في عام 1970، بدأت شويكار رحلة البحث عن الذات، والتحقق بعيداً عن فؤاد المهندس لتثبت أن نجوميتها لا ترتكن إلى زواجها من نجم كوميدي. ورغم هذا فإن الثنائي اجتمع مع المخرج نيازي مصطفى في فيلمي «إنت اللي قتلت بابايا» و{سفاح النساء»، ثم ظهرت النجمة لأول مرة من دون شريكها الحصري في فيلم «رضا بوند» من إخراج نجدي حافظ، وبطولة كل من فريد شوقي ومحمد رضا ومحمود المليجي وعادل إمام. وفي العام التالي، وقع الطلاق بينهما للمرة الثانية، ولكن لم يستمر سوى أربعة أيام، إذ تزوجا مُجدداً من دون أن يشعر أحد بانفصالهما. وظلت أسباب الطلاق لغزاً لم يعرفه أحد، لا سيما أن شويكار كانت تكن مشاعر الحب العميق للمهندس، وتعتبره أستاذها في الفن والحياة، وبدوره كان يبادلها ذات المشاعر. لكن غيابها عن المسرح ترك أثره النفسي السيئ فيها، وحرمها من رائحة الكواليس وأيام التمرينات، ولقاء الجمهور كل ليلة، ودوي التصفيق في صالة العرض.
وكانت شويكار تقطع الطريق إزاء الإشاعات، وتتقمص دور فنانة تشكيلية، وترسم «بورتريهاً» لزوجها الحبيب خلال حواراتها الصحافية، وتقول إن المهندس قادر على احتواء أي خلاف بينهما، وإنه دائماً يبادر بخفة ظله إلى مصالحتها، ويدير آلة التسجيل على إحدى أغنيات فايزة أحمد، وتصفو العلاقة بينهما، وكأن شيئاً لم يحدث، فيما تعد هي الغداء أو العشاء. وفي أيام الإجازة من المسرح، يذهبان إلى دار السينما، ويكملان السهرة في «كازينو» على النيل.يظل سبب الطلاق لغزاً، لكن الأمر يتطلب نظرة عميقة إلى شخصية شويكار ما بين العمل والبيت، فقد اشتهرت بلقب «الليدي» لإطلالتها ذات البريق والجاذبية، ومتابعتها أحدث صيحات الأزياء العالمية، وكانت هواياتها المفضلة التطريز، وتعلمت فنونه من والدتها، وعندما صارت نجمة، تعاملت مع مصممتين للأزياء، سواء لملابسها الخاصة أو لأدوارها في المسرح والسينما، واقتنت الأكسسوارات الملائمة لكل شخصية، وغالباً ابتاعت أثوابها من محال شهيرة في وسط القاهرة، وأحب الألوان إليها الأبيض والأسود.أما شويكار «سيدة المنزل» فكانت في أيام الإجازات تبدأ يومها في التاسعة والنصف صباحاً، وتعد الإفطار لفؤاد، فيما تكتفي هي بفنجان شاي، وتنظف مثل أية زوجة منزلها، وتدخل المطبخ لإعداد طعام الغداء، وتمارس هواية طهو أطباق زوجها المفضلة مثل «الرقاق بلحم الضأن»، وبعد الظهر تجلس مع الأولاد (منة ومحمد أحمد) بعد عودتهم من المدرسة.
واعتادت في يوم إجازتها، ممارسة رياضة المشي. ورغم أنها كانت تخرج متخفية بارتداء نظارة الشمس، وتغيير تسريحة الشعر، فإن جمهورها كان يتعرف إليها، ويلاحقها بالتعليقات. وبعد أن تسير لمدة ساعة تعود إلى المنزل، وتستقبل المكالمات الهاتفية، وتتحدث مع معجبيها، ثم تتأهب لزيارة شقيقتها شاهيناز، وتذهبان غالباً إلى دار السينما، خصوصاً إذا كانت تعرض فيلماً للنجمة شيرلي ماكلين أو كانديس بيرغن أو صوفيا لورين.
