تصوّرات عن تراجع الولايات المتحدة
شدد كثيرون على أن أسلوب إدارة ترامب في السياسة الخارجية يميل إلى ترك الآخرين في حالة غموض وضياع، وقد يكونون محقين، خصوصاً أن التضارب في التصريحات السياسية الأميركية يشكّل سمة جديدة من المهم التنبه لها، لكن هذا لا يعني أن الدولة الأميركية التي كانت قائمة هنا أمس ستزول غداً.
![ريل كلير](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1583775118225578100/1583775132000/1280x960.jpg)
لهذه الأسباب، استخلص كثيرون على ما يبدو أن الولايات المتحدة انتقلت من كونها صاحب الكلمة الفصل إلى مجرد مشاهد بعدما خسرت هيمنتها، ولكن مجرّد تبدّل القوة الأميركية لا يمنحنا سبباً للاعتقاد أنها تراجعت وانتهت.يدرك مَن عملوا في المنطقة مدى شيوع نظرية أن الولايات المتحدة قادرة على كل شيء، إذ دُعيت هذه النظرية "الرجل على القمر": إذا كان باستطاعتك أن تنزل رجلاً على القمر، تستطيع إذاً أن تقوم بكل ما تريد. وإن كان بإمكانك أن تفعل أي شيء، فلا يحدث إذاً أي أمر من دون إذنك. لذلك عندما كانت المسائل تسير بخلاف ما يرغب فيه الأميركيون، اعتاد بعض المحللين التفكير في أن الأميركيين يتبعون على الأرجح خطة ذكية جداً لتحقيق مآربهم بأساليب لا يدركها أحد.ولكن مع نهاية نظرية القدرة المطلقة هذه، حل محلها العجز. وفق نمط التفكير الجديد هذا، لا يستطيع الأميركيون القيام بأي أمر في المنطقة، بل تحوّلوا إلى "عملاق عاجز بائس" كما في كابوس نيكسون من الماضي. لكن هذا ليس صحيحاً. لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بقدرة عسكرية أكبر من أي دولة أخرى، فضلاً عن أنها ليست منغلقة على نفسها بل تتمتع بتحالفات وعلاقات لا تستطيع أي قوة عظمى أخرى مضاهاتها، حتى مع انتهاز الروس فرصة الوضع في سورية، بالإضافة إلى ذلك يبقى الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم، ولا تزال روابطها التجارية، التي نمت في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، ناشطة رغم توسيع الصين تأثير مبادرة الحزام والطريق في المنطقة. كذلك ما زالت الولايات المتحدة تسيطر على المسارات المائية وما زال أفضل الطلاب يسعون لدخول الجامعات الأميركية.لا شك أن تأثيرها تراجع في بعض المناطق والمراحل، إلا أن القوة الأميركية ما زالت واضحة.ومن الحكمة أن نذكّر أصدقاءنا وخصومنا، فضلاً عن أنفسنا، أننا لم نترك بعد المسرح العالمي. فكما كان من غير المنطقي في الماضي أن يعتقد سكان الشرق الأوسط أن كل ما يحدث في تلك المنطقة من تخطيط الولايات المتحدة، كذلك من غير المنطقي اليوم أن نفكّر في أن الولايات المتحدة وُضعت على جنب وأن قوى أخرى تتخذ كل القرارات.إذاً، يرتبط تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتصوراتنا أكثر من ارتباطه بالواقع. يكمن الخطر الفعلي في أن يتخذ الآخرون قراراتهم بالاستناد إلى هذه التصورات ويسيئون فهم الدور الذي ما زالت الولايات المتحدة تؤديه هناك وحول العالم.شدد كثيرون على أن أسلوب هذه الإدارة في السياسة الخارجية يميل إلى ترك الآخرين في حالة غموض وضياع. قد يكونون محقين، وخصوصاً أن التضارب في التصريحات السياسية الأميركية يشكّل سمة جديدة من المهم التنبه لها. لكن هذا لا يعني أن الدولة الأميركية التي كانت قائمة هنا أمس ستزول غداً، ومن الخطأ بالتأكيد أن تبني دول أخرى سياساتها وقراراتها الاقتصادية على هذا الأساس. صحيح أن هذا أسلوب جديد وأن علينا جميعاً اعتياده، ولكن ماذا عن مضمونه؟ لا تزال الولايات المتحدة دولة هائلة مذهلة.* كاميرون مونتر* «ريل كلير ورلد»
لا شك أن تأثير الولايات المتحدة تراجع في بعض المناطق والمراحل إلا أن قوتها ما زالت واضحة
ما نراه اليوم هو دولة أميركية فقدت رغبتها في خوض مغامرات عسكرية في الشرق الأوسط
ما نراه اليوم هو دولة أميركية فقدت رغبتها في خوض مغامرات عسكرية في الشرق الأوسط