تسييس الإرهاب لن يخدم قضايانا
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
مخطئ من يظن أن الدافع هو مشاعر الظلم أو اليأس أو الفاقة، إذ لا توجد قوة تدفع الإنسان إلى التضحية بنفسه إلا قوة العقيدة، لن يتخلص الإنسان من هذه الدنيا ليتحول إلى قنبلة مفخخة أو طرد متفجر أو حزام ناسف، إلا تحت ضغط عقيدة غلابة تزين له أن تفجير الذات قمة الشهادة والفداء، الفقر أو الظلم ليسا دافعا كافياً لأن يتحول شاب في عمر الزهور إلى قنبلة بشرية، شعوب كثيرة تعيش تحت خط الفقر ولم تنتج إرهاباً، وأخرى تعاني ظلماً ومرارة ولم تخرج إرهابيين مفجرين.هؤلاء الذين يربطون الإرهاب بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتناسون أنه لا توجد قوة محركة للإنسان للاستشهاد ونيل الجنة إلا المحرك الديني. (خالد المشوح: التيارات الدينية في السعودية). الإرهاب فكر عدواني، استقر في نفسية غير سوية، نتيجة فهم ضال لمبدأ الجهاد وعقيدة الاستشهاد، ساعدت على ترسيخه منابر دينية مسيسة ومناهج تعليمية تعصبية، ومنصات إعلامية محرضة، وفتاوى دينية مكفرة، وكتب تراثية إقصائية، إضافة إلى بيئة اجتماعية حاضنة لفكر الغلو.الإرهاب: بناء فكري مستقل ومتكامل، له جذوره الممتدة في عمق التاريخ الإسلامي، كما أن له مشروعه وأهدافه في هدم الدولة الحديثة وإعادة الخلافة وتطبيق الشريعة بالمفهوم العنيف، وله منظروه وشيوخه ومفتوه وجنوده وسلاحه من النصوص الدينية والتراثية، وكتبه ومواقعه الإلكترونية المنتشرة. الإرهاب فعل عدواني أصيل وممنهج وليس ناشئاً عن ردة فعل لمظالم أو فقدان أمل ويأس، هو مرض خبيث في الجسم المجتمعي الذي فقد مناعته الفكرية لا عرض لمرض، ومن سموا "الخوارج" في تاريخنا من الذين سلوا سيوفهم على المجتمع الصحابي، لم يعانوا مظلمة أو قمعاً أو فاقة، لكنهم انطلقوا من عقيدة (الحاكمية) التي استولت على عقولهم، وزينت لهم تملكهم الحقيقة المطلقة وأن غيرهم على باطل. إنه عنف أصيل، بادئ بعدوان لا تبرير له إلا "الغلو الديني" الذي نهى عنه رسولنا عليه الصلاة والسلام.التماس معاذير سياسية واقتصادية للإرهاب نوع من التسييس، يمد في عمره، حتى عصر المهدي المنتظر الذي يقضي على الفقر ويملأ الأرض عدلاً! الإرهابيون، إنما ينطلقون من كراهية معمقة لا من مظلمة مبررة، هم أبناء بررة لخطاب ثقافي ديني مشحون بكراهية عميقة لقيم ومظاهر التحديث.أخيراً: ما أهداف الغانم من كلمته؟أتصور أن هدفه خدمة قضية العرب الرئيسة، بتوجيه أنظار العالم إلى ما تعانيه الأراضي الفلسطينية المحتلة من مشاعر مريرة وأوضاع قمعية بائسة وظالمة، قد تشكل بيئة خصبة للإرهاب، ومع تقديري لنبل الهدف أقول: إن تسييس الإرهاب لن يخدم قضايانا.* كاتب قطري