سرّ التحول
في ذروة تألقها على خشبة المسرح، رفضت شويكار لقب «سيدة المسرح»، واعتبرت أن كل ممثلة ذات موهبة هي سيدة مسرح، وأن ثمة فنانات كثيرات صنعن مجدهن الفني فيه كأمينة رزق وسميحة أيوب وسناء جميل، وشكل حضورهن ملامح بارزة في تاريخ المسرح المصري، وقدَّمن أعمالاً لكبار المؤلفين العرب، كألفريد فرج وسعدالله ونوس ونعمان عاشور وسعدالدين وهبة، ومن المسرح العالمي نصوصاً لوليام شكسبير وموليير وهنريك أبسن وبرتولد بريشت.لم تصرح شويكار بحنينها الجارف إلى المسرح، ولكن «سيدتي الجميلة» 1969 أغلقت الستارة مؤقتاً على رحلة الأعوام الست، والتي بدأت بمسرحية «أنا وهو وهي» 1963، وبدت النجمة الجميلة في مهب أجواء عاصفة، ولا تدري كيف ستكون حياتها من دون عشقها الفني الأول، وهل سيطاردها شبح الاعتزال المبكر، وانتظرت الإجابة في ما تخبئه الأيام المقبلة.ظل قطار المسرح الكوميدي شاغراً يبحث عن نجمته الجميلة، لكنه لم يغادر المحطة، وبقي مشروع «الثنائي» قائماً في أذهان الجمهور والمؤلفين والمخرجين. إلا أن المهندس خشي على زوجته الحبيبة من الإصابة بالإجهاد مُجدداً، وبينما شاركها في بطولات سينمائية، كان يبحث عن بطلة أخرى ليستأنف نشاطه المسرحي، وأدرك صعوبة القرار وخاف من رد فعل «سيدتي الجميلة»، ما جعله يرجئ العمل بالمسرح إلى نحو ثلاث سنوات متتالية.وفي عام 1971، مثلت مع المهندس فيلماً واحداً «نحن الرجال طيبون» إخراج إبراهيم لطفي، وشارك في بطولته سيد زيان وإبراهيم خان وصلاح نظمي. دارت أحداثه حول الفنان حمدي (فؤاد المهندس) الذي يحاول التقرب من المخرجة فاتن (شويكار)، ويدعي إصابته بالعمى، فتعرض عليه الذهاب إلى خالها طبيب العيون (صلاح نظمي) ويكشف الأخير خدعته، فتلقنه فاتن درساً قاسياً، وتأتي النهاية السعيدة.شويكار والمهندس يفتحان «الوصية» بحضور عبدالناصر
عرضت إحدى القنوات الفضائية أخيراً مسرحية نادرة بعنوان «الوصية» لشويكار وفؤاد المهندس، وهي عبـــــارة عــــــــــــــن فــــصـــــــــــل لا تتجاوز مدته ساعة. ألفها سمير خفاجي وأخرجها ومثّل فيها عبدالمنعم مدبولي. شارك في بطولتها كل من سهير الباروني وزكريا موافي، وقدمت خلال احتفالات أعياد الشرطة المصرية في منتصف الستينيات، وحضرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. قبل فتح الستارة ظهر الفنان صلاح ذو الفقار ليعلن عرض المسرحية، التي سبقت وصلة غنائية لكوكب الشرق أم كلثوم. ويبدو أن «الوصية» كُتبت خصيصاً للمشاركة في هذه الاحتفالية، وتعد أول عمل مسرحي يقدم في الاحتفالات الرسمية المصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952، بعدما كانت الأخيرة تقتصر على الغناء، ويشارك فيها كبار المطربين والمطربات كالموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة، وغيرهم.جاءت مشاركة «الوصية» في هذه الاحتفالية كنوع من التكريم للمسرح الكوميدي آنذاك، وبعد مرحلة من تألق شويكار مع النجمين فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي. وهي حققت نسبة مشاهدة عالية عبر موقع «يوتيوب» على الإنترنت. وبالنسبة إلى الجيل الذي عاصر تلك الفترة، فإنه يستعيد الذكريات والحنين إلى العصر الذهبي للمسرح والفنون الأخرى. دارت أحداث «الوصية» في إطار كوميدي اجتماعي، حول شخصية شريفة (شويكار) المتزوجة سراً من ثري عجوز «عفيفي»، خوفاً من زوجته وأولاده، وتطلب إليه أن يكتب وصيته ليورثها ثروته ولكنه يموت قبل أن يصل المحامي معلوف (عبدالمنعم مدبولي) وتتفق الأرملة مع أمها (سهير الباروني) على أن يتقمص السكرتير عبدالحفيظ (فؤاد المهندس) شخصية المتوفي، ويملي الوصية على المحامي ضعيف البصر. وتتوالى المفارقات الكوميدية، وتنتهي بفشل المؤامرة.
