عادت حالة البهاء إلى مسجد "فاطمة شقراء" التاريخي، الواقع في منطقة "باب الخلق" وسط العاصمة المصرية القاهرة، بعد انتهاء أعمال الترميم التي أُخضع لها على مدار عامين، باعتباره أثراً تاريخياً مهماً ضمن مشروع ترميم وتطوير القاهرة التاريخية، حيث افتتحته وزارة الآثار المصرية الخميس الماضي.

ويحظى مسجد "فاطمة شقراء" باهتمام كبير من جانب المصريين، وخاصة المعنيين بالتراث والتاريخ، لما يشتهر به من روعة في التصميم المعماري، وكذلك جمال تصميم محرابه ومقصورته الخشبية بين المساجد التي تعود إلى العصر المملوكي، بل يعتبر المسجد شاهداً على تاريخ العصر المملوكي والقاهرة القديمة، ويعد أيضاً أحد أهم مواقع التراث العالمي الموجودة في مصر.

Ad

السلطان المملوكي قايتباي

وشُيد المسجد عام 873 هجرية، في أثناء حكم السلطان المملوكي قايتباي، حيث أسسه شخص يُدعى رشيد الدين البهائي، وتم تجديده على يد فاطمة شقراء التي سُمي المسجد باسمها، وكانت إحدى الجاريات الروسيات المُعتقات في عهد العصر العثماني، وبعد أن جاءت إلى مصر، وبسبب اهتمامها الكبير بالتراث، أعادت تجديد المسجد وإصلاح المحراب الذي يعد من أروع المحاريب الحجرية التي شيدت إبان العصر المملوكي.

«مسجد المقشات»

وكان المسجد يُسمى في البداية بـ "مسجد المقشات"، وفي منتصف القرن التاسع عشر، أطلق عليه "جامع المرأة"، من منطلق قيام سيدة هي فاطمة شقراء برعاية أعمال تطوير وترميم المسجد، ومنذ ذلك الحين اعتُبر المسجد قطعة فنية فريدة، وعُرف حتى يومنا هذا بمسجد "فاطمة شقراء".

ويلاحظ الزائر للمسجد ما كُتب على جانبي بابه العمومي (في الوجهة الغربية)، ونصه: "بسم الله الرحمن الرحيم.. الست المصونة فاطمة شقرا.. بتاريخ شهر جمادى الآخر من سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة". وللمسجد محراب حجري، تشتمل طاقيته على مقرنصات مغطاة بالرخام الأسود، وتحيط بها أشرطة منقوشة، ويعلو المحراب مستطيلان كتب فيهما: "وما النصر إلا من عند الله"... و"إن ينصركم الله فلا غالب لكم".

معالجة المئذنة

وعلى مدار العصور القديمة، تدهورت الحالة المعمارية للمسجد، نظراً إلى ارتفاع منسوب المياه في المنطقة المشيّد فيها، مما دفع المسؤولين قبل سنوات إلى محاولة معالجة المئذنة وتثبيتها بقوائم من الحديد والخشب مؤقتاً، وعقب الانتهاء من إعداد الدراسات الخاصة بالأبعاد الهندسية للمئذنة وطراز المسجد، تضررت المئذنة التي يعود إنشاؤها إلى عام 1036 هجرية، وتضرر المسجد بالكامل نتيجة الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد في عام 1992، وقررت "الآثار المصرية" وقتذاك وقف الزيارات إلى المبنى الأثري، قبل عودة الحياة إليه أخيراً.

إحياء تاريخ القاهرة

من جانبه، قال مساعد وزير الآثار المصري للشؤون الفنية، مصطفى أمين، إن "عملية ترميم المسجد ومئذنته لها أهمية كبيرة لإحياء تاريخ القاهرة المملوكية، التي تشمل العديد من المساجد والوكالات والمنازل الأثرية"، مؤكدا في تصريحات له حرص وزارة الآثار على إتمام مشروع تطوير وترميم القاهرة التاريخية، وإتمام مشاريع الترميم تحت إشراف فنيين ومختصين في مجال الآثار والإدارة الهندسية.

وأشار أمين إلى أن عملية ترميم المئذنة بدأت بفك كرسي المصحف ثم المئذنة، ثم بدأت أعمال الترميم، قبل إعادة الأحجار كما كانت مرة أخرى.

وبحسب رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة الآثار، جمال مصطفى، فإن عملية ترميم المسجد كانت مهمة للغاية، خاصة عملية إعادة المئذنة إلى وضعها الأول، حيث حدث ميل كبير للمئذنة، مما استوجب التدخل السريع لإعادتها إلى وضعها الإنشائي الصحيح، وهو ما تم بالفعل.

وتمت عملية فك أحجار المئذنة والكرسي الخاص بها عقب الانتهاء من الإجراءات الخاصة بالتوثيق للأحجار وتصنيفها، وتمت إعادتها بعد أعمال الترميم والتدعيم للوجهة الرئيسية للمسجد، ويُعد الصحن الداخلي للمسجد والمنبر وكرسي المصحف أهم الأجزاء التي أعيد ترميمها.