عندما نتكلم عن الحدود فنحن نتحدث عن مدى سيادة الدول وسيطرتها وأمنها، لقد كانت الحدود في السابق على البشر ببعدها الاجتماعي والاقتصادي، وهي اليوم حدودٌ على الأرض بأبعادها السياسية والعسكرية، وهناك إشكاليات حدودية عديدة خاصة بالحدود العربية. فإسرائيل لديها مفهومٌ للحدود تسميه "الحدود الآمنة"، ونظريتها تقوم على الاستيطان وتغيير الحدود، وإيران لديها مفهومٌ مختلفٌ للحدود، إذ يدخل التمدد العقائدي المذهبي العابر لحدود الجيران العرب، ودول عربية تكافح للحفاظ على حدودها الجغرافية السياسية ولديها مشكلات حدودية بينية حول النفط على الحدود، وبضعة أمتار من الأرض، ومياه جوفيه تحت الحدود، وقبائل متنازعة لا بل متداخلة على الحدود.
وفي الوقت الذي ينادي البعض بإزالة الحدود وقيام كيانات أكبر يعمل جيرانهم وإخوتهم على تمكين الحدود، وبناء الخنادق والأسلاك الشائكة على الحدود! وأحياناً تقوم الحرب بين الإخوة العرب، ويسقط ضحايا بسبب مشكلات الحدود، كما أن هناك مشكلات قائمة ومستمرة للحدود بين الدول العربية لم تحل لا بالتقاضي ولا بالتراضي.لقد كانت دول المغرب العربي أقرب إلى بعضها في فترة الاستعمار مما هي عليه اليوم، وكانت مصر والسودان أقرب لبعضهما مما هما عليه اليوم، وكانت سورية والعراق أقرب لما هما عليه اليوم، وكذلك دول الخليج العربية، وأي مشروع بقيام كيان اتحادي بين دول الخليج العربية سيواجه مشكله الحدود أولاً؟لقد أصبح الحديث عن الحدود جزءاً من تاريخ الدول، وأصبحت المياه المشتركة بين الدول مياهاً عابرة للحدود، لا بل قضية حدود كما هي الحال في دول حوض النيل ومياه دجلة والفرات وغيرها، وحتى النفط والمياه الجوفية من قضايا الحدود، وأصبحت أراضي بعض تلك الدول مهددة، لا بل تخضع لاتفاقيات بشأنها بين دول الجوار، ولذلك تبخر الحلم القومي العربي بإزالة الحدود، ولا بد من إعادة النظر في المقومات؛ منها قضية الحدود، بمعنى أن هناك بديلاً عنها بالتعاون المشترك، كما حدث بين الدول الأوروبية، وبدراسة تاريخ الحدود العربية نجد أن العامل الاستعماري الخارجي قد أدى دوراً في تحديدها، والنزاع حولها إلى درجة أن بعض الدول فقدت مساحات من أراضيها وثرواتها بسبب تدخلها وتأثيرها لمصالح اقتصادية وسياسية فتغيرت الخرائط والحدود.
مقالات
الحدود سدوداً
08-05-2019