خاص

إبراهيم درغوثي لـ الجريدة•: الإبداع يعيش في مناخ الحرية... وتقتله فتاوى المتأسلمين

نشر في 13-05-2019
آخر تحديث 13-05-2019 | 00:02
الروائي والقاص إبراهيم درغوثي
الروائي والقاص إبراهيم درغوثي
أكد الروائي والقاص إبراهيم درغوثي (64 عاماً) أن الإبداع يعيش في مناخ تسوده الحرية في حين تقتله فتاوى المتأسلمين.
وقال الأديب التونسي، الذي توقف عن الكتابة فترة بعد مصادرة الرقيب مجموعته القصصية «الخبز المر»، إنه عاد للكتابة مجدداً مع رواية «الدراويش يعودون إلى المنفى» التي فتحت شهيته للكتابة، وتحسس رقبته بعد صدور روايته "القيامة الآن"... تفاصيل أخرى في هذا الحوار الذي أجرته معه "الجريدة" في القاهرة.

● يتنوع إبداعك بين القصة والرواية وأدب الطفل... أي هذه الأنواع الأدبية أقرب إليك؟

- بالنسبة إلي الإبداع كله واحد، لكنه يتجزأ إلى أبواب يمكن للكاتب أن ينتج في بعضها ويفشل في الأخرى، ويمكن أن يتفوق في جميعها. أنا بدأت قاصاً في ثمانينيات القرن الماضي وأصدرت مجموعتين "النخل يموت واقفاً" و"الخبز المر"، ثم توقفت عن الكتابة بعدما صادرت الرقابة مجموعتي القصصية الثانية، ربما لطعم المرارة الذي أحسه الرقيب ضمن قصصها. وما عدت إلى الكتابة إلا بعدما نضجت روايتي الأولى في العقل وفي القلب أيضاً، فكانت "الدراويش يعودون إلى المنفى" الرواية التي صدرت في لندن عن دار "رياض الريس"، عام 1992، النص الذي فتح أمامي شهية الكتابة الروائية والقصصية أيضاً، فتواترت كتاباتي حتى صارت الآن إحدى عشرة رواية وعشر مجموعات قصصية.

أما الكتابة للأطفال فبادرت إليها منذ سنوات قليلة بقصتي "فيروز وعرائس البحر" التي فازت بالجائزة العربية الكبرى "مصطفى عزوز" عام 2016، عندما عرفت أن هذه الكتابة تحتاج إلى دم جديد، خاصة بالنسبة للأطفال اليافعين وقصص الخيال العلمي.

● توقفت محاولاتك في كتابة الشعر رغم جمالها... فهل ضللت طريقك إلى عالم القصيدة؟

- بدأت بكتابة الشعر وأنا تلميذ في الثانوي. كتبت نصوصاً شعرية تتغنى بالحب ويغلب عليها طابع المراهقة الوجدانية أولاً ثم طابع المراهقة السياسية ثانياً، ثم عرفت أن الشعر لن يقدر على تبليغ رسالتي في القول، فعدت إلى السرديات بدءاً بالرواية وانتهاء بالقصة القصيرة جداً، لأن لكل جنس إبداعي طاقات احتمال، وعرفت أنني لن أقدر على تبليغ رسالتي بواسطة الشعر فعدلت عن طريقه باتجاه السرديات عموماً.

● تمت مصادرة "الخبز المر" بعد شهر من صدورها... هل دفعك هذا للتراث بدلا من أشواك الواقع الاجتماعي؟

- الرقابة صادرت المجموعة، لأنني تناولت فيها موضوعاً حارقاً، تمثل في أحداث الخبز وما رافقها من تظاهر في الشارع وقمع بوليسي وحشي للمتظاهرين، واستشهاد المئات واعتقال الآلاف، فرأيت أن لا طاقة للرقابة في تقبل مثل هذه الأعمال الإبداعية التي تذهب مباشرة إلى إدانة هذه الأعمال الوحشية فاتجهت صوب التراث شخصيات وأحداثاً، أتخفى وراءها لأقول من خلالها ما لا أقدر على قوله مباشرة. ونجحت الفكرة لأنني بلغت رسالتي بسهولة ومرّرت ما كنت أرغب في تبليغه للقارئ.

● تم ترجمة بعض أعمالك إلى لغات أجنبية... فماذا أضافت إلى إبداعاتك الفنية؟

- الترجمة باب نطل منه على الآخر. وكلما انفتح في وجه أدبك واحد من هذه الأبواب ازداد هذا الأدب تألقاً، لأن الكتابة رسالة نريد من خلالها تبليغ هذا الآخر، الذي يكاد لا يعرف عنا شيئاً، أن الأدب العربي كبير ومختلف، وفي مقدوره تبليغ رسالة سلام ومحبة إلى العالمين، عكس ما يروج عنا من أننا لا نحسن سوى الإرهاب والقتل.

