من جهته، يقول رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الأمة النائب خالد الشطي، ان الإشكال في الأحكام الجزائية لم يتم تنظيمه في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، «وأعتقد أنه آن الأوان أن يتم كفالة هذا الحق للمحكومين غيابياً في قضايا جزائية وفق ضوابط معينة وبطريقة تحقق المقاصد الموضوعية للإشكال الجزائي، لأنه بات من الأمور الضرورية، لا سيما في ظل عدم وصول علم للمتهم بموعد محاكمته، مما يحول دون تقديم دفاع عن نفسه، مما يخل بموضوعية المحاكمة العادلة».وأضاف الشطي، أن عدم وجود حق الإشكال في الأحكام الجزائية «الغيابية» يعتبر إخلالا في منظومة العدالة الجنائية، لذلك يجب إصدار تشريع بذلك وفق ضوابط قانونية موضوعية تحقق العدالة للمتهمين الأبرياء، وفي ذات الوقت لا تعد منفذاً لهروب المجرمين من تنفيذ الأحكام.
أحكام القانون
من جانب آخر، يقول أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري، انه مضى على صدور قانون الجزاء الكويتي وقانون الإجراءات الجزائية نحو 60 عاما، ولم تتغير فلسفة المشرع الكويتي في كلا القانونين، ولم تتطور لتواكب المستجدات الحديثة، كل ما في الأمر هو اصدار تشريعات جزائية لحماية مصالح جديدة استجدت كان من واجب المشرع التدخل وإصدار تشريعات لحمايتها، فهناك جمود في التشريع الجنائي مرده ليس العجز بل التهاون والتكاسل في تشكيل لجان دائمة فاعلة في دراسة وتطوير التشريعات.وتابع الكندري، أن قانون الإجراءات الجزائية جامد لم يأت أحد ليحرك نصوصه الجامدة، ويستحدث اوضاعا إجرائية جديدة مطبقة منذ القدم في التشريعات المقارنة، كقاضي التحقيق، وقاضي تنفيذ العقوبة، والتماس اعادة النظر، وتطوير فكرة العقوبات البديلة، وتنظيم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وغيرها، ومن تلك الأوضاع الجديدة التي لا يعرفها المشرع الكويت هي الإشكال في تنفيذ الحكم الجنائي.إشكالات التنفيذ
وأضاف الكندري أنه قد يعترض تنفيذ الحكم الجنائي إشكالات عديدة مما يحول دون تنفيذه، ويخول للمحكوم عليه رفع إشكال في التنفيذ بهدف تصحيح الخطأ، فالإشكال في التنفيذ هو نزاع قضائي حول شرعية تنفيذ الحكم الجنائي.وأشار إلى أن التشريعات المقارنة التي تأخذ بنظام الإشكال في تنفيذ الحكم الجنائي في قانون الإجراءات الجنائية لم تضع تعريفاً محدداً لهذا العمل الإجرائي، بل اكتفت ببيان المحكمة المختصة التي يرفع أمامها الإشكال في التنفيذ، وإجراءات نظره والفصل فيه، تاركة تحديد المقصود به لاجتهادات الفقه والقضاء.وأوضح أن محكمة النقض المصرية عرفت الإشكال في التنفيذ بأنه تظلم من إجراء تنفيذ الحكم مبناه وقائع لاحقة على صدور الحكم تتصل بإجراء تنفيذه.وتابع أنه، في حكم آخر لها قضت «النقض المصرية» بأن «سلطة محكمة الإشكال محدد نطاقها بطبيعة الإشكال نفسه، وهذا الإشكال لا يرد إلا على تنفيذ حكم بطلب وقفه مؤقتاً حتى يفصل في النزاع نهائياً طبقاً لنص المادة (525) من قانون الإجراءات الجنائية، وليس لمحكمة الإشكال أن تبحث الحكم الصادر في الموضوع من جهة صحته أو بطلانه أو بحث أوجه تتصل بمخالفة القانون أو الخطأ في تأويله وليس لها كذلك أن تتعرض لما في الحكم المرفوع عنه الإشكال من عيوب وقعت في الحكم نفسه أو في إجراءات الدعوى، مما يجعل الحكم باطلا لما في ذلك من مساس بحجية الأحكام، وفضلاً عن ذلك فإن طرق الطعن في الأحكام مبينة في القانون بيان حصر وليس الإشكال من بينها. ولفت إلى أن محكمة النقض قالت، إن «الإشكال في تنفيذ الحكم ليس طعناً فيه، وإنما هو تظلم من إجراء تنفيذه».دعوى تكميلية
