قضت المحكمة الدستورية، أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة بعدم دستورية مواد قانون تعارض المصالح بالكامل وبسقوط لائحته التنفيذية لمخالفة أحكامه المواد 16 و18 و32 و34 من الدستور.

وأكدت «الدستورية»، في حيثيات حكمها الذي أسقط القانون كله، أن أحكامه تخالف مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية التي يمارسها وفق الدستور، لافتة إلى أن إصدار القوانين المكملة لمكافحة الفساد لا يكفي لإضفاء الدستورية عليه، ما لم تكن نصوصه قد التزمت الضوابط الدستورية، ولم تتضمن اعتداء على حق من الحقوق التي كفلها الدستور.

Ad

وبينت أن عبارات القانون غاضمة ومبهمة، وليس لها مدلول محدد، وتتسع لتشمل المصلحة المادية المحتملة والمصلحة غير المالية التي تنشأ عن علاقات شخصية او عائلية او غيرهما، وهي عبارات غير منضبطة تؤول الى الاحتمال والظن والتخمين.

وذكرت المحكمة، في حيثيات حكمها، أن ما ينعاه الطاعن على نصوص المواد سالفة البيان انها قد انطوت على خروج على القواعد العامة في التجريم والعقاب بعدم تحديد الأفعال المؤثمة تحديدا واضحاً، وتوقيع العقاب على الخاضع لأحكام القانون لمجرد وجوده في حالة من الحالات المنصوص عليها فيه دون ان يتصل بها أي فعل مادي، ومخالفة مبدأ شخصية العقوبة بتقرير مسؤولية الخاضع عن أمور مفترضة في حقه قد تتحقق دون علمه او إرادته، والاعتداء على حق الملكية ورأس المال وحرية العمل، وذلك بالمخالفة للمواد (16) و(18) و(32) و(34) من الدستور.

وأضافت، أن هذا النعي- في أساسه- سديد، ذلك أن المادة (32) من الدستور تنص على انه «لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون، ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، يدل على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية- التي يمارسها وفقا للدستور- الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، لازمه ان يكون لكل جريمة ركن مادي لا قوام لها بغيره، يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص جزائي، وأن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الافعال التي يتعين عليهم اجتنابها، ذلك ان الأصل في النصوص الجزائية ان تصاغ في حدود ضيقة تعريفا بالافعال التي تجرمها، وتحديدا لماهيتها، لضمان ان يكون التجيهل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور.

ولفتت إلى أن المشرع قد حرص على حماية الوظيفة العامة من الفساد، فأورد في قانون الجزاء والقوانين المكملة له نصوصاً عاقبت على الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة، ومنها الرشوة واستغلال النفوذ واختلاس الاموال الاميرية والاستيلاء عليها، كما أصدر القانون رقم (2) لسنة 2016 في شأن انشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، واستكمالا لهذا النظام القانوني اصدر القانون رقم (13) لسنة 2018 في شأن حظر تعارض المصالح إعمالا لما نصت عليه المادة (19) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد من توجيه للدول الموقعة على تلك الاتفاقية باعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية أو غيرها لتجريم تعمد الموظف العمومي اساءة استغلال وظيفته أو موقعه او قيامه بفعل او امتناعه عنه بغرض الحصول على مزية غير مشروعة لشخصه او لشخص اخر.

وتابعت أن دولة الكويت وقعت على هذه الاتفاقية وصدرت بالقانون رقم (47) لسنة 2006، باعتبار ان تعارض المصالح أحد أوجه الفساد التي تضمنتها، الا ان هذه الاغراض التي توخاها القانون لا تكفي وحدها لإضفاء الدستورية عليه ما لم تكن نصوصه قد التزمت الضوابط سالفة البيان، ولم تتضمن اعتداء على حق من الحقوق التي كفلها الدستور.

