كيف يساعد قرار ترامب حول الجولان الأسد وإيران وروسيا؟
كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب حصيفاً وحكيماً عندما أقنع قادة إسرائيل بعدم الرد على صواريخ صدام حسين التي أمطر بها العاصمة الإسرائيلية تل أبيب في يناير ١٩٩١، وذلك في أعقاب الغزو العراقي للكويت، حيث عمد صدام إلى جر المنطقة لمواجهة عربية– إسرائيلية، وكان من شأن أي رد إسرائيلي وقتها أن يعوق الجهود الدولية لتحرير الكويت بالقوة، وأن يؤثر على الموقف العربي العام بدعم تلك الجهود.لم تكن محاولة صدام الأخيرة لقلب الرأي العام العربي ضد الحُكام العرب المؤيدين لتحرير الكويت بالقوة، المرة الأولى التي يتم فيها استغلال ورقة إسرائيل لأغراض دعائية داخلية، ولن تكون محاولة الأسد الأخيرة بالطبع، كانت ورقة إسرائيل ولاتزال الوصفة السحرية التي استخدمها للمرة الأولى الزعيم التاريخي جمال عبدالناصر لإثارة حماسة الرأي العام العربي.وأخيرا، أعطت الإدارة الأميركية، نظام الأسد في دمشق، فرصة تاريخية لتكرار اللعبة الناصرية المعهودة نفسها، بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مرسوما رئاسياً في الخامس والعشرين من مارس الماضي، يقضي باعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام ١٩٦٧.
ويمثل هذا القرار انتهاكاً للقانون الدولي المتعلق بهذه القضية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما في ذلك مرتفعات الجولان، والقرار رقم 479 الذي أكد من جديد عدم جواز الاستحواذ على الأراضي بالقوة.يعد قرار ترامب الأخير رمزيا، ولا ينبغي فهمه على أنه يمثل الحكومة الأميركية بأكملها، ونظراً لأن السياسة الخارجية تدار عن طريق السلطة التنفيذية، سيتطلب هذا الإعلان تصويت الكونغرس ليصبح منصوصا عليه في القانون الأميركي، وهو أمر غير معهود في السياسة الخارجية الأميركية. وفى هذا الإطار، تؤكد إحدى القضايا السابقة المتعلقة بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط هذه النقطة، حيث سبق أن وقعت إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة، بالإرادة المنفردة، على اتفاقية خطة العمل المشتركة أو ما يعرف بالصفقة النووية JCPOA مع إيران، التي أثارت جدلا واسعا في الكونغرس وأدّت إلى إقرار قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني الذي أتاح للكونغرس مراجعة الصفقة. ونظراً لأن خطة العمل المشتركة لم تكن معاهدة قانونية فقد تمكن ترامب من سحب الاعتراف بها عندما تولى منصبه، ويوضح هذا المثال أنه طالما أن إعلان ترامب بشأن السيادة الإسرائيلية على الجولان لم يتم تبنيه في تشريع من الكونغرس فيمكن للإدارات الأميركية المستقبلية أن ترفضه بسهوله وتعود إلى سياستها المعهودة التي اتبعتها خلال العقود القليلة الماضية فيما يتعلق بقضية الجولان. ساعد قرار ترامب الأسد على استغلال قضية الجولان لتثبيت شرعيته، فخلال العقود الخمسة الماضية، استند النظام السوري إلى شرعية ما يعرف بـ"المقاومة"، إنها الفلسفة نفسها التي تستغلها الأنظمة الشمولية كافة وتروج لها للالتفاف على مطالب الشعوب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وبمجرد إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، توالت الإدانات والاستنكارات من النظام السوري الذي طلب من مجلس الأمن الدولي بحث المسألة. إنّ الخطاب الحالي الذي يتبناه نظام الأسد حول قضية الجولان يمكن فهمه بوضوح عند دراسة الموقف التاريخي للنظام السوري تجاه القضية، فسابقاً ردّ الأسد الأب بعجرفة وعنجهية على كل العروض بالسلام واستعادة الجولان، ورفضه العرض بالانسحاب من معظم الجولان بخلاف "العشرة أمتار" المتعلقة بمسألة ترسيم الحدود التي تم وضعها عام 1923. وحاولت إدارة أوباما إحياء مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والسوريين، لكن جاءت الحرب الأهلية في سورية، ليتبخر معها كل شيء، وتتحول سورية إلى ضيعة إيرانية أو مستعمرة روسية.ونظراً إلى الرسالة المدمرة التي تبثّها إدارة ترامب، على الكونغرس ألا يمنح النظام السوري أيّ ورقة يمكن أن تزيد من شرعيته داخلياً، كما يمكننا النظر إلى قرار اعتراف الرئيس ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان على أنه إعلانٌ رئاسيّ فحسب، ولا يمثل الموقف الأميركي الرسمي.وفي حين يبدو انسحاب القوات الأجنبية من سورية مستبعداً في المرحلة الحالية، فإنّ الإجراءات التي قد يتخذها الكونغرس قد تعزّز الضغوط على الأسد وتزيل عنه شرعية المقاومة الزائفة. لن تكون معركة تحرير الجولان سلمياً سهلة بالنسبة إلى السوريين والعرب، وقد تتحقّق عبر مفاوضاتٍ شاقة من الممكن أن تمتدّ إلى سنواتٍ عدّة، وإن مساعدة أو عرقلة الدعاية التي يروّج لها نظام الأسد يجب أن تكون مصدر قلق فوريّ.* محمــد ماهــر* «واشنطن إنستيتوت»