وأوضح أن الاشكال في التنفيذ إذن هي دعوى تكميلية لا تهدف إلى تغيير مضمون الحكم، وليس وسيلة للطعن فيه، بل هو تظلم من إجراء تنفيذه، ومن ثم لا يجوز أن يبني على تعييب الحكم بعدم الصحة أو البطلان أو مخالفة القانون، لذلك:• يخرج من نطاق الإشكال في التنفيذ كل مسألة تتعلق بإجراءات الدعوى التي صدر فيها الحكم المستشكل في تنفيذه.• يخرج من نطاق الإشكال في التنفيذ كل مسألة تتعلق بموضوع الدعوى فصل فيها الحكم المستشكل في تنفيذه صراحة أو ضمنا.• إشكالات التنفيذ لا تعتبر نعيا على الحكم بل هي نعي على تنفيذه.أساس الإشكال في التنفيذ الجزائي:
هناك عدة مبادئ تجعل الأخذ بالإشكال في التنفيذ مستحقا، والحقيقة أن هذه المبادئ لا تشكل أساسا للإشكال في التنفيذ فحسب، فهي أحجار زوايا أيضا لكل ما يتعلق بقانون الجزاء وقانون الإجراءات الجزائية، وعلى هذا فإننا نرى أن أهم المبادئ التي يقوم عليها أساس الإشكال في التنفيذ الجزائي، هي مبدأ الشرعية، إضافة إلى مبدأ العدالة، ومبدأ احترام حقوق الإنسان، واحترام الحريات العامة. والسؤال الذي يُطرح هو: ما أسباب الإشكال في تنفيذ الأحكام الجزائية؟الأصل في قبول الإشكال في التنفيذ، سواء بطلب وقف تنفيذ الحكم أو الاستمرار في تنفيذه، أن يجد سببه بعد صدور الحكم، فهو باعتباره منصبا على إجراءات التنفيذ يكون مبناه دائما وقائع لاحقة على صدور الحكم، منها ما هو ذو طبيعة مادية، وما هو ذو طبيعة قانونية، فإن استجدت واقعة ذات طبيعة من أي من هاتين الطبيعتين، ومثلت واقعاً اعتبر في نظر جهة الإدارة سبباً ذا أثر موقف لتنفيذ الحكم كان لزاماً الفصل على أساس من ذلك، بالاعتداد بهذا الأثر الموقف أو بعدم الاعتداد به، وإجراء نتيجة ذلك بحكم واجب النفاذ فيما يقام أمام المحكمة من إشكال يصعب حصر تلك الأسباب، فهي إما إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بمرض يهدد، بذاته أو بسبب التنفيذ، حياته ويعرضها للخطر فمن المقرر أن التشريعات المقارنة أجازت في هذه الحالة تأجيل تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه، وهو ما نصت عليه المادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية المصري: «إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصاباً بمرض يهدد بذاته أو بسبب التنفيذ حياته بالخطر، جاز تأجيل تنفيذ العقوبة عليه».أما إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مصابا بجنون، فمن المقرر قانونا أن التشريعات أوجبت في هذه الحالة تأجيل تنفيذ العقوبة حتى يبرأ، ويجوز للنيابة العامة أن تأمر بوضعه في المستشفيات المعدة لعلاجه، وفي هذه الحالة تستنزل المدة التي يقضيها في هذا المحل من مدة العقوبة المحكوم بها.- الإشكال لأسباب تتصل بعملية التنفيذ ذاتها وهي؛ الإشكال بسبب عدم خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها، والإشكال بسبب عدم خصم المدة التي يقضيها المحكوم عليه المريض خارج السجن من مدة العقوبة، والإشكال بسبب عدم إعمال قاعدة الحد الأقصى عند تعدد العقوبات، والإشكال بسبب تنفيذ العقوبات على خلاف ما نص عليه القانون.أداة للتظلم
