كيف بالإمكان إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات؟

نشر في 10-05-2019
آخر تحديث 10-05-2019 | 00:02
برنامج الصواريخ الإيراني
برنامج الصواريخ الإيراني
على الرغم من الحملة الأميركية الصارمة لتشديد العقوبات على طهران، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي شدّد باستمرار على ضرورة اتباع سياسة "المقاومة"، التي ترتكز على التحايل بشكل مبتكر على القيود الاقتصادية المؤلمة، وتطوير برنامج الصواريخ الإيراني، والحفاظ على سياسة النظام الإقليمية المتسمة بالتحدي.
في 10 أبريل، حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من أنّ «الرئيس ترامب سيواصل زيادة الضغط على جمهورية إيران الإسلامية لكي تُغيّر سلوكها»، وعلى الرغم من الحملة الأميركية الصارمة لتشديد العقوبات، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي شدّد باستمرار على ضرورة اتباع سياسة «المقاومة»، التي ترتكز على التحايل بشكل مبتكر على القيود الاقتصادية المؤلمة، وتطوير برنامج الصواريخ الإيراني، والحفاظ على سياسة النظام الإقليمية المتسمة بالتحدي. وكان أحدث دليل على هذا الموقف هو قراره المتعلق بتعيين الجنرال حسين سلامي قائداً أعلى لقوات «الحرس الثوري الإسلامي»، بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس ترامب أنّ واشنطن قد صنّفت «الحرس الثوري» منظمة إرهابية أجنبية. وبالمقارنة مع سلفه المخلوع، يُعتبر سلامي أقرب أيديولوجياً من خامنئي وأكثر تشدداً في آرائه.

وبطبيعة الحال، تثير هذه الخطوات تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه سياسة «المقاومة» الخاصة بخامنئي، وما الذي يمكن أنّ يرغمه على «تغيير سلوك إيران». وعلى وجه التحديد، هل توجد أي ظروف يكون فيها النظام على استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات ومناقشة القضايا النووية، وبرنامج الصواريخ، والسياسة الإقليمية؟

أولويات خامنئي

يريد خامنئي، البالغ من العمر 80 عاماً، أن يترك إرثاً لضمان بقاء النظام لفترة طويلة بعد رحيله. وما يقف في طريق هذا الهدف هو اعتقاده الراسخ بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لتغيير النظام نفسه، لا سلوكه فحسب، وهي قناعة تشكّلت على مدى سنوات عديدة واستمرت، على الرغم من التغييرات في القيادة والسياسة الأميركية. ففي رأيه، إنّ مثلّث إيران المتشكّل من تكنولوجيا القذائف المتقدمة، والبرنامج النووي ذو الإمكانات العسكرية، والقدرات الحربية غير المتناظرة، يعمل كجدار حماية ضد أي عدوان محتمل، مهما كان نوعه. وبعبارة أخرى، يبدو أنّ خامنئي يعتقد أنّ أكبر تهديد وجودي للنظام هو حدوث مواجهة عسكرية مباشرة مع قواتٍ يقودها الغرب على الأراضي الإيرانية. وهذا ما يفسّر السجل الحافل لخطاباته المعادية التي يقاطعها بين الحين والآخر الحذر المدروس في اللحظات الحسّاسة.

أمّا الأولوية الثانية بالنسبة لخامنئي فتتمثّل في تمهيد الطريق أمام انتقال سلس للقيادة، عندما يخرج من السلطة، مع احتفاظ المتشددين بمكانتهم المهيمنة وتجنيب النظام أي تحول أيديولوجي. إن جهود طهران لتحقيق هذه الغاية معقدة جداً، بل مبهمة في بعض الأحيان، ولكن يمكن للمرء أن يميّزها في اتجاهاتٍ؛ مثل قيام خامنئي بتعيين المتشددين الشباب نسبياً والواثقين من أنفسهم في مناصب حساسة في الهيئات القضائية وضريح الإمام رضا.