وقالت إن المادة (4) من القانون المشار اليه قد اعتبرت ان الخاضع لأحكام القانون يكون في حالة تعارض مصالح تشكل جريمة فساد في حالتين؛ الأولى: هي حالة تحقق منفعة او فائدة او مصلحة مادية او معنوية له أو لأي شخص من الاشخاص المذكورين في المادة (3) من القانون، من خلال قيامه او امتناعه عن اي عمل من اعمال الوظيفة التي يشغلها، والثانية: هي حالة امتلاكه اي حصة او نسبة من عمل في اي نشاط له تعاملات مالية مع جهة عمله.

وأشارت إلى أن تقدير هذه الأمور يصبح في النهاية متروكا للجهات القائمة على تطبيق القانون، وفقا لتقديرها، وذلك دون ضابط يقيدها ومما يزيد من تداعيات هذا النص أن تعريف المصلحة المتحققة وفقا له- سواء كانت مادية او معنوية- أوردته المادة (1) من القانون في عبارات غامضة مرنة مبهمة ليس لها مدلول محدد، تتسع لتشمل «المصلحة المادية المحتملة» والمصلحة غير المالية التي تنشأ من «علاقة شخصية» أو «عائلية أو غيرها»، وهي عبارات غير منضبطة تؤول في تطبيقها الى الاحتمال والظن والتخمين.

«الدستورية» تلغي «تعارض المصالح» ولائحته لمخالفته الدستور

وأردفت «فضلا عما أوردته المادة (3) من القانون من التوسع كذلك في تحديد الاشخاص الذين يكون الخاضع مسؤولا عن المصلحة التي تتحقق لهم من خلال قيامه بعمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه، دون ان يرد بالنص ضابط موضوعي لبيان حدود هذه العلاقة واثرها على اعمال الوظيفة وقصد الخاضع تحقيق المصلحة لهؤلاء الاشخاص او علمه بها، وهو ما يجعل عبارات هذا النص في جملتها- مرتبطة بما ورد بالمادتين (1) و(3) على النحو سالف البيان- تؤول في التطبيق الى اطلاق العنان لسوء التقدير، واطلاق سلطة الجهات القائمة على تطبيق القانون في اسباغ وصف تعارض المصالح على اي تعارض لو كان بسيطا لا يؤثر في اعمال الوظيفة العامة، او كان قائما في جانب صغار الموظفين الذين لا شأن لهم باتخاذ القرار او المشاركة فيه».

وقالت إن «ترتيب أثر ذلك، هو اطلاق- عدا أنه يخالف نصوص الدستور بشأن حق الحرية في العمل وحماية رأس المال- يتأبى بذاته مع صحيح التقدير، ذلك ان الأصل في تعارض المصالح انه محض حالة عارضة لا تشكل في حد ذاتها إثما جنائيا ما لم تقترن بسلوك من الخاضع من شأنه ان يرتب ضررا بالوظيفة او المصلحة العامة».

واوضحت المحكمة ان الحالة الثانية التي اعتبرها النص من جرائم الفساد هي مجرد امتلاك الخاضع لأي حصة او نسبة من عمل في اي نشاط له تعاملات مالية مع جهة عمله، وقد جاء النص في هذا الخصوص ايضا غير محدد في عباراته وفي المدلول الذي يمكن ان يفسر به، بحيث يقصر عن تحديد الافعال التي يعاقب عليها، اذ لم يبين حدود تلك الملكية ونطاقها وأثرها على اعمال الوظيفة، كما لم يحدد ماهية التعامل المالي، وما إذا كان هذا التعامل مباشرا او بطريقة غير مباشرة، وهو اطلاق قد يفضي الى الانتقاص من حق الملكية دون مقتضى مقبول، او تحميلها بقيود لا تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، خاصة ان الخاضع يلتزم بموجب المادة (5) من القانون بالعمل من بعد الإفصاح بإزالة هذا التعارض، اما بالتنازل عن المصلحة او ترك المنصب، او ترك الوظيفة العامة، ولم يتح له خيار التنحي عن اتخاذ القرار او المشاركة فيه.