وتوالت المفاجآت في عام 1971، عندما تركت شويكار أفلام المهندس، ووقفت للمرة الثانية مع نجم كوميدي آخر، إذ شاركت محمد عوض بطولة فيلم «غرام في الطريق الزراعي» للمخرج صبحي عبدالعزيز.أثار هذا التحول تساؤلات عِدة، واعتبره البعض مؤشراً إلى انفـــــــصـــــــــــال «الثنــــــــائي الفنـــــي» لا سيما بعد غيابهما عن المسرح، وكأنهما يمهدان للسير في اتجاهين مغايرين. وظل الأمر سراً يكتنفه الغموض، ولكن أصداء الخلاف تطايرت إلى أبنائهما ولم يفهم الأطفال آنذاك أسباب هذا النقاش الحاد، وانتهى الأمر بظهورهما مبتسمين، وكأن شيئاً لم يحدث. فقد اتفق النجمان على أن تظل مشاكلهما بعيدة عن الأبناء، كي لا تترك أثراً سلبياً فيهم، لا سيما أن شويكار تتعامل مع محمد وأحمد، وهما ابنا زوجها، كوالدتهما، وكذلك يتعامل المهندس مع ابنة زوجته منة الله كأنه والدها، ويغدقان عليهم بالرعاية والحنان.كانت منة الله تعتبر فؤاد المهندس مثل أبيها، وبمرور الأعوام زاد تعلقها بأمها، وصارت تقلدها في كل شيء، حتى أنها شاركت في الحفلات المدرسية، وأصبحت رئيسة فرقة التمثيل، وقدمت بعض أعمالها مثل «حواء الساعة 12} ومثلت دور شويكار في المسرحية، بينما قامت إحدى زميلاتها بدور فؤاد المهندس. لكن الأم التي تعرف متاعب مهنة التمثيل وجهت ابنتها إلى التفوق الدراسي، ودخول كلية السياسة والاقتصاد، وتحقيق حلمها في العمل بالسلك الدبلوماسي.مدرسة المراهقين
في بداية السبعينيات، اشتدت المنافسة بظهور جيل جديد ثبت قدميه في التمثيل الكوميدي، وضم مجموعة من النجوم كعادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي. حقق هؤلاء نجاحاً مدوياً في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، حاول بعض المنتجين استثماره وتقديمه في قالب سينمائي، فكان فيلم «مدرسة المراهقين» 1973، إخراج أحمد فؤاد، وفيه قامت شويكار بدور «شهيرة» الفتاة المتحررة التي تلتقي ناظر المدرسة الصارم (فؤاد المهندس) وتغير من أسلوب تعامله مع التلامذة المشاغبين.وفي العام ذاته، قدمت شويكار مع المهندس فيلم «شلة المحتالين» للمخرج حلمي رفلة، وشاركهما البطولة كل من محمد عوض ونبيلة عبيد ونجوى فؤاد.تدور أحداثه في إطار كوميدي حول صديقين يحترفان النصب ويلتقيان فتاتين تمارسان الاحتيال، ويقرران الزواج بهما، وفي ليلة الزفاف تسقط الأقنعة، ويعرف كل منهم حقيقة الآخر.خرجت شويكار من «مدرسة المراهقين» لتبحث عن ذاتها مجدداً، واعتبرت أن إضحاك الجمهور يكتسب قيمته من النص الجيد، وعمق الشخصية التي يجسدها الممثل، كي لا يقع في أسر الأدوار النمطية. وفي ذلك الوقت جمعها لقاء تلفزيوني مع المهندس، وتدفقت النجمة الجميلة بتلقائية، وقالت إنها والمهندس نجمان على خشبة المسرح، بينما في السينما مجرد أبطال لبعض الأفلام. وبدوره اتفق المهندس مع رأيها، وقال إن تاريخهما السينمائي يضم بعض الأعمال الجيدة مثل «اعترافات زوج» و{أرض النفاق»، بينما أفلام مثل «العتبة جزاز» و{شنبو في المصيدة» مجرد أعمال تجارية حققت جماهيرية عند عرضها على الشاشة، لكنها لا تشبع موهبتهما، ويرجع هذا إلى ندرة النصوص الجيدة.