الإهمال الحكومي النيابي يُسقِط قانون تعارض المصالح
السلطتان مشغولتان بتحقيق أي إنجاز تشريعي لإرضاء الشارع دون مراجعة قانونية
● «الأعلى للقضاء» رسم مساراً للاقتراح النيابي بشأن القانون والنتيجة جاءت عكسية
أعاد حكم المحكمة الدستورية بإسقاط قانون تعارض المصالح ولائحته التنفيذية، ملف سلامة التشريع النيابي ومدى التزام اللجان والنواب على حد سواء بالمبادئ الدستورية وتفضيل المصالح الانتخابية والسياسية عليها، إلى الواجهة، فـ«تعارض المصالح» لم يكن القانون الأول الذي تنسفه «الدستورية»، ومع استمرار سيطرة الهاجس الانتخابي والإهمال في الصياغة القانونية، لن يكون الأخير، ووسط الإصرار على رسم هوية إنجاز للمجلس على حساب جودة التشريع فإن المنظومة القانونية كلها معرضة لمزيد من التصدع.ويحمل هذا القانون تحديداً، صفة مختلفة عن بقية القوانين التي أسقطتها «الدستورية» أو نسفت بعض موادها، لأن المجلس الأعلى للقضاء أبدى رأياً حياله خلال مناقشته في اللجنة التشريعية البرلمانية، وقدم مذكرة تتضمن ملاحظات عليه، فكانت مؤيدة لروح المقترحين النيابيين مع توصية بضم «تعارض المصالح» إلى قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة).المذكرة القضائية الموجهة لـ«التشريعية»، وفقاً لما يتضح من ديباجتها المرسلة إلى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، جاءت بناء على طلب اللجنة، حيث تضمنت عبارة تنص على أنه «... بشأن رغبة لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة استطلاع وجهة نظر المجلس الأعلى للقضاء...»، إلا أن التقرير النهائي والنص الأخير للقانون لم يأخذ برأي ذلك المجلس الأعلى.
آراء «الأعلى للقضاء» لها خصوصيتها، أولاً: بوصفه سلطة ثالثة مستقلة، وثانياً: لأن القضاء هو جهة الحكم والفصل في الدعاوى والقضايا المترتبة على القانون، مما يضع مذكرته في مقدمة الآراء الواجب الأخذ بها، أو النظر إليها بجدية أكثر، بعيداً عن أي حسابات سياسية تتطلب استعجال التصويت لتحقيق إنجازات «شكلية» تكون عرضة للبطلان الدستوري، وثالثاً فإن ثلاثة من عناصره أعضاء في المحكمة الدستورية، ورئيس «الأعلى للقضاء» هو رئيس تلك المحكمة.ما جاء في حيثيات حكم «الدستورية» وتسبيب إلغاء القانون، يحمل جانباً شبه متطابق مع الرأي الذي تضمنته مذكرة «الأعلى للقضاء»، فضم مقترح «تعارض المصالح» إلى قانون «نزاهة» من شأنه تفسير الكثير من الغموض الوارد فيه، وتحديد المعنيين به بصورة أوضح. لقد رسم «الأعلى للقضاء» مساراً للاقتراح النيابي دون محاولة التدخل في التشريع، من باب فصل السلطات، ولكن النتيجة جاءت بخلاف ذلك، مما أدى إلى سقوط القانون.اللذان يتحملان مسؤولية سقوط «تعارض المصالح» هما السلطتان التشريعية والتنفيذية، النواب والوزراء على حد سواء، لأنهم جميعاً أعضاء في مجلس الأمة، فهاجس تحقيق أي إنجاز تشريعي لإرضاء الشارع العام سيطر كثيراً على سلوكهم، حتى باتت المراجعة الدستورية والقانونية أمراً ثانوياً لا قيمة له، علاوة على ذلك فإن استعجال التصويت على القوانين في مداولتين بجلسة واحدة دون إعطاء العامة فرصة الاطلاع وإبداء الرأي خلَق ثغرات دستورية عديدة في المنظومة التشريعية، فضلاً عن غياب المراجعة الحقيقية لتسلسل القوانين وتكاملها، حتى باتت هناك قوانين تناقض أخرى، مما تسبب في إرباك القضاء والقضاة.