تنوعت أدوار شويكار في السينما خلال فترة السبعينيات والثمانينات، وجسَّدت شخصية المرأة الأرستقراطية والشعبية، وارتكزت على خبراتها الحياتية كابنة لعائلة ثرية من أصول تركية، عاشت فترة من صباها بين الريف والإسكندرية والقاهرة، والتقاطها لإيماءات وطريقة كل شخصية في التعبير عن ذاتها، ومن هنا أقنعت المشاهد بمصداقية أدائها لنماذج مختلفة من نساء المجتمع المصري.

وعبر سنوات التألق، تناغمت إطلالتها مع بريق الجمال والأناقة، واهتمت بتحضير الملابس والأكسسوارات لأدوارها في السينما والمسرح، وصار لديها «أتيلييه» كامل من الأثواب المختلفة، ولكل ثوب ذكرياته، ويثير في داخلها الحنين إلى أصداء الأيام الفائتة، ورحلة العمر التي مرت كشريط سينمائي يروي قصة فتاة جميلة عشقت التمثيل، ومرت في حياتها بلحظات قاسية، وقادتها المصادفة إلى احتراف الفن، لتبدأ رحلة الصعود إلى الأضواء والشهرة.

Ad

في عام 1978، شاركت شويكار في بطولة فيلم «المرأة هي المرأة» للمخرج هنري بركات، وأدّت دور{الممثلة زيزي» أمام حسين فهمي (كمال) وسهير رمزي (رشا) ومحمد عوض (حسن)، ودارت أحداثه في إطار كوميدي، حول رجل أعمال ناجح تربطه علاقة وثيقة بممثلة مشهورة، وفي رحلة عمل إلى بيروت، يلتقي بفتاة مصرية ويتطور اللقاء العابر بينهما إلى الزواج، ويعود إلى القاهرة لتبدأ سلسلة من المفارقات بين ارتباطه بزوجته وقطع علاقته بالممثلة.

لم يكن دور «زيزي» من الأدوار الفارقة في مسيرة شويكار، لكنه عودة إلى أفلام هنري بركات أحد عمالقة الإخراج السينمائي، وكان لقاؤهما الأول في «أمير الدهاء» 1964، عندما رشحها لدور «ياسمينا» أمام فريد شوقي، وبعد 12 عاماً ظهرت من جديد في «المرأة هي المرأة» ليكمل المخرج التراجيدي مغامراته الكوميدية، بعد نجاح فيلمه «إخواته البنات» 1976، بطولة محمد عوض وناهد شريف.

الإخوة الغرباء

عادت شويكار إلى أدوار الأمومة في فيلم «الأخوة الغرباء» 1980 للمخرج حسن الصيفي، وأدّت دور الزوجة الثانية «ليلى» التي يتزوجها عبد الودود (فريد شوقي) وتنجب له ولداً، بعدما طلق زوجته الأولى عزيزة (زهرة العلا) التي تتزوج وتنجب ولداً، ويلتقي الشقيقان في الجامعة وتتفجر الخلافات بينهما، وتتتابع الأحداث في إطار ميلودرامي.

اعتبرت النجمة الجميلة أن التقدم في العمر أمر طبيعي، ولم يكن مقنعاً أن تؤدي دور الفتاة الصغيرة، فلن يصدقها الجمهور، وتوقفت لمدة عامين لإعادة حساباتها، والتأهب النفسي لمرحلة جديدة في مشوارها الفني. دفعها ذلك إلى قبول دور الأم في «الإخوة الغرباء» 1980، وفي العام نفسه شاركت في «خلف أسوار الجامعة» للمخرج نجدي حافظ وبطولة كل من سعيد صالح ويونس شلبي وصلاح السعدني. جسدت دور صاحبة منزل «نبوية»، الذي حمل أصداءً من دور «شفاعات» للفنانة تحية كاريوكا في فيلم «شباب امرأة» 1956 للمخرج صلاح أبوسيف، وبطولة شكري سرحان وشادية وعبدالوارث عسر.

