل منها منظومة بطيئة لا تلبي طموحات المتقاضين، خصوصاً أنها لا تحدد زمنا للتقاضي، وتمنح لقضاة التنفيذ صلاحيات بالتقسيط، من شأنها تحصيل قيمة أحكامهم المالية على مدى سنوات تصل إلى 50 عاماً، بل تمنح القضاء رفع أوامر منع السفر عن المدينين مهما بلغت قيمة الأحكام المالية الصادرة بحقهم، لأسباب تصل إلى مواطنتهم، وأنه لا يُخشى هروبهم، ما يدفع الكثير إلى التحلل واقعيا من التزاماتهم المالية وبالقانون؟!

Ad

في البداية قال المحامي عبدالعزيز طاهر الخطيب، إن الوضع الحالي للمرفق القضائي يشهد، بما يشكله من أهمية وضرورة، قصوراً في الارتقاء بمرفق العدالة، بسبب التأخير الناجم عن عدم مسايرة الزمن، فالفصل في القضايا يعاني التأخير، والإجراءات القضائية تفتقد اليُسر والسلاسة في الإجراءات المتخذة.

وأضاف: «هناك ضرورة مُلحة لتطوير جميع مرافق القضاء، بإدخال جوانب من التقنية الحديثة والإدارية والتنظيمية والمالية، توفر للقضاء المستلزمات الضرورية، ليتفرغ للفصل في المنازعات وإصدار الأحكام، تحقيقاً لسرعة الفصل، حيث إن التأخير في الفصل في القضايا بحد ذاته ظلم يقع على الملتجئ للقضاء بطلب حقه».

وتابع: «إجراءات التقاضي تتباطأ في الآونة الأخيرة، ما يؤدي إلى تراكم الأعمال والقضايا، وهو ما تطول معه آماد النزاعات، وتتأخر العدالة، فيصاب المتقاضون بنوع من اليأس، وهو أمر يجب أن يتفاداه القضاء، بإيصال الحقوق على وجه السرعة لطالبيها».

ولفت إلى أن هناك حالات متنوعة ومتعددة عن القصور والتباطؤ لن يسع المجال لذكرها، والعاملون على تنفيذ الإجراءات القضائية والمتقاضون والمحامون على دراية وعلم بها.

وأردف الخطيب: «يجب الإسراع في تطوير أهم مرافق الدولة، وهو مرفق العدالة، واستخدام التقنيات الحديثة، للمساعدة في تقليص إجراءات التقاضي، من تنظيم إعلانات الدعاوى أو التبليغات، التي تشكل حالياً عائقاً حقيقياً في الاستعانة بالقضاء».

وذكر أنه يمكن إيجاد وسائل كفيلة بحل مشكلة الإعلانات، من خلال التقنيات الحديثة، وجعلها من المقومات الأساسية في العمل بالمرفق القضائي، لافتا إلى أن تقليص الإجراءات الورقية أصبح ميزة من ميزات العمل، وستكون عن قريب تاريخاً يبلعه الزمن، كذلك الأمر في تقديم صحيفة الدعوى والمستندات، حيث يجب أن تطور، ويتم التعامل مع هذه الإجراءات عن بُعد، توفيراً لوقت المحكمة والمتقاضين.

وأضاف: «تشير الإحصائيات إلى أن هناك عددا كبيرا من الأحكام القضائية ما زالت رهن التنفيذ، ولا تكون لهذه الأحكام القضائية قيمة حقيقية بالنسبة للمتقاضي ما لم يتم تنفيذها، واستيفاء الحق المحكوم به، وفق إجراءات مطورة وسهلة توفر الوقت والجهد لإدارة التنفيذ والمتقاضي، الذي يجب أن يستشعر بجدوى لجوئه للقضاء».

وأكد الخطيب أن تطوير الخدمات القضائية يتطلب صدور حزمة تشريعات، تتعلق بإجراءات التقاضي، وتحديدها بمدد معينة، وبمواصفات المساعدين القضائيين، مع تحميلهم مسؤولية إتمام الإجراء على الوجه الصحيح، وتشريعات تفرض التقنية الحديثة في الإجراءات، وتلزم بها الجهات المنفذة للإجراء، مع توفير وسائل هذه التقنية والتدريب عليها، وتشريعات ترسم إجراءات مختصرة تستهدف تقليل أمد النزاع أو التنفيذ، مع تطوير قانون القضاء وقانون المحاماة والقوانين المساندة للمرفق القضائي.

وأضاف: «يقتضي دخول عصر التطور تقديم صورة مشرِّفة للقضاء الكويتي، في عالم يعتبر أي قضاء بأي دولة عنوانا لتقدمها، بما يحققه من حقوق للإنسان، والكويت كما كانت سبَّاقة في إعمال العدالة بالقرن الماضي، فذلك يستوجب على الجميع إظهارها بالصورة التي تليق بها في القرن الجديد».

