مقبرة «بحنوي – كا» تكشف المعاملة الحسنة للبنائين والعمال
اكتشاف أثري جديد يهدم أسطورة سخرة العمال في بناء الأهرامات
اكتشاف مقبرة أثرية مزدوجة لكاهنين بمنطقة الأهرامات ينفي المقولات والنظريات الشائعة عن استقدام العمال بالسخرة لبناء الأهرام، ويعزز وجود المعاملة الحسنة من الملوك للعمال، وذلك بعد عثور بعثة آثار مصرية على مقبرة تعود إلى الأسرة الخامسة بجوار مقابر العمال.
اقترب علماء المصريات خطوة جديدة نحو هدم النظرية الشائعة عن بناء الأهرامات بالسخرة، بعد العثور على مقبرة لكاهنين من نبلاء الأسرة القديمة بجانب مقابر العمال، ضمن الاكتشاف الجديد الذي توصلت إليه بعثة الآثار المصرية أخيرا في منطقة الأهرامات.اكتشفت البعثة مقبرة أثرية في منطقة آثار الهرم، تبعد عن مقبرة تاري جنوب الجبل القبلي بنحو كيلومترين وبحالة جيدة.وأعلن وزير الآثار د. خالد العناني، في مؤتمر صحافي أمس، أن المقبرة مزدوجة تخص اثنين من نبلاء الدولة، كانا يعملان ضمن كهنة الدولة القديمة، وبالتحديد بالأسرة الخامسة، وتحمل اسم "بحنوي - كا"، والذي لم يعثر على اسمه من قبل بمنطقة الهرم، وتحوي نقوشا بحالة متميزة.
كما عثرت البعثة، داخل المقبرة على توابيت مغلقة، لم يتم فتحها نهائيا، إلى جانب عدد من اللقى الأثرية الخاصة بالكاهنين.وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، د. مصطفى وزيري، أن الجبانة تضم العديد من آبار الدفن والمقابر التي تعود إلى عصر الدولة القديمة، وتؤرخ أقدم مقبرة تم الكشف عنها في الموقع الى عصر الأسرة الخامسة (حوالي 2500 سنة قبل الميلاد)، وتمثل مقبرة جماعية شيدت من الحجر الجيري، لشخصين يدعى أحدهما "بحنوي - كا" والآخر يدعى نوي. وأضاف وزيري أن من أهم ما عثر عليه داخل المقبرة تمثال من الحجر الجيري في حالة جيدة من الحفظ، يمثّل صاحب المقبرة وزوجته وأحد أبنائه، ولا يحتوي التمثال على أي نقوش.وقال مدير منطقة آثار الهرم أشرف محيي، إنه أعيد استخدام هذه الجبانة للدفن على نطاق واسع في العصر المتأخر، بداية من القرن السابع قبل الميلاد، حيث عثر بداخلها على العديد من التوابيت الخشبية ذات الأشكال الآدمية تعود إلى ذلك العصر، مشيرا إلي أنها توابيت ملونة بألوان زاهية ومزخرفة بزخارف متنوعة. ويحتوي بعضها على شريط طولي بالكتابة الهيروغليفية يتوسط غطاء بعض تلك التوابيت، كما تم العثور على العديد من أوجه الأقنعة الخشبية والطينية الملونة.