وفي عام 1982، تسارع إيقاع نشاطها الفني، والتقت في فيلم «الذئاب» كلاً من نور الشريف وبوسي وفاروق الفيشاوي وفريد شوقي والمخرج عادل صادق، وفي «الخبز المر» تعاونت مع شريهان ومحمود عبدالعزيز والمخرج أشرف فهمي، وفي «العربجي» ظهرت مع محمود ياسين إلى جانب معالي زايد وبالتعاون مع المخرج أحمد فؤاد. ويعد هذا الشريط السينمائي نقلة نوعية في أدوارها من خلال شخصية فكيهة زوجة سائق عربة الكارو الفقير، الذي تهبط عليه ثروة بعد أن يبتاع ورقة يناصيب، ويكسب ألف جنيه، ويتحوّل إلى شخص ثري...

الانفصال الأخير

توقفت عقارب الساعة في عام 1983 لتعلن انتهاء قصة حب أشهر ثنائي في الوسط الفني، وبهدوء شديد انفصلت شويكار عن زوجـــهــا فــــؤاد المهنـــدس، ومـــا زالت أسباب ذلك غامضة، إذ لم تقدم «الليدي» إجابات شافية للمقربين إليها، وظل السؤال مطروحاً في لقاءاتها الصحافية، لتؤكد أن الطلاق أصعب قرار في حياة أي زوجين، ولا امرأة واحدة مهما تحجّرت أحاسيسها لم تزلزلها كلمة «أنت طالق» وتعني لها مصيراً مجهولاً.

وتكرر المشهد الذي عايشته قبل سنوات، عندما مرت والدتها بتلك اللحظة الرهيبة، وانفصلت عن زوجها إبراهيم طوب صقال، وحينها قالت الأم لابنتها: بعد والدك بمن أتزوج؟ وجاء الطلاق الثالث بين شويكار والمهندس ليعلن بداية مرحلة جديدة في حياتهما، ورغم انفصالهما كزوجين، ظل التعاون الفني قائماً بينهما، وامتدت صداقتهما حتى وفاة نجم الكوميديا في 16 سبتمبر 2006.

لم يكن سهلاً أن تترك شويكار شريك حياتها ونجاحها الفني، فقد كان حبها الحقيقي وأستاذها في الفن والحياة، وعلمها أن احترام الفنان فنه هو احترام لذاته، وأن العمل مسؤولية وشرف وصدق واجتهاد، وأوضح لها كيف يلتزم الإنسان في سلوكه، ويتعامل مع الآخرين بقدر من الاتزان والتواضع. وخلال رحلة ارتباطهما، صار عوناً لها ولابنتها ولأسرتها، وتميز بالكرم والنبل الشديد. وبعد انفصالهما رفض الحديث عن أسباب الطلاق، وظل الأمر غامضاً، حتى لكل من ابنتها منة الله، وولديه محمد وأحمد، ما ضاعف من توطيد العلاقة بينهما، ولقائهما في كثير من المناسبات الأسرية.

وإذا كان انفصال الأزواج في الوسط الفني، يثير اهتمام كثير من الناس، فقد ظل السؤال يطارد شويكار بين حين وآخر، وكانت «الليدي» في لقاءاتها الصحافية تجيب بلباقة من دون أن تفصح عن أي أمر، ويطن في أذنيها «بعد زواجكما الناجح كيف وقع الانفصال؟» فتقول: «تزوجت من فؤاد قرابة العشرين عاماً، وهذا طبيعي للحب الشديد بيننا، وحالة التناغم على خشبة المسرح، ودائماً كانت مواقفه معي تتسم بالرقي والنبل، وكان كل منا يشعر بأنه لا يستطيع الاستغناء عن الآخر، ولم يكن أنانياً أو يسعى إلى الاستحواذ على الأضواء والاهتمام الجماهيري لنفسه، واستمر زواجنا أعواماً طويلة، حتى وصلنا إلى مرحلة أصبحت عملية استمرارنا كزوجين شبه مستحيلة، وهي حالة عادية تصيب كثيراً من الأزواج، ربما تكون العلاقة الزوجية بينهما تجاوزت فترة زواجي أنا والمهندس، ولكننا في النهاية انفصلنا باحترام واتفقنا على استمرار الصداقة، وقدمنا أكثر من عرض مسرحي بعد انفصالنا».

