الصين تريد التحكم في معضلة كوريا الشمالية
تحاول كل الأطراف في المفاوضات مع كوريا الشمالية رسم مسار التقدم بعد قمة ترامب-كيم الثانية في هانوي، إذ يركّز الجزء الأكبر من تحليل بعد القمة على خطوات نزع الأسلحة النووية وما ينجم عنها من تخفيف للعقوبات وخطوات رمزية محتملة نحو السلام، ولكن ما زال على هذه الأطراف مواجهة تحدي إدراج كوريا الشمالية في النظام السياسي والأمني الأشمل في شمال شرق آسيا، وفي السعي وراء هذا الهدف، يبقى سؤال أساسي من دون جواب: هل كوريا الشمالية عبء أو مكسب استراتيجي بالنسبة إلى الصين؟ لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال ضرورية لصوغ استراتيجية فاعلة تدفع بالمحادثات مع كل الأطراف نحو الأمام.بدا أن كوريا الشمالية تجر الصين إلى وضع استراتيجي يُعتبر مسيئاً أو حتى كارثياً بالنسبة إلى المصالح الصينية، مما جعلها بالتالي عبئاً، لكن المفاوضات الناجمة مع كوريا الشمالية حدت من خطر الحرب المباشر وعدم الاستقرار في المنطقة، إلا أنها لم تلغِ هذا الخطر بالكامل، وخصوصاً إن أخفقت المفاوضات. تشمل الطرق الأخرى التي تتصرف بها كوريا الشمالية كعبء على مصالح الصين الأمنية تحوُّل استفزازات كيم يونغ أون إلى مبرر لنشر وجود عسكري أميركي كبير متقدم في المنطقة. هدف هذه القوات المباشر ردع أي اعتداءات من بيونغ يانغ، إلا أن بكين ترى إمكان تحويل القدرات العسكرية ذاتها ضد الصين. وجاء الخلاف الصيني-الكوري الجنوبي بسبب نظام "ثاد" المضاد للصواريخ ليختصر هذا التفاعل.ثالثاً، يقلل تطوير كوريا الشمالية أسلحة نووية من مكانة الصين المميزة كعضو في نادي القوى النووية حول العالم وفي شمال شرق آسيا بالتحديد. وبمرور الوقت، قد تدفع دولة كورية شمالية نووية اليابان وكوريا الجنوبية إلى اتخاذ قرار تطوير أسلحة نووية خاصة بهما، ولا شك أن هذه نتيجة تريد الصين تفاديها.
أخيراً، تتكبد الصين كلفة من سمعتها واقتصادها لدعمها كوريا الشمالية، رغم التدهور الداخلي الصيني الأخير في مجال حقوق الإنسان واعتقال ما يُقدَّر بنحو مليون شخص من الأويغور، تريد بكين أن تُعتبر قوة عالمية مسالمة لا داعمة لدولة تطمح إلى أن تصبح نووية وتملك سجلاً أسود في مجال حقوق الإنسان. أما على الصعيد الاقتصادي، فبكين مضطرة إلى توسيع الموارد الداعمة لاقتصاد بيونغ يانغ، كذلك تجد الصين نفسها مرغمة على القبول بأن يواصل اقتصاد كوريا الشمالية المتدهور عرقلة النمو الاقتصادي في ولايات حزام الصدأ الصينية الشمالية الشرقية.عند تأمل هذه المسائل معاً، نرى بكل وضوح أن كوريا الشمالية تمثل عبئاً بالنسبة إلى الصين. لكننا بالتركيز على كيفية تشكيل بيونغ يانغ عبئاً ننظر إلى هذا المعادلة من جانب واحد فحسب. تقدّم كوريا الشمالية ثلاث فوائد مهمة إلى الصين تجعلها مكسباً استراتيجياً. أولاً، تمثل كوريا الشمالية وسيلة تلهية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. تُخصَّص الموارد والاهتمام، التي كان باستطاعة واشنطن، وطوكيو، وسيئول استعمالها لموازنة جيش الصين المتنامي، لردع بيونغ يانغ، فتُدرِج وثائق السياسة الأمنية الوطنية الأميركية، اليابانية، والكورية الجنوبية كوريا الشمالية إلى جانب الصين ضمن المخاطر الاستراتيجية الرئيسة في آسيا، مما يُظهر الثقل النسبي الذي خصصوه لهذين البلدين في التخطيط الدفاعي.ثانياً، يحوّل تحدي كوريا الشمالية الصين إلى صانع قرارات في مفاوضات دولية عالية المستوى، ويمنحها نفوذاً تستطيع استغلاله في مسائل أخرى، وتولّد انتهاكات بيونغ يانغ أساساً للتعاون مع بكين، فبغض النظر عما إذا كان هذا التعاون مستداماً أو إذا كان يبدّل جذرياً مسار الأحداث. وتعزّ الصين موضع القوة الذي تكسبه نتيجة ذلك، وتحاول أحياناً تعزيز موقعها من خلاله لتنال تنازلات في مسائل أخرى، مثل التجارة أو تايوان. كذلك تريد الصين أن تظهر بمظهر القائد العالمي القادر على تأدية دور الوسيط في اتفاقات تعالج المواضيع الساخنة. إذاً، يقدّم تحدي كوريا الشمالية للصين الفرصة المثالية كي تؤدي ذلك الدور، مكتسبةً في الوقت عينه قدرة على المقايضة في العلاقات الصينية-الأميركية.أخيراً، تمثل كوريا الشمالية جدار صد جيو-سياسياً وعقائدياً بين حليفة الولايات المتحدة كوريا الجنوبية والصين، فالفوائد الجيو-سياسية مباشرة: ما من قوات أميركية أو قوات حليفة للولايات المتحدة على حدود الصين، ولكن للوجه العقائدي أهميته أيضاً. يدعم نموذج الحكم المستبد الكوري الشمالي هدف الصين وهو الحد من مد الديمقراطية في آسيا. صحيح أن نُسختَي بكين وبيونغ يانغ من الحكم المستبد تختلفان اختلافاً كبيراً وتقدّمان لمواطنيهما ظروف عيش متباينة جداً، لكن كوريا الشمالية تبقى حصناً مستبداً على حدود الصين، ووفق تفكير الحزب الشيوعي الصيني، من الأفضل الحصول على تحالف متزعزع مع نظام حكم مستبد متمرد في كوريا الشمالية بدل السماح بتقدّم القوة العسكرية الأميركية وانتشار القيم الديمقراطية في المنطقة.يتيح لنا تأمل هذين الوجهين من المعادلة وحده توضيح السياسات الصينية التي تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين الضغط على كوريا الشمالية من جهة وتفادي انهيار النظام أو التغيير السياسي الجذري في هذا البلد من جهة أُخرى. لا تُعتبر هذه مجرد مسألة أكاديمية، فمع تقدّم المفاوضات بشأن مستقبل شبه الجزيرة الكورية، يُعتبر فهم نطاق حسابات الصين الجيو-سياسية الكامل بالغ الأهمية في أي جهود لتحفيز الصين ودفعها إلى تأدية دور بناء بدل تمكين تعديات بيونغ يانغ. *جاكوب ستوكس*