عمال ونبلاء
عقب الإعلان عن المقبرة، قال وزير الآثار الأسبق، د. زاهي حواس، إن المقبرة المكتشفة تشير إلى أن مقابر النبلاء والعمال كانت متجاورة، وتؤكد الاهتمام بالعمال وبناء مقابر لهم على غرار النبلاء، الأمر الذي يدحض المقولات عن سخرة العمال القدماء في بناء الأهرامات وغيرها، مشيرا الى أن الكشف المعلن يشاهده العالم أجمع، ومصر بها العديد من الاكتشافات التي لم تعلن بعد، فكل ما تم إخراجه من باطن الأرض حوالي 30 في المئة فقط. ويأتي الاكتشاف الجديد استمرارا لسلسلة الاكتشافات الأثرية التي تعلن عنها وزارة الآثار، وأهم ما يميزه أنه يقع في منطقة آثار الهرم عن طريق البعثة المصرية، وقد بدأت الحفائر في أغسطس 2018 ورفع حوالي 450 مترا مكعبا من الرديم للوصول إلى تلك المقبرة التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لمنطقة آثار الهرم، ويطلق على تلك المنطقة جبانة تاري، "نسبة لشخص يدعى ثوري أو ثيري - صاحب أشهر مقبرة يعثر عليها في ذلك الجزء من جبانة الجيزة".وتؤرخ المقيرة المكتشفة كأقدم مقبرة عثر عليها حتى الآن في موقع الحفائر بالأسرة الخامسة، وهي مقبرة جماعية شيدت بالحجر الجيري، ويفتح مدخلها على صالة مستطيلة، عثر في الجزء الشمالي منها على نقوش ومناظر لشخصين يدعى أحدهما "بحنوي - كا"، ويدعى الآخر "نوي". وقال عضو البعثة المصرية، الأثري محمد عرفة، إن "بحنوي كا" حمل 7 ألقاب تدلنا على أنه كان كاهنا وقاضيا، منها "مطهر الملوك خفرع، سركاف، ني وسر رع، كاهن الملك نفر إير كارع، كاهن المعبودة ماعت، وكبير القضاة في قاعة المحاكمة"، أما "نوي" فقد حمل 5 ألقاب، أهمها حاكم القصر العظيم، المشرف على مدن ماعت، ومطهر وكاتم أسرار الملك خفرع.وأشار إلى أن أهم ما عثر عليه في المقبرة هو تمثال من الحجر الجيري، غير منقوش يمثل صاحب المقبرة وزوجته وأحد أبنائه، وعثر على التمثال محطما، ولم يعثر على رأس تمثال زوجة صاحب المقبرة وبعض أجزاء صغيرة من التمثال. وأوضحت عضوة البعثة المصرية، الأثرية شيماء عبدالرؤوف، أنه أعيد استخدام هذه الجبانة للدفن على نطاق واسع في العصر المتأخر، وتم الكشف عن العديد من التوابيت الخشبية الملونة بألوان زاهية ومزخرفة بزخارف متنوعة، والتي تعود إلى ذلك العصر.ولفتت إلى أنه عثر أيضا على شريط طولي بالكتابة الهيروغليفية يتوسط غطاء بعض تلك التوابيت، وتمثل تلك الكتابة صيغة تقدمها القرابين التي يتمنى المتوفى الحصول عليها في العالم الآخر.بناة الأهرامات
ويعزز الاكتشاف الجديد المعاملة الحسنة للعمال، وعدم استقدامهم للعمل بالسخرة، فقد سبقه اكتساف مقابر عمال بناة هرم خوفو في عام 2010 وأعلن فاروق حسني (وكان وزير الثقافة حينها) أن هذه المقابر تؤكد أن العمال الذين بنوا أكبر أهرامات الجيزة الثلاثة لم يكونوا عبيداً أو يعملون بالسخرة، وإلا ما كانوا بنوا مقابرهم إلى جانب مقابر الملك.وكانت البعثة قد عثرت على مجموعة مقابر جديدة ترجع إلى الأسرة الرابعة (2649 - 2513 قبل الميلاد)، وتعود هذه المقابر إلى العمال الذين بنوا الهرم الأكبر". واكتُشفت مقابر العمال الأولى عام 1990، إثر سقوط سائحة عن ظهر جوادها جنوب شرق تمثال "أبوالهول".واعتبر رئيس البعثة الأثرية حينها، زاهي حواس، أن "الكشف عن مقابر العمال من أهم الاكتشافات الأثرية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، لأنها تُلقي الضوء على الفترة المبكرة للأسرة الرابعة، وتؤكد سقوط فكرة قيام العبيد ببناء الأهرام، وذلك لأن هذه المقابر تقع مباشرة إلى جوار الهرم، بل وتطل عليه، ولو كانوا عبيدا لما استطاعوا بناء مقابرهم في هذه المنطقة".يشار إلى أن عدد العمال الذين اشتركوا في بناء الهرم الأكبر، حسب حواس، لا يزيد على 10 آلاف عامل، عكس ما قاله المؤرخ اليوناني هيرودوت بأن عدد العمال كان يصل إلى 100 ألف عامل".
زاهي حواس: بناة الأهرامات ليسوا عبيداً