مع امتلاء الخزانات والأهوار بفعل موسم أمطار وفيرة، تبدو السلطات العراقية متفائلة على أبواب الصيف عندما تصل درجة الحرارة إلى 55 درجة مئوية، لكن مخاطر انقطاع المياه وخروج تظاهرات مطلبية لا تزال قائمة.

ويقدر مخزون المياه في بلاد ما بين النهرين العام الحالي بنحو 42 مليار متر مكعب مع بداية الصيف الحار، أي ضعف مستويات العام الماضي الذي اتسم بالجفاف.

Ad

لكن ذلك، لا يبدد التحديات المزمنة في العراق، لجهة ضعف البنى التحتية، ومحدودية الأموال، والنزاعات مع الدول المجاورة، إضافة إلى التغير المناخي والطفرة السكانية.

بنى تحتية متهالكة

فمحطة ضخ المشاهدة، القابعة وسط أشجار النخيل ونبتات القصب العالية شمال بغداد، لا تزال تحمل آثار الرصاص، في حين يكسو الصدأ أنابيبها المعدنية وخزاناتها.

وفي محطة ضخ أخرى على بعد كيلومترات، يتواصل التسرب من الخزان الرئيسي ليل نهار.

تردّي البنية التحتية ليس وليد اليوم، بل يعود إلى عقود تحت وطأة الحروب المتتالية في العراق، بدءا من الحصار وفرض العقوبات التي حالت دون استيراد قطع غيار، ثم الغزو الأميركي في عام 2003، وصولاً إلى سنوات الحرب الدامية ضد تنظيم داعش.

ويقول الخبير البيئي العراقي عزام علوش إن أجزاء من شبكة المياه أنشئت قبل 60 عاماً في تربة مسببة للتآكل بفعل الرطوبة، مشيراً إلى "شبكة متآكلة ومليئة بالثقوب"، وقد يتسرب 60 إلى 70 في المئة من المياه قبل أن تصل إلى المنازل أو الأراضي الزراعية. وعند وصولها، بالكاد يتم استخدامها بشكل مسؤول، حيث يعمد المزارعون إلى إهدار كميات من مياه الري المتدنية الثمن، وتترك الأسر الصنابير مفتوحة بلا داع.

وتقدر الأمم المتحدة أن نصيب الفرد من استهلاك المياه يومياً في العراق يعادل ضعف المستوى العالمي البالغ 200 لتر.

في عام 2014، أعد العراق خطة مدتها 20 عاماً بقيمة 180 مليار دولار لإدارة أزمة المياه. لكن المشروع ولد ميتاً، إذ اجتاح تنظيم داعش البلاد في العام نفسه، وبالتالي تدفقت الأموال لتمويل الحرب ضده.

ويقول أحمد محمود، الذي يرأس موارد المياه في منطقة المشاهدة: "لقد احتجنا سنوات إلى محطة جديدة، لكن التمويل تجمد بالكامل في 2014"، موضحاً أنه رغم هزيمة "داعش" في 2017، لم تأتِ الأموال الموعودة مطلقاً، وتقوم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) الآن ببناء المحطة الجديدة.

بداية الحل

أدت الاحتجاجات الواسعة على نقص المياه الصيف الماضي إلى تسليط الضوء على مسألة الخدمات، وبدا أن الحكومة العراقية تنبهت إلى ذلك. وعليه، فقد خصصت ميزانية تقارب 760 مليون دولار لوزارة الموارد المائية في عام 2019، بزيادة 60 في المئة عن 2018.

ويقول رشيد إن "هذا أمر مطمئن، ولكنه مجرد بداية جيدة"، إذ لا تزال هذه من أصغر الميزانيات الوزارية، فهي تقل حوالي 15 مرة عن ميزانية وزارة الكهرباء، على سبيل المثال.

سدود «الجوار»

وقد تكون أسباب نقص المياه في العراق كذلك خارج حدوده. ومع قيام تركيا وإيران بتطوير السدود والخزانات الخاصة بهما، انخفض تدفق المياه إلى العراق عبر نهرَي الفرات ودجلة.

وقال علوش: "اعتدنا الحصول على حوالي 15 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من إيران، لكننا لم نعد نحصل على ذلك"، بسبب السدود والأنهار المعاد توجيهها.

وعندما تملأ تركيا سد أليسو الضخم، من المتوقع أن تنخفض المستويات في دجلة بشكل أكبر. ويتفاوض العراق مع كلتا الجارتين، لكن موقعه كدولة مستقبلة لا يمنحه سوى نفوذ ضئيل.

التغير المناخي

وإضافة إلى ذلك، هناك مسألة التغير المناخي، إذ يتوقع البنك الدولي حدوث المزيد من حالات الجفاف الشديد في العراق بدءاً من عام 2020.

ويوضح مدير سد الثرثار الضخم شمال غرب بغداد كريم حسن: "في عام علينا مواجهة الجفاف، وفي عام آخر لدينا فيضانات. هذا هو التطرف المناخي الذي نراه في جميع أنحاء العالم".

ولم تكن إجابة حسن مطمئنة حيال الطريقة التي يجب التعامل بها مع المسألة، إذ قال "كانت إرادة الله أن يباركنا بالمطر هذا العام، لذلك سنرى ما يجلبه العام المقبل".

الطفرة السكانية

الافتقار إلى التخطيط صارخ في العراق، وخصوصاً مع التوقعات بأن عدد سكان البلاد البالغ 40 مليون نسمة، سيزيد بمقدار عشرة ملايين آخرين قبل عام 2030. وبالتالي، فإن ذلك سيؤدي إلى عجز في إمدادات المياه نسبته 37 في المئة، وفقاً لمعهد الطاقة العراقي.