شريط الذكريات

هدأت عاصفة الانفصال المفاجئ، وبقيت الذكريات تلاحق «الليدي» وتبدأ قبل ارتباطها بالأستاذ ودخولها إلى الوسط الفني عام 1960، ولقائهما الأول عام 1963، ورفض أسرتها ارتباطها من الوسط الفني، ثم ظهورهما على الشاشة في فيلم «هارب من الزواج» الذي تنتهي أحداثه بارتدائها ثوب الزفاف، ويتحوّل التمثيل إلى حقيقة، وتخفي زواجها من المهندس عن أسرتها، وتختفي معه ثلاثة أيام، ويصبح زواجهما أمراً واقعاً، وتتسارع الأحداث داخل كواليس المسرح، وتمضي نحو لحظات فارقة في أجمل أيام عمرها، لتفيق على كلمة النهاية التي كتبتها مع شريك حياتها ورحلتها مع الأضواء والشهرة!

اعترفت «الليدي» أن انفصالها عن «الأستاذ» وقع لسببٍ تافه من وجهة نظرها، ولكنه الطلاق الثالث والأخير، ولا يمكن الرجوع فيه، من دون أن تتزوج من رجل آخر، وبدا هذا الأمر مستحيلاً، فقد عاشت مع المهندس نحو 20 عاماً، وشعرت بأنه في لحظة تغير، ولا تريد أن تفقده كأول حب في حياتها، وارتضت أن تفترق عنه، وهي تحتفظ بالمشاعر نفسها والتقدير لشخصه، فيظل أستاذها وصديقها حتى آخر العمر. وبقيت علاقتها به جيدة، ولا يمكن أن يذكر أحد اسم شويكار من دون المهندس، فقد سطرا معاً تاريخاً من الإبداع والتألق، وتركا بصمة متفردة في تاريخ المسرح الكوميدي المصري.

الزيارة انتهت

كانت مسرحية «وأيضاً هالو دوللي» التي قدمتها شويكار مع نجوم المسرح الكويتي عام 1974، أول بطولة مسرحية لها من دون فؤاد المهندس، وجاءت المرة الثانية في «الزيارة انتهت» 1984 المأخوذة عن رائعة الكاتب السويسري فريدريش دورينمات «زيارة السيدة العجوز». أعدّها كل من بهجت قمر وسمير خفاجي، وأخرجها سمير العصفوري، وشارك في البطولة النجم محمود ياسين إلى جانب عبدالله فرغلي ومحمود شكوكو وفاروق نجيب وأحمد راتب.

وفي ليلة العرض الأول للمسرحية، أرسل فؤاد المهندس باقة ورد إلى نجوم «الزيارة انتهت» وهنأ شويكار على أدائها شخصية السيدة التي عادت إلى بلدتها بعد أعوام طويلة لتنتقم ممن ظلمها، ودفعها إلى رحلة الشقاء في بلاد غريبة، وحققت خلالها ثروة طائلة، ويستقبلها أهل القرية بحفاوة شديدة، وتغدق عليهم المال حتى تنزع القناع عن وجههم الحقيقي، وأطماعهم في ثروتها.

حققت «الزيارة انتهت» نجاحاً كبيراً، وتألقت شويكار مع محمود ياسين كفنان له تاريخ متميز في التمثيل المسرحي، وعادت «سيدتي الجميلة» إلى المسرح أكثر نضجاً، واستعادت حضورها المبهج على خشبته، لتثبت أن عشقها للمسرح لن ينتهي ما دامت قادرة على الحركة، ومهما جذبتها السينما بعيداً عن شاطئه، ستعود إليه مُجدداً، وتلتقي على ضفافه بجمهورها الذي يثمِّن إبداعها الراقي على مدى 20 عاماً، ويتفاعل مع أدائها كأول نجمة كوميدية تجمع بين الجمال وخفة الظل والموهبة المتفردة.

اليوم السادس

تراجع مؤشر الأدوار الفارقة، وسجلت شويكار حضوراً أكثر في أفلام متوسطة المستوى، وطغت الاحترافية على الانتقاء كأنها تمثل لمجرد الوجود على الشاشة، فهل كانت مصادفة أن تجسِّد أهم أدوارها التراجيدية مع المخرجين الكبار صلاح أبوسيف وكمال الشيخ وحسام الدين مصطفى ونيازي مصطفى وحلمي رفلة وعلي بدرخان، أم أن ثمة أسباباً أخرى لا تتحمل النجمة الجميلة مسؤوليتها وحدها، وبعضها يتعلق بطبيعة الإنتاج السينمائي، ورغبة منتجين في تحقيق الربح دون القيمة الفنية للعمل، من ثم أصبحت الممثلة الموهوبة إزاء مأزق الانسحاب من الوسط الفني، أو قبول هذه الأعمال كي لا ينساها الجمهور.