ومن الأمور الدالة أيضاً، جهوده الحثيثة الرامية لجعل «الحرس الثوري» الإيراني مؤسسة لا غنى عنها، من خلال إشراكها في مجموعة واسعة من الأنشطة الوطنية الحيوية، بدءاً من الحفاظ على أمن البلاد ضد الأعداء الأجانب والمحليين، ومروراً بمنافسة السلطة التنفيذية على المؤسسات الاقتصادية والتعافي من الكوارث الطبيعية، ووصولاً إلى قيادة «الحرب الناعمة» للنظام، من خلال التحكم في وسائل الإعلام والتلاعب بشكل متقدّم بالفضاء الإلكتروني.

ويمكن أن تصبح العقوبات معياراً حيوياً في أي عملية انتقالية من هذا القبيل، سواء من خلال إعاقة قدرة النخب على تحقيق التوافق واتخاذ القرارات بكفاءة بشأن المسائل الحاسمة، أو عن طريق إرساء أرض خصبة للفوضى الاجتماعية، إذا أصبح انعدام الرضا عن الاقتصاد العام خارج حدود السيطرة، في ظلّ غياب القوة المركّزة لخامنئي. وبدورها، يمكن أن تؤدي عملية انتقالية محفوفة بالمشاكل إلى تحفيز حدوث تحوّل في النظام على يد الخصوم المتشددين أو القوى الديمقراطية، على افتراض عدم انهيار النظام السياسي بالكامل.

وفي الواقع، تتوافق هذه السيناريوهات بصورة أكثر مع خوف خامنئي الأعظم المتمثل بوصول الجمهورية الإسلامية إلى نهايتها؛ لا من خلال التغيير المفاجئ للنظام، بل من خلال التأثير الثقافي الغربي التدريجي. وقد دفعه هذا الخوف إلى اتخاذ إجراءات منهجية وعدوانية ضد «الغزو» الخارجي للساحة الثقافية والاجتماعية. وتنبع معاداة خامنئي للولايات المتحدة من نظرته للعالم، حيث يرى أنّ الإسلام هو الحل النهائي لجميع مشاكل العالم، وأنّ العلوم الإنسانية لا تعمل سوى على إضعاف هذه الإيديولوجية، وأنّ التقدم العلمي/التكنولوجي هو أفضل وسيلة لتوسيع سلطة النظام بشكل دائم. ووفقاً له، فإنّ تبني أساليب الحياة الغربية من شأنه أن يدمّر دوافع الجيل الشاب للتضحية بحياتهم من أجل الإسلام الذي يروّج له. فعلى حد تعبيره، وخلال خطاب ألقاه في 24 أبريل أمام مجموعة من العمّال، قال: «نحن نسعى لرفاهية المجتمع، والتقدم العلمي، والنمو المادي، والتطور التكنولوجي، ولكننا أيضاً نسعى وراء روحانية المجتمع وكرامته ومصلحته وتقدمه الأخلاقي».

خامنئي لا يثق بـ «تغيير السلوك»

يبدو أن المرشد الأعلى يعتقد أنه لا يوجد فرق كبير بين «تغيير النظام» و»تغيير السلوك»، الذي تطالب به إدارة ترامب باستمرار. ففي نظره أنّ تغيير النظام هو النوايا المفتوحة أو الخفية وراء كل خطوة تقوم بها واشنطن، لذا فإن أي مفاوضات بشأن القضايا الإقليمية أو التحكم في الصواريخ ستعود حتماً إلى ممارسة الضغوط على الشؤون الداخلية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. كما يبدو أنّه مندهش من توقّعات الغرب بأن على إيران أن تتحوّل إلى ديمقراطية ليبرالية، ليس لأن ذلك سيكون بمثابة تغيير النظام فحسب، بل لأنه يبدو أيضاً وكأنه معيار مزدوج بالنظر إلى رغبة واشنطن في العمل عن قرب مع دول إقليمية أخرى غير ديمقراطية مثل المملكة العربية السعودية.

أمّا بالنسبة لتطوير الصواريخ والتدخل الإقليمي وقضايا أمنية أخرى، فمن المحتمل أنّ خامنئي يرى أنّ المطالب الأميركية على تلك الجبهات تهدف إلى حرمان إيران من أي دور يُذكر في الشرق الأوسط. وبدوره، فإن هذا السيناريو قد يجعل النظام أكثر عرضة للتحركات التي قد تتخذها القوى الإقليمية كالسعودية وتركيا ومنافسون آخرون.