من جانبه، يقول المحامي والقاضي السابق د. محمد منور المطيري إن البعض يعرّف الإشكال في التنفيذ في المواد الجنائية بأنه «نزاع قضائي حول شرعية تنفيذ الحكم الجنائي».ومن ثم واحتراماً للمبدأ الدستوري لشرعية الجرائم والعقوبات، وصوناً للحريات الشخصية للأفراد، تحرص بعض القوانين الجنائية المقارنة على توفير وسائل لتمكين الأفراد من تعطيل تنفيذ الأحكام الجنائية التي تقع بالمخالفة للدستور والقانون.ويضيف منور أن الفكرة العامة للإشكال في التنفيذ في المسائل الجزائية هي خلق وسيلة وأداة للتظلم من بعض إجراءات تنفيذ الأحكام والأوامر الجزائية في الحالات التي تقع بالمخالفة للقانون، كأن يتم تنفيذ حكم جزائي غير نهائي، أو أن يكون التنفيذ قد وقع على غير شخص المحكوم عليه أو أي شرط آخر ينص القانون على وجوب مراعاته.ولا شك أن مثل هذه الضمانات تأتي في إطار حماية حقوق الناس وكراماتهم في الأنظمة الديمقراطية التي تهتم بحقوق الإنسان والحريات العامة، وهي بلا شك مضامين أكثر أهمية، وصيانتها مقدمة على صيانة الحقوق المالية التي تكفلت القوانين بوسائل الإشكال في الأحكام المدنية والتجارية الصادرة بشأنها.ومن غير المنطق أن يتيح القانون للفرد أن يستشكل في الأحكام المدنية والتجارية في المسائل المرتبطة بحقوقه المالية والمدنية، في حين يحرمه الاستشكال في الأحكام الجزائية لحماية حريته الشخصية وكرامته، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال جبر الأضرار الناشئة عن مصادرة حرية إنسان وحبسه وإهدار كرامته بالمخالفة للقانون.قواعد الإشكال
يقول د. الكندري عن كيفية تقديم الاستشكال في القضايا الجزائية إن ذلك يتم بطريقين، أولهما: بشكل تظلم من قبل المحكوم عليه ولا يشترط في تقديمه مدة معينة، والآخر عن طريق النيابة العامة بإرسالها كتاباً تطلب فيه البت في موضوع استشكل عليها عند التنفيذ حيث يحق للنيابة أن تطلب ابتداء البت فيما تعتقد أنه قد يثير اشكالا.
مضمون الحكم في الإشكال
1- رفض الإشكال والاستمرار في التنفيذ.2- وقف التنفيذ، ويكون ذلك إذا كان سبب الإشكال عارضاً يمكن زواله مستقبلا. 3- عدم جواز التنفيذ، ويكون ذلك إذا كان سبب الإشكال متعلقاً بانعدام الحكم أو باستحالة التنفيذ أو بانقضاء العقوبة أو بالتنفيذ على غير المحكوم عليه. 4- تعديل التنفيذ، ويكون ذلك إذا كان سبب الإشكال متعلقاً بتحديد السند الواجب التنفيذ عند تعدد الأحكام أو متعلقا بالنزاع على احتساب مدة العقوبة أو إعمال مبدأ الجب أو خصم مدة الحبس الاحتياطي.والحكم في الإشكال لا يمنع من رفع إشكال آخر إذا بني على أسباب جديدة لم يسبق إبداؤها أمام محكمة الإشكال. حتى ولو كانت هذه الأسباب قائمة وقت نظر الإشكال الأول. كما أن الحكم الصادر بعدم قبول الإشكال شكلا لا يحول دون المستشكل وإقامة إشكال جديد بإجراءات مقبولة.