إجراءات التقاضي

بدورها، قالت المحامية نضال الحميدان، إن إعادة النظر في إجراءات التقاضي لتكون مواكبة للتطوير، أمر اهتم به المشرِّع الكويتي، فهو دائم النظر في ذلك، وبالفعل تم تعديل كثير من الإجراءات في قانون المرافعات المدنية والتجارية، حيث تم إدخال الفاكس كوسيلة للإعلان، وأي وسيلة اتصال إلكترونية أخرى، وهو ما لم يكن موجودا من قبل.

ولفتت إلى أنه تم كذلك تعديل مواعيد الطعن بالتمييز في المواد المدنية والتجارية، لتصبح ستين يوما بدلاً من ثلاثين، وأيضا استحدث المشرِّع الطعن بـالتمييز على أحكام الجنح، ما أعطى فرصة للمتقاضين لوجود محكمة أعلى تبحث وتدقق، تحقيقا للعدالة.

وبشأن إيجاد نظام تقاضٍ جديد يواكب الحديث، ويقلص فترة التقاضي، ويجعل التقاضي على درجتين، وإلغاء التمييز، قالت الحميدان إن هذا الأمر غير مقبول، لأن النظام الحالي بطبيعته متطور، كما أن فترة التقاضي على درجتين، وإلغاء التمييز أمر خطير جدا، لأن في ذلك إجحافا بحقوق المتقاضين، وفي الوقت نفسه، فإن وجود محكمة التمييز ضمانة للمتقاضين، لأن وظيفتها ليست كوظيفة محكمة الموضوع، بل تقوم بالتأكد من عدم وقوع محكمة الاستئناف بخطأ في تطبيق القانون.

تقسيط المبالغ

وفيما يتعلق بالعراقيل التي تواجه المتقاضين في تنفيذ الأحكام القضائية، ومنها تقسيط المبالغ على المدينين، شددت الحميدان على أن هذا الأمر يجب بالفعل تدخل المشرِّع فيه، بتعديل الأحكام المتعلقة بالتنفيذ، بجعلها أشد صرامة على المدين، وخاصة الذي يثبت أنه يتعمَّد التهرب من سداد الدين، ويكون ذلك بعمل تحريات من المباحث، وزيادة مدة الحبس من ستة أشهر إلى سنة، وتكون متصلة، ولا يكون التقسيط إلا بحضور الدائن، وموافقته على ذلك، خصوصا أن أمر قاضي التنفيذ بالتقسيط مبالغ زهيدة يُعد تدخلا وتعديلا على الحكم الصادر من القضاء، ما يترتب عليه إهدار حجية الحكم.

وأكدت الحميدان «أننا لسنا بحاجة إلى نظام قضائي جديد، فالنظام القائم يكفل للناس العدالة، وهو دائم التطور، وعادل، والمطلوب تسهيل إجراءات التقاضي، من خلال النظر تحديداً في موضوع إعلانات صحف الدعاوى، التي تؤثر سلباً على التقاضي، من حيث التأخير وإتمام شكل الدعوى، وهذا مطلب مستحق، وجدير بالنظر إليه، ومعالجته بأسرع وقت».

وأوضحت أن التعديلات التي طرأت في الآونة الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية، على سبيل المثال، تسهم في تعطيل وإطالة أمد التقاضي، وخاصة في إصدار الأوامر على عرائض، والتي تسمح للمتقاضين بالتظلم منها، ورفع دعوى قضائية، ما يؤدي إلى تأخير البت والفصل في هذه القضايا، وهو ما يتعيَّن على المشرِّعين أخذ رأي المختصين قبل إصدار التشريعات.

من جهته، قال أستاذ قانون المدني في كلية القانون د. عبدالكريم العنزي، إن تعدد درجات التقاضي ليس هو لب مشكلة التأخير بالفصل في القضايا، كما أنه ليس لإجراءات رفع الدعاوى والطعون أيضا أمام المحكمة سبب في المشاكل التي تعتري نظام التقاضي بالكويت.

وتابع: «الحل برأيي يكمن في عدة جوانب، منها تحديد ميعاد حتمي في شهر، مثلاً، يتم خلاله تحديد أول جلسة لنظر الدعوى والطعن، وكذلك تعديل نص المادة 72 مرافعات، بالنص صراحة على أن يكون موعد التأجيل إلزامي، وليس تنظيميا، بعدم جواز تأجيل نظر الدعوى لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع، وعدم جواز التأجيل لذات السبب أكثر من مرة.

ورأى العنزي أن من بين المسائل التي ستساهم في معالجة الأمر، هو تعديل قانون المرافعات، بجعل فصل المحكمة في الدفوع التي يترتب عليها عدم جدوى السير في نظر الدعوى، ومثالها: الدفوع الإجرائية، الدفوع بعدم القبول، دفوع عدم جواز نظر الدعوى، الدفوع بالتقادم بأنواعه، حيث إن الفصل في هذه الدفوع يقلص مدة الدعاوى، إذ إن الواقع العملي يشهد بأن المحاكم تؤجل الفصل فيها، وضمها مع الموضوع للفصل فيهما معاً بحكم واحد.

