ربما يكون في قرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي إحالة ميزانية الدولة لعام 2019 /2020 إلى اللجنة الوزارية المختصة للدراسة وإبداء الرأي، قدر ولو ضئيلاً من الأمل في إمكانية تنبه الإدارة العامة لمخاطر الاستمرار في نفس سياسات الإنفاق المالي السابقة خلال السنوات القادمة، إن صدق هذا التوجه، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات السلبية الحاصلة على صعيدَي سحوبات الاحتياطي العام للدولة وإصدارات أدوات الدين العام.ومبعث ضآلة الأمل ومحدوديته تتلخص في أن مَن يراجع ويدرس ويبدي الرأي في الميزانية هو من ساهم في رفع إنفاقها ليس لمستويات إصداراتها السنوية القياسية خلال آخر 3 سنوات والتي بلغ آخرها 22.5 مليار دينار بعدما تراجع مجلس الوزراء عن خطته لثلاث سنوات بشأن سقف الإنفاق المفترض لهذا العام عند 20 مليار دينار، بل كذلك في تخطي سقف الإنفاق من خلال اعتمادات إضافية متزايدة تكشفها الحسابات الختامية، والتي بلغت في السنة المالية 2016 - 2017 حدود 182 مليون دينار، وارتفعت إلى 923 مليوناً في العام المالي 2017-2018 لتبلغ مع عام 2018-2019 ما يتجاوز 1.27 مليار.
رفع الميزانية
هذه كلها اعتمادات صرفت لمصلحة تغطية يفترض أنها مرصودة سلفاً في أي ميزانية كمصروفات العلاج في الخارج أو دعم المواد البترولية معظمها، فضلاً عن تعديل قانون الميزانية في السنة المالية 2018 /2019 لرفع الإنفاق العام بما يوازي 7.5 في المئة لزيادة 1.5 مليار دينار لتغطية نفقات يبدو أنها غابت عن معدّي الميزانية مثل التعزيزات العسكرية للحرس الوطني، ومكافآت نهاية الخدمة للمدرسين، وتعويض نقص مخزون الأدوية، واعتماد مشروع مبنى قصر العدل، والمرحلة الثالثة من حديقة الشهيد!وسادة الاحتياطي
ولعل واقع الحال فيما يمكن وصفه بإحدى «وسادتي» الدولة المالية، أي الاحتياطي العام إلى جانب احتياطي الأجيال، لا يشير بكثير من التفاؤل، فرغم الشكوى الرسمية من السحوبات في هذا البند يكتشف أنه فقط خلال الفترة من نهاية مارس 2018 إلى نهاية ديسمبر من العام نفسه، حسب تقرير حديث لديوان المحاسبة، تراجعت قيمة الاحتياطي العام للدولة بواقع 2.15 مليار دينار، ليصل إلى 24.3 مليارا، وهو الذي كان قبل 5 سنوات يبلغ 60 ملياراً، فضلاً عن تحقيق الأصول في الاحتياطي العام عوائد خلال 8 أشهر من عام 2018 بلغت 1.2 في المئة، وهي أقل من الفوائد على الاقتراض الخارجي البالغة 2.75 في المئة و3.5 في المئة للسندات استحقاق 5 سنوات و10 سنوات على التوالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدين العام للدولة البالغة قيمته 5.9 مليارات دينار يمثل 50.5 في المئة من إجمالي أصول الاحتياطي العام السائلة وغير السائلة حتى نهاية عام 2018.عاجلة وآجلة
هذه البيانات على مستويات الميزانية والاحتياطي العام والدين السيادي تستدعي وقفة جادة من الإدارة العامة التي ارتأت إعادة دراسة الميزانية لهذا العام من حيث اتخاذ خطوات عاجلة وأخرى آجلة على المديين القصير والمتوسط، أولها إعادة سقف الإنفاق في الميزانية لـ 3 سنوات مقبلة لا يمكن تجاوزها، واعتبار هذا السقف أساساً لنجاح أو فشل خطة الدولة المالية، فضلا عن أن يكون الإنفاق العام والرأسمالي تحديداً على كفاءة عالية ليصب في أهداف الاقتصاد ويخدم تمويل الميزانية وخلق فرص العمل وتفصيل تكاليف الدعوم التي تتحملها الدولة سنويا عما إذا كانت لمصلحة شبكة الأمان الاجتماعي أو موجهة إلى دعم الأنشطة التجارية والصناعية، وما يترتب على ذلك من خلط في أساليب المعالجة، وبالتالي تسهل إعادة التعامل مع كل هدف وفقا لقواعد الترشيد لا استهداف جباية الأموال، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة خلق البدائل التي تحد من أكبر تكاليف مكونات منظومة الدعوم، مثل كلفة استهلاك الطاقة الكهربائية.قراءة مختلفة
يضاف إلى ما سبق، ضرورة أن يشمل تقييم أو دراسة اللجنة الوزارية المختصة عملية قراءة الميزانية من زاوية مختلفة تعالج أصل الخلل لبلوغ النتيجة المرجوة، فمثلاً تجاوز بند الرواتب وما في حكمها مبلغ 12 مليار دينار، بارتفاع 5 في المئة عن العام الماضي، يكشف عجزاً جوهرياً في مسائل توفير الفرص الوظيفية بالقطاع الخاص، كما يكشف تعثر إنشاء بيئة أعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ونمو بند الدعومات بـ 6.2 في المئة إلى نحو 4 مليارات دينار جزءاً من عدم عدالة صرف الدعومات ما بين دعم شبكة الأمن الاجتماعي للمواطنين وخلطها مع دعومات القطاع الخاص، وهو ما يتطلب أيضاً إعادة تعريف الدعومات وتوجيهها، ولو بشكل جزئي، نحو الطبقة المتوسطة ومن هم دونها، إلى جانب عدم اللجوء إلى الاستدانة من أسواق السندات الدولية أو المحلية إلا بعد تحقيق نجاحات مسبقة التحديد في ضبط المصروفات وتنمية الإيرادات كي لا يتحول الاقتراض من أداة لتمويل الميزانية إلى عبء على الاقتصاد عندما يتم استخدام أموال الدين العام في تمويل مصروفات غير ضرورية في الميزانية.عقدة الإدارة
وتبقى عقدة الإدارة العامة في صعوبة، أو بالأحرى، استحالة تنمية الإيرادات غير النفطية، والتي لم تتجاوز في الميزانيات الثلاث السابقة نسبة 11 في المئة، ويبين بعدها الحساب الختامي السنوي للدولة أن نسبتها الفعلية تتراوح بين 7 و9 في المئة. ولعل رفع نسبة هذه الإيرادات النفطية بالنسبة إلى الكويت هو ما سيحدد كفاءة الإدارة وجودة السياسات المالية، وهو ما سيقي الكويت على المدى الطويل أي هزات مستقبلية يمكن أن تحدث لسوق النفط، أو حتى عندما يتجاوز مستوى الإنفاق إيرادات النفط... وإن ارتفعت!