مع الغليان العالمي السياسي، الذي يسود الآن، حدث اللقاء بين موسكو وبكين في الأفكار والمصالح. وفي العام الماضي اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ خمس مرات، وفي العام الماضي أيضا أجرت روسيا والصين أضخم المناورات العسكرية لهما خلال عقود من الزمن.وزادت مستويات التجارة بين البلدين في سنة 2018 بأكثر من 30 في المئة، ومن المتوقع أن ترتفع بصورة أكبر وأسرع في الفترة المقبلة، ويبدو أنهما في تعاون عندما يتعلق الأمر بالوضع في سورية وفنزويلا.
وثمة سمات تجمع بين موسكو وبكين، فهما تحكمان بطريقة مطلقة من دون احترام لحقوق الإنسان، وتستخدمان الحرية لغزو الدول المجاورة، كما تتشاطران أيضا مصلحة رئيسية في تحجيم نفوذ الغرب بالعالم. ورغم ذلك كله، وما يشتمل عليه من تعاون متعدد، فإن قائمة نقاط النزاع المحتمل طويلة بين البلدين، ورغم الجهود الناجحة التي امتدت لأكثر من عقد من الزمن لتخفيف النزاعات الأمنية بين موسكو وبكين فإن طموحات الصين العالمية المتزايدة تصدم مع مصالح روسيا. وكبداية تعتبر روسيا المنطقة القطبية الشمالية باحتها الأمامية، وفي العام الماضي أعلنت الصين سياستها الرسمية المتعلقة بتلك المنطقة، والهادفة إلى تحسين طموحات بكين في تلك المنطقة، ومثيرة مخاوف موسكو من احتمال قيام الصين بالسيطرة على المنطقة القطبية عن طريق خلق «طريق حرير قطبي».
مصالح موسكو
وعلى الرغم من الجهود الرامية إلى تخفيف النزاعات الأمنية المحتملة بين الصين وروسيا فإن طموحات الصين العالمية المتزايدة تصدم مع مصالح موسكو.وتتجاوز مبادرة الصين، المعروفة باسم الحزام والطريق، دول ما بعد العهد السوفياتي في باحة روسيا الخلفية. وفيما تعمل الصين على السطح لتحقيق تعاون اقتصادي مع روسيا فإنها لن تستثمر المليارات من الدولارات دون التأكد من أن تلك الاستثمارات محمية.ونتيجة لذلك فإن نفوذ الصين في آسيا الوسطى يزداد بسرعة واضحة. وفي الأجل الطويل فإن من الواضح أن ميزان القوى سيميل لمصلحة الصين في آسيا الوسطى. ويشكل هذا تغيرا كبيرا بالنسبة الى روسيا.وكانت الصين حريصة على عدم تجاوز اهتمامات الأمن الروسية في آسيا الوسطى. ولكنها في الوقت ذاته كانت تقوي دورها في مبادرات مكافحة الارهاب في دول آسيا الوسطى وتقوي وجودها في دول مثل طاجيكستان.ومع زيادة تأسيس مبادرة الحزام والطريق سيصبح ذلك متعارضاً مع مصالح روسيا في الاتحاد الاقتصادي الروسي الأوراسي. وخلال العامين الماضيين أصبحت الدول الأوروبية قلقة نتيجة عواقب الاستثمارات الصينية، وعلى سبيل المثال فإن رأس المال الصيني في الوقت الراهن يشكل 45 في المئة من اجمالي الاستثمارات في ثاني أكبر مدينة اقليمية في الشرق الأقصى الروسي وهي خباروفسك. وفي غضون ذلك عملت الاستثمارات الصينية على تغيير فلاديفستوك وهي عاصمة الشرق الأقصى الروسية.لماذا لا تتصرف روسيا رداً على التوسع الصيني؟على الرغم من الأخطار المتعددة فإن السؤال الذي يطرح هو لماذا اختارت موسكو العمل في تحالف وثيق مع الصين في الكثير من الميادين؟ كبداية نستطيع القول إن موسكو تعتقد أنها لا تملك خيارات كثيرة وهي تشكل جزءاً بسيطاً فقط من حجم الصين على الصعيد الاقتصادي وعدد سكانها لا يتجاوز 10 في المئة من عدد سكان الصين – وبالنسبة الى الوضع العسكري لا تتخلف روسيا كثيراً عن القوة الصينية.وعلى الرغم من ذلك تستطيع روسيا تحمل مواجهة عسكرية مع الصين على طول حدودها الطويلة البرية، في ضوء كون ميزانيتها الحربية التي تشكل نسبة الثلث من ميزانية بكين. وتعلم روسيا أيضاً أن الصين تستطيع رفع قدراتها العسكرية بسرعة اذا دعت الضرورة من الناحيتين البشرية والتسليحية بسبب مواردها الاقتصادية الواسعة.النفس الطويل
واضافة الى ذلك وعلى الرغم من ميزة روسيا النووية فهي لا تستطيع تهديد الصين كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع دولة أوروبية لأن وسائل الاعلام الصينية خاضعة لرقابة الدولة. ولكن السبب الرئيسي وراء أسلوب روسيا هو أنه فيما تركز ادارة بوتين على البقاء خلال السنوات المقبلة فإن بكين وعلى العكس من ذلك تمارس لعبة النفس الطويل. ويهدف بوتين الى ضمان مستقبله القريب وفي هذا السياق فهو يعتبر أن التعاون مع الصين مفيد بالنسبة اليه.والاحتمال هو أن بوتين يستطيع الحفاظ على قبضة السلطة في روسيا الى حد كبير جدا. ولكن رغم ذلك فإن الوضع الاقتصادي في روسيا يزداد سوءا، وبدأ التذمر من الوضع الاقتصادي يظهر علانية. ونتيجة لذلك فإن صعوبات برزت في وجه الكرملين من أجل الحفاظ على الوضع الراهن والسيطرة على عدة أقاليم مختلفة كما أن الانتخابات أصبحت أكثر صعوبة مع تراخي قبضة بوتين على العامة.وفي غضون ذلك أعلن بوتين حربا ضد الغرب وقيمه. والثورة الملونة في الدول المجاورة لروسيا قد فسرت من جانب بوتين على أنها تقدم لقيم الغرب إضافة الى تهديد شخصي مباشر. وقد تصبح الصين مصدر تهديد لروسيا في مرحلة ما، ولكن ليس على الفور وليس في عهد بوتين نفسه.ومما لا شك فيه أن بوتين يفهم الأخطار الطويلة الأجل لازدياد نفوذ بكين على روسيا، ولكن بالنسبة الى بوتين خلال فترة 20 سنة أو 30 سنة تبدو الأمور أقل أهمية. وعلى العكس من ذلك فإن الصين تعلم أن روسيا قوة تتراجع بسرعة، وهي مستعدة للانتظار حتى تنهار موسكو أو أن تصعد بكين، ومما لا شك فيه أن موسكو ستستيقظ من سباتها مع الصين عند مرحلة ما وعندئذ سيكون الوقت قد تأخر كثيرا.'' تومي هيوثانن''