الحب لا يدوم، لا يملك أن يبقى متقدا بمجرد قواه الذاتية، لا يستطيع الحب أن ينتصر في معركة واحدة مع قلوبنا دون جنوده المخلصين له. الشوق، الحنين، الإحساس بأنك بقعة جفاف تموت عطشاً لكل شيء: الماء، الفيء، اللون الأخضر، صوت هديل، رفّة جناح، هذا الإحساس بأنك لست أكثر من مجرد قطعة جفاف عطشى للحياة، والشعور بأنك على حافة الهاوية، وفقدان التوازن العاطفي، كلها جنود مجندة وغيرها لحرب الحب معنا، لا تعصي له أمراً، مُسخّرة حياتها لخدمته وفداء لحياته، مؤمنة أشد الإيمان بتقواه، وحسن صلاحه، تلك هي بعض جنود الحب التي تخوض مع قلوبنا معارك الحب باسمه وتحت رايته، وهي التي تكتب بحبر الوجع هزائمنا، أو تنقش على جيد الماء بحبات اللؤلؤ قلب حب بربطة حريرية زرقاء، وهي التي تدرك أن الحب أضعف وأرق من أن يواجه قلوبنا التي قد يشوبها كل شرّنا الإنساني وحده، وأنه أجمل من أن يكشف نور ملامحه أمام وجه بشاعتنا دون أن يكون بيننا أحجار شطرنج تجعل هزائمنا أمامه بطعم الفوز به!
هذه الجنود هي ما يبقي جمرة الحب فينا مشتعلة، وهي التي تحيلها إلى رماد، بيدها أن تطيل عمر الحب، أو تُحسِن خاتمته، بأقل الأضرار ما استطاعت، إلا أن الاحتياج، الاحتياج فقط ولا شيء غيره، يكفي لترك الحب أظافره بلحم القلب. الاحتياج هو ما يطيل عمر الحب أكثر بكثير من قدرة قلوبنا على تحمُّل تجزئتها أو انقسامها! الاحتياج، سواء كان للحب أو للحبيب، هو ما يجعل خيارات قلوبنا منحازة ضدنا، لا تريد ما نريد، ولا تعمل بما نوصي، وما يجعلها غير مبالية بما نضعه كسقف لإنسانيتنا، وتحت ما نسميه كرامتنا، كعزة أنفسنا، اعتدادنا بقوتنا أم هوى أنفسنا، أنانيتنا. الاحتياج في الحب يعيد ترتيب حياتنا وقناعاتنا، ونصبح على المحك أمام خيارات صعبة على قلوبنا. الاحتياج، أياً كان نوعه بين الحبيبين، هو أقوى روابط الحب والعروة الوثقى لقلبيهما. إن أكبر ثغرة في الحب يتسلل منها الجفاء المنتهي بموته هي عدم إحساس أحد طرفي العلاقة، أو كليهما، بالاحتياج للآخر. إن بقاء هذا الإحساس هو الضامن الأكبر لبقاء المحبين معاً. ليس مهماً ماهية هذا الاحتياج، إن كان مادياً أو معنوياً، أو الاثنين معاً. إن من أكبر أخطائنا في الحب إعطاء الآخر، بحسن نية أو بسوء نية، الإحساس بعدم الاحتياج له بشيء ما، بأي شيء، فذلك يشعره مباشرة بقدرة الآخر على سهولة التخلي عنه، مما ينمِّي إحساسه بعدم الأمان، ويعجِّل برحيل الحب مبكراً. الاحتياج آخر مَن يشد قميص الحب من الخلف كلما همّ بالرحيل. إذا كنّا ننوي إطالة عُمر الحب، فعلينا أن ننمِّي احتياجنا للطرف الآخر، ونؤصّله في أنفسنا بأي صورة وبأي طريقة، وبغض النظر عن نوعية الاحتياج، إن كان مادياً له علاقة بالأشياء الملموسة، أم معنويا له علاقة بالمشاعر والأحاسيس، لكن بشرط وحيد وغاية في الأهمية التي ترتقي حد "القدسية"، ألا يستغل هذا الاحتياج بأي شكل من الأشكال في الابتزاز العاطفي من قبل أي من الطرفين.
توابل - ثقافات
الاحتياج... ثغرة!
09-05-2019