ولفتت إلى «ان ما تضمنته كذلك المادتان (8) و(9) من القانون من الزام الخاضع وأبنائه القصر وزوجه ألا يكون لأحد منهم حصة في اي شركة او مؤسسة او عمل يتصل بأعمال وظيفته، وألا يقوم الخاضع بدور الوسيط او الوكيل لأي شركة او مؤسسة خاصة يتصل نشاطها بجهة عمله، جاء أيضا في عبارات بالغة العموم والسعة غير محددة المعنى بشأن ماهية ومدى اتصال حصة الخاضع وذويه بالوظيفة العامة، مما لا يصح معه التعويل على حكمها لما ينبغي أن تكون عليه صياغة هذه النصوص في حدود ضيقة تعريفاً بالافعال المحظورة فيها، وألا يشوبها الغموض حتى لا تتداخل معها افعال مشروعة وحقوق مقررة يحميها الدستور».

وبينت أن نصوص المواد سالفة البيان يكون قد شابها الغموض والابهام، مما يؤدي الى التباس معناها على المخاطبين بها والقائمين على تطبيقها، وإثارة الجدل حول حقيقة محتواها بحيث لا يأمن احد من الوقوع في دائرة التأثيم بموجبها بشكل شبه حتمي ودون ضابط دستوري، لا سيما انها نصوص جزائية لا غنى عن وجود أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها والوقوف على مقصودها ومجال تطبيقها، لما هو مقرر من انه اذا كان غموض النصوص التشريعية عامة يعيبها فإن غموض النصوص الجزائية على نحو يعيب تطبيقها ويتجاوز الحقوق الدستورية وضوابطها يصمها حتما بعدم الدستورية، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها.

وأشارت «الدستورية» إلى أن الاصل في النصوص القانونية التي ينتظمها موضوع واحد هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار انها تمثل فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وكانت نصوص المواد المشار اليها ترتبط مع سائر نصوص القانون ارتباطا لا يقبل الفصل او التجزئة، فإن القضاء بعدم دستوريتها يستتبع- بحكم اللزوم والارتباط- القضاء بعدم دستورية القانون في جملته، لما كان ذلك، وكان مقتضى هذا القضاء- حسبما استقرت عليه هذه المحكمة- يستتبع زوال ما يرتبط بذلك القانون من نصوص تشريعية أخرى ارتباط لزوم وكانت اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر قد صدرت بناء على القانون الذي قضى بعدم دستوريته، وبالتالي فان نصوص هذه اللائحة تكون قد تجردت من سندها القانوني، مما يوجب القضاء بسقوطها تبعا لذلك.

«نزاهة»: سنعمل لسرعة صدور قانون جديد

أعلنت الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) أنها ستدرس حكم المحكمة الدستورية، القاضي بعدم دستورية القانون رقم 13 لسنة 2018 بشأن حظر تعارض المصالح، للوقوف على الأسباب التي أدت إلى صدوره، كما ستعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة بالدولة لسرعة صدور قانون جديد ينظم موضوع الحظر.

وذكرت الهيئة، في بيان أمس، أنها تابعت باهتمام بالغ حكم «الدستورية»، مؤكدة احترامها وتقديرها الكاملين لما جاء به الحكم، وأفادت بأن اهتمامها بالمتابعة يأتي انطلاقا من اختصاصها بدراسة ومتابعة كل شؤون مكافحة الفساد، وخصوصا ما يتعلق بمراجعة وتطوير التشريعات ذات العلاقة بمكافحة الفساد، والتي كان قانون حظر تعارض المصالح يمثل أحد مكوناتها.

وقالت إن موضوع حظر تعارض المصالح يعد واحدا من المتطلبات التشريعية في مجال مكافحة الفساد، حسبما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تمثل الإطار العام المنظم لكل جهود مكافحة الفساد الإجرائية منها والتشريعية على حد سواء.

وأشارت إلى أنها ستراعي في هذا القانون الجديد تجنب المثالب، وأوجه القصور التي أوردها حكم المحكمة الدستورية، من أجل استيفاء متطلبات التطبيق الأمثل لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.