مخاطر الانتظار

على الرغم من أن النظام الإيراني ليس حكماً دكتاتورياً كلاسيكياً تتركز فيه السلطة بالكامل في يد شخص واحد، غير أنّ خامنئي لديه الكلمة الأخيرة إلى حد كبير فيما يخص القضايا الرئيسية المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية، لا سيّما بالنظر إلى دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة. فمن أجل تعزيز سلطته على مر السنين، أنشأ مؤسسات موازية لا تعد ولا تحصى تخضع للمساءلة أمامه فقط. ونتيجة لذلك، لن تنتقل قيادته «العليا» تلقائياً إلى خليفته من دون قدر من الأزمات الداخلية والمنافسة. والأمر نفسه ينطبق على قوة «الحرس الثوري» الإيراني التي لا تضاهى كهيئة عسكرية ومجمع اقتصادي ثقافي سياسي.

وبالنظر إلى هذه الشكوك التي لا مفر منها، فإن أفضل وقت لمعالجة المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة مع إيران بفعالية هو أثناء استمرار وجود القيادة الحالية. فليس هناك ما يضمن أن إيران ما بعد خامنئي ستكون طرفاً أكثر معقولية ومرونة للتفاوض مع الغرب، فرحيله لن يؤدي إلى تعيين خليفة ذي سلطة آمرة يتمتع على الفور بسيطرة مماثلة على القوات المسلحة للنظام، وجهاز المخابرات، ووسائل الإعلام، والقضاء والإمبراطورية المالية الواسعة؛ فقد تستمر هذه المرحلة الانتقالية غير المستقرة لفترة طويلة، وقد لا تتمكن خلالها النخب من التوصل إلى توافق في الآراء فيما يتعلق بالقضايا الخطيرة، كما يمكن أن يميل «الحرس الثوري» إلى اتخاذ المزيد من الخطوات العدوانية في الخارج من أجل تعزيز السيطرة في الداخل.

الشروط المحتملة لاستئناف المفاوضات

في ضوء الصعوبات الاقتصادية والعزلة الدولية التي تعانيها إيران، يبدو أن بعض النخب المتشددة على الأقل مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، لاسيّما إذا فاز الرئيس ترامب بولاية ثانية، فقد تعتقد أنه سيتّبع النهج نفسه الذي اتبعه مع كوريا الشمالية -أي زيادة الضغط على النظام لإجباره على التفاوض- ولكن بدلاً من الإصرار على حل جميع الخلافات دفعة واحدة، ما عليه سوى البدء في المفاوضات وتركها مفتوحة، والتعامل مع طهران خطوة تلو الأخرى، على أساس التراضي والاستعداد للتنازل.

واستناداً إلى التجربة الماضية فيما يتعلق بنطاق المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة ومحتواها، يبدو أن خامنئي يعتقد أن أي فريق تفاوض في المستقبل قد يعكس تشديد إدارة ترامب على مناقشة مجموعة واسعة من المطالب في الوقت نفسه.

وإذا استمر هذا التصور- أي أن مطالب الولايات المتحدة شاملة أو جذرية جداً، أو تفضي إلى تغيير النظام، أو تهدد القوة المهيمنة للمتشددين- فمن غير المرجّح أن تُجرى أي مفاوضات. وعوضاً عن ذلك، إذا تمكنت الإدارة الأميركية من إقناع القادة الإيرانيين بأن مكاسبهم وخسائرهم ستكون متناسبة إلى حد ما، فقد يصبحون على استعداد لإعداد قائمة بمجالات التنازل المحتملة والموافقة على بدء مفاوضات أولية.

'مهدي خلجي'

لدى خامنئي اعتقاد راسخ بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى تغيير النظام نفسه لا سلوكه فحسب

إذا تمكنت الإدارة الأميركية من إقناع الإيرانيين بأن مكاسبهم وخسائرهم ستكون متناسبة إلى حد ما فقد يصبحون على استعداد لإعداد قائمة بمجالات التنازل المحتملة
back to top