د. وايسنبورن وعصر الطباعة
لقد أخذني العنوان أعلاه إلى شيء من الذاكرة، عندما كنت طالبا بالجامعة الأميركية في السنة الثالثة، إذ قمت بتسجيل إحدى المواد الدراسية الإجبارية لطلبة تخصص الإعلام، فكان أحد الأستاذة الأميركيين في السبعين من عمره هو من يعطي تلك المادة التي تختص بصياغة الأخبار والتقارير الصحافية باللغة الإنكليزية، فقد خاطب الدكتور طلبته في أول محاضرة "أنتم الشباب تعيشون عصر الإلكترونيات، ونحن الجيل القديم عشنا عصر الطباعة"، فسأله أحد الطلاب: ما الفرق؟ هل نحن الشباب أقل ذكاء منكم؟! نحن الجيل الجديد واعٍ لأمور الحياة ولدينا السرعة التي تفوقكم بالحصول على الأخبار حتى قبل أن تبث على القنوات التلفزيونية!! أجابه الدكتور بجرأة "لقد ترسخت المعلومات التي قرأتها بالكتب عندما كنت طالبا أكثر منكم جميعا، فلو قمت الآن بسؤال بعضكم عن أي معلومة قد حصل عليها من شبكة الإنترنت أو التواصل الاجتماعي أو برامج الأجهزة الذكية، فلا شك أنه قد نسي بعضها، فقراءة أي معلومة مطبوعة بالورق قد ترسخ في ذهن قارئها لفترة أطول بكثير، وغالبا لا تنسى".
استمر الدكتور في حديثه قائلا "لقد أصبح الوصول إلى جميع مصادر المعلومات بالوقت الحاضر إلى الاستخدام الإلكتروني، فأيقن غالبية البشر أن الصحف اليومية والنشرات ستتوقف عن العمل بالطباعة والمراسلة، حيث ستخسر تلك الشركات مبيعاتها للصحف، وستصبح جميع وسائل الإعلام (أون لاين)، ولكن في الواقع مازال الناس يقرؤون الصحف المطبوعة بشكل يومي، فهي لم تتأثر ولم يتخلَّ قراؤها عنها بالرغم من تغلب وبروز التكنولوجيا". لقد بدأت صداقتي الفعلية مع الدكتور Ray Wiesenborn بعدما اجتزت تلك المادة الدراسية المقررة، وقمت بزيارته عدة مرات بعد التخرج، فكان الدكتور أحد أعضاء هيئة التدريس الذي يكن له الجميع الاحترام والتقدير، بالإضافة أن لدى الدكتور وايسنبورن عدة كتب ومقالات بالمجال الإعلامي والعلاقات العامة والتسويق، ألفها خلال مسيرته العلمية، وهو من الأساتذة المرموقين الذين تشرفت بهم جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا. لقد قدم الدكتور استقالته من الجامعة، حيث حصل على عرض وظيفي رائع كأستاذ جامعي بإحدى الجامعات الألمانية، وخسرت الجامعة أحد أبرز أساتذتها، فلا أعتقد والكثير من الطلاب الذين عرفوا الدكتور وايسنبورن أنه سيعوض بآخر.