وبيَّن أن التأخير في الفصل بالطعون أمام محكمة التمييز يتركز في طول مدة إعداد نيابة التمييز للمذكرات، وهو ما يستوجب تحديد موعد حتمي يتم إيداع مذكرة النيابة خلاله. أما بالنسبة لتأخير تنفيذ الأحكام، فإنه لما كانت إجراءات التنفيذ متعددة، وتتوزع بين عدة جهات، وجب وضع نظام يضمن التنسيق بين هذه الجهات، والرقابة والإشراف على القائمين على إجراءات التنفيذ، لضمان سرعة التنفيذ.

من جانبه، قال المحامي د. جمال الفضلي، إن قانون المرافعات الحالي صدر في فترة المراجعة التشريعية، التي صدر خلالها القانون المدني وقانون التجارة، وهي قوانين يستحيل أن تقدم بشكل اقتراحات بقوانين، فهي بطبيعتها مشاريع قوانين، وذلك لما تحتاجه من تشكيل لجان ورأي علمي ممثل في فقهاء القانون وأساتذته، ورأي عملي يعبِّر عنه القضاء والمحامون بخصوص قانون المرافعات.

وأضاف الفضلي: «قانون المرافعات، وبعد أربعين عاما على صدوره وتعديله مرات متتالية، وكذلك صدور قوانين متفرقة تضمنت قواعد مرافعات خاصة، مثل تحديد دوائر خاصة، أو حتى تحديد قواعد إعلان خاصة مثل قانون أسواق المال وقانون الجهاز المركزي للمناقصات، وكذلك الملاحظات التي كشف عنها الواقع العملي، والتي تعد معوقاً من معوقات العدالة، وسببا في تذمر المتقاضين من طول أمد التقاضي، بات من الضروري صياغة مشروع قانون مرافعات جديد يكون جاهزا للتطبيق خلال عام أو عامين، ومن المهم التأكيد على أن التعديلات الجزئية على هذا القانون لن تعالج الخلل الذي يلمسه المتقاضون حاليا، حيث إنه منذ صدور هذا القانون طرأ عليه ما لا يقل عن اثني عشر تعديلا».

وأكد أن «القانون الذي ندعو إلى إصداره يجب أن يراعي التطور التكنولوجي المعمول به حاليا، للاستفادة منه بالإعلان، وفي نظام سير الجلسات، وتدوين محاضرها، والتي أصبحت من أسباب إهدار بعض الحقوق، بسبب الإرهاق الذي يعتري أمين سر الجلسة، أو بسبب عدم إحاطته بالطلب الذي يُبدى في الجلسة من المتقاضين بشكل دقيق، أو حتى بسبب سوء الخط الذي يحول دون بيان الدفاع أو الطلب الذي أثبت في محضر الجلسة.

وأوضح الفضلي أن السلبيات التي يلمسها المحامون، نتيجة قواعد قانون المرافعات كثيرة، ولعل الهيئات القضائية لديها الكثير من الملاحظات التي تسهم في تطوير إجراءات التقاضي وتيسيرها.

وتابع: «كذلك، يجب ألا نغفل دور الفقه القانوني، وما سجله من ملاحظات على هذا القانون، لذا نرى أنه يجب تكليف لجنة تتولى صياغة قانون مرافعات جديد متكامل، وأن يكون عمل اللجنة مبنيا على أسس وأهداف محددة، وأن يحدد لها زمن محدد تنجز فيه عملها، وتوفر لها جميع الإمكانات اللازمة لذلك».

وأعرب الفضلي عن أمله أن «يستلهم التشريع الجديد التجارب المتقدمة في هذا المجال للدول الأكثر تقدماً، أو ذات الظروف المشابهة لظروفنا. كذلك نحن بحاجة إلى تقنين المبادئ القانونية التي بدأت تستقر في النظم القانونية المقارنة، ومن أمثلة ذلك أن التأخير في الفصل بالدعوى يُعد شكلا من أشكال إنكار العدالة، ما يلحق الضرر بالمتقاضين يبرر حصولهم على تعويض من الدولة عنه».

وذكر أن «الأفكار بشأن تطوير قانون المرافعات كثيرة، والعالم يتطور من حولنا، ويجب علينا إذا كنا نسعى إلى أن تكون الكويت مركزا اقتصاديا أن نطور من تشريعاتنا، خصوصا الإجرائية، لأنها تتسم بالبطء الذي يصعب على المستثمرين المنتمين إلى دول متقدمة أن يقبلوا بالخضوع لتلك الأحكام التي تُعد من مخلفات القرن السابق».