بدت كلمات شويكار مفعمة بالحنين إلى المسرح، وعدم اقتناعها بكثير من أفلامها، وظهر هذا التغير، برفضها عشرات السيناريوهات الكوميدية، وعودتها مُجدداً إلى الأدوار التراجيدية، عندما رشحها المخرج حسام الدين مصطفى لبطولة فيلم «الشحاذ» 1973 قصة نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار أحمد عباس صالح، وشارك في بطولته النجوم محمود مرسي وأحمد مظهر ونيللي ومريم فخر الدين.جاء «الشحاذ» لينفض الغبار عن جوهرة ثمينة، ويكشف عن ألق موهبتها في تجسيد شخصـــية متبايــــنة الانفــعـــــالات، لا سيما في المشاهد التي جمعتها مع محمود مرسي، وإدراكها المضمون الفلسفي لرواية محفوظ، ويثبت ذلك أن لديها ثقافة رفيعة، فهي ليست قارئة للسيناريوهات أو النصوص المسرحية فحسب، بل تقرأ في شتى ألوان المعرفة. ومثلما قرأت باللغة العربية لمحفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقي ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، تعرفت إلى كنوز الأدب العالمي من خلال إجادتها اللغتين الفرنسية والإنكليزية.اعتبرت شويكار أن القراءة تثري شخصية الممثل، وتمكنه من فهم أبعاد الشخصية التي يؤديها، لا سيما قراءة الشعر بما يحمله من معانٍ وأنغام تشبع الوجدان. ظهر هذا الجانب لديها عندما جلست لأول مرة مع الفنان عبدالمنعم مدبولي، واختارها لبطولة مسرحية «أنا وهو وهي»، وعندما اكتشف أنها تقرأ دورها بصوت منغم، شجعها على هذا الأداء المتميز. كذلك هي لا تنسى تشجيع الفنان عبدالوارث عسر وتدريبه لها على تدرج انفعالاتها في تقمص دورها بمسرحية «السكرتير الفني»، وكيف وجهها إلى قراءة الشعر بشكل منتظم كنوع من التدريب لها كممثلة، وإتقان اللغة العربية.«هالو دوللي»... سباق كوميدي بين الليدي ونجوم المسرح في الكويت
ضمّ أرشيف شويكار لقاءً نادراً مع نجوم المسرح في الكويت، وتحولت مسرحية «وأيضاً هالو دوللي» 1974 إلى سباق كوميدي للتألق والإبداع، إذ جمعت بين المؤلف المبدع عبدالأمير التركي والمخرج المتميز حسن عبدالسلام، وصانع البهجة عبدالحسين عبدالرضا، فضلاً عن كوكبة من الفنانين كغانم الصالح ومريم الغضبان وعلي المفيدي ويسرية المغربي وكاظم القلاف وعايدة الشريف ولطيفة يحيى وسالم محمود وأسامة المشيني. اعتبر النقاد أن «هالو دوللي» نقلة احترافية للفنان عبدالحسين عبدالرضا، عندما وقف لأول مرة إلى جانب نجمة الكوميديا شويكار، ومن شاهد المسرحية، يجد أن الفنان يعلن فيها موهبته الكوميدية، لا سيما في مشاهد جمعته مع دوللي (شويكار) ليجتاز بنجاح أصعب اختباراته على خشبة المسرح، ومقارنته بالنجم الكوميدي فؤاد المهندس.كادت المسرحية أن تتعثر بعد شهر من التمرينات مع المخرج جلال الشرقاوي، إذ اعتذر عن عدم إخراجها، فرشحت شويكار المخرج حسن عبدالسلام الذي تعاونت معه في مسرحيتها الناجحة «سيدتي الجميلة». فعلاً، ظهرت «دوللي» إلى النور، وكانت بمنزلة شهادة ميلاد لمواهب فنية شابة آنذاك، ومن بينها الفنانة القديرة مريم الغضبان «حبابة» صاحبة الحضور المتألق في المسرح والدراما التلفزيونية، والتي رحلت عن عالمنا عام 2004. حققت المسرحية نجاحاً كبيراً عند عرضها، وغلب عليها الطابع الكوميدي الاستعراضي الذي تميزت به شويكار خلال مسيرتها في المسرح، فيما أثرى الموسيقار عبدالرؤوف إسماعيل دراما المسرحية بإبداعه الموسيقي، وتعد المسرحية من أولى المسرحيات التي سجلها التلفزيون الكويتي بالألوان، وما زالت تحظى بنسبة مشاهدة عالية كلما عُرضت على الشاشة الصغيرة.
البقية في الحلقة المقبلة ....