في غمار هذا الصراع بين الحضور والانسحاب، جاء سيناريو «سعد اليتيم» 1985 للسيناريست عبدالحي أديب، لتلتقي شويكار بالمخرج أشرف فهمي، وتقوم بدور «حسنة» مع كوكبة من النجوم من بينهم فريد شوقي ومحمود مرسي وأحمد زكي وكريمة مختار وتوفيق الدقن وأحمد بدير. يُعد هذا الشريط السينمائي أحد أفضل أعمالها خلال فترة الثمانينات. أحداثه مستوحاة من مسرحية «هاملت» للكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير، تدور في عصر الفتوات خلال أربعينات القرن الماضي، حول حكاية سعد اليتيم (أحمد زكي) الذي قتل والده بيد عمه، وتتعهد بتربيته كرامات (كريمة مختار) ويبحث الفتى عن قاتل أبيه.

في العام التالي، عرض عليها المخرج يوسف شاهين الظهور كضيفة شرف في فيلمه «اليوم السادس» 1986، وأدّت شويكار دوراً مؤثراً في سياق الأحداث الدرامية، والتقت كلاً من داليدا ومحسن محي الدين وحمدي أحمد وصلاح السعدني وسناء يونس، ولكنها لم تكرر التجربة مع شاهين في أفلامه اللاحقة.

عادت شويكار في العام نفسه إلى أدوار ابنة الحي الشعبي، وجسدت شخصية «المعلمة دنيا» في فيلم «رجل لهذا الزمان» تأليف وحيد حامد، وإخراج نادر جلال، وبطولة كل من عادل أدهم وسماح أنور وهشام سليم وسعيد عبدالغني وحسين الشربيني. دارت قصته حول قاض يتولى قضية أحد المتهمين، وقبل أن ينطق الحكم تتعرض ابنته للاختطاف، وتصبح رهينة مقابل أن يحكم ببراءة المتهم، ولكنه يصدر حكمه بمعاقبته بالسجن المؤبد، وتتوالى الأحداث.

«روحية اتخطفت» أول لقاء مسرحي مع المهندس بعد الانفصال

قامت شويكار بزيارات خاطفة إلى المسرح، إثر تعرضها للإجهاد أثناء عرض مسرحية «سيدتي الجميلة» 1969، وتباعد لقاؤها مع فؤاد المهندس وخرجت من تجربة «ليه ليه» 1976 بصدمة مباغتة، لتكتفي بحضورها الصوتي في «سك على بناتك» 1980، ويعود الثنائي للافتراق، ويبحثان عن نص جيد ليلتقيا على خشبة المسرح مجدداً. وجدا ضالتهما في «إنها حقاً عائلة محترمة» 1983 مع المؤلف بهجت قمر والمخرج سمير العصفوري، وشارك في البطولة كل من الفنانة الكبيرة أمينة رزق ومحمود الجندي وعبدالله فرغلي.

ورغم النجاح الذي حققته المسرحية، حدث الانفصال بين شويكار والمهندس كزوجين، ما جعل النجمة تفكر في إثبات وجودها من دون رفيق مشوارها الفني، لا سيما أنها تملك موهبة متميزة وبلغت ذروة نضجها الفني. وبعد عام قامت ببطولة «الزيارة انتهت» مع محمود ياسين، وحققت نجاحاً كبيراً، لكن باقة الورد التي أرسلها المهندس في ليلة الافتتاح، أثارت في داخلها الحنين للوقوف معه مجدداً على خشبة المسرح، واستكمال رحلة الإبداع والتألق.

وبعد خمسة أعوام، استطاع المهندس أن يعيد «سيدتي الجميلة» في مسرحية «روحية اتخطفت» 1985 تأليف بسيوني عثمان، وإخراج عصام السيد، ودارت أحداثها في إطار كوميدي اجتماعي، وحققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، لا سيما أنها جمعت «الثنائي» على خشبة المسرح مجدداً.