● حصدت جوائز عديدة... ما أهمها وما أكثر جائزة تعتز بها؟

- أجمل جوائزي جائزة القدس للقصة القصيرة التي حصلت عليها عام 2010 في أبوظبي، لأنها مرتبطة بمدينة القدس وبقضية عادلة المفروض على الضمير العالمي ألا ينام مطمئناً إلا إذا حصل أصحاب هذه القضية على حقهم كاملاً في حياة كريمة بين شعوب الأرض.

● هل لديك طقوس خاصة للكتابة في شهر رمضان؟

- أكتب دائماً في الليل قبل رمضان وبعده وأثناءه، عندما تهدأ الحركة ويخف ضجيج الحياة العامة لتبدأ حياتي الخاصة بين شخوصي الذين يعاشرونني زمن الكتابة وكأنهم من لحم ودم.

● تقطن بلدة صغيرة بجنوبي تونس... هل تحاول الاختباء من أضواء المدينة؟

- المدن تقتل الإبداع ولا تترك للكاتب فرصة كبيرة للكتابة. وبما أن وسائل التكنولوجيا الحديثة قربت المسافات بين الناس وحوَّلت الدنيا الوسيعة إلى فضاء واحد فلماذا أغادر بيتي الهادئ إلى صخب المدن وعنفها.

● التأسلم والعنف الديني والطائفي أصبحا واقعا نعيشه ونلمسه وينعكس على المجتمع العربي والعالمي... فكيف يؤثر ذلك على الحركة الإبداعية؟

- الجماعات المتأسلمة تنظر للدنيا بعين واحدة ولا تعترف بحرية المبدع وانفتاحه على آفاق التأويل، لأن أدبياتها الفكرية دوغمائية، فلا تقرأ إلا ما ظهر على سطح الكتابة المسطورة منذ عهد الأسلاف. وكل من خرج عليهم يعد مارقاً عن الملة ولا دين له، لذلك أفتوا بقتل مبدعين وطلقوا زوجات بعضهم وكمموا أفواه آخرين بسلطة دينية، الإبداع لا يعيش إلا في مناخ تسود فيه حرية الرأي والضمير ومتى سلطنا عليه الفتاوى قتلناه بدم بارد.

● السياسة تقتل الإبداع... والقرب من السلطة تهديد للمبدع... فهل تحسس درغوثي رقبته يوما ما؟!

- المحظورات كثيرة في مجتمعاتنا، ولكل واحد منها طريق تقود المبدع إلى الهلاك، فالسياسة تجعلك في عداء من رجال السلطة الذين سيتحينون لك فرصة الوقوع في الخطأ القاتل حتى يزجوا بك في غياهب السجن بعدما تحاكم بالمروق على قانون السلطة. والأخلاق تلقي بك في معمعة عداء المجتمع متى تجاوزت حدك في القول وخرجت على أعراف القبيلة. أما الدين فصار فزاعة في وجه المبدع، وبالفعل تحسست رقبتي في مرات عديدة لأنني جربت الاقتراب في كتاباتي من هذه المحظورات، وخاصة بعد صدور روايتي "القيامة.. الآن"، ولكن ربما ما غفر لي أن هذه الرواية وظفت الدين لخدمة جمهور الفقراء والانتصار لهم في عالم لا يرحم الضعيف وحوّل الدنيا إلى قيامة يومية لا مكان فيها للضعيف.

● حتى لا يقع المبدع في فخ المحظور... كيف يعالج الأدب قضايا حساسة محظورة اجتماعيا وربما دينيا؟

- في الأدب لا مكان للأخلاق التي تحاكم الأديب على زلات القلم إذا كان توظيفه للجنس وتوابعه يخدم نسق النص وتطور أحداثه للوصول به إلى النهايات المحتومة. وقتها يصبح كل شيء مباحاً أمام المبدع بما في ذلك القول الفاحش في زمن هيمن فيه الفحش في الفعل والقول. أما إذا كانت الكتابة لا تتطلب ذلك وغاية الكاتب من استعمال الجنس للدعاية لنصه أو لجر القراء إلى عالم الإثارة فإنه لن يقدر على المنافسة في ظل السماوات المفتوحة والشبكة العنكبوتية.

● بعد مسيرة أدبية حافلة... ما الجديد الذي ينتظر قراءك؟

- انتهيت في بداية هذه السنة من كتابة الجزء الثالث من خماسية عن بلاد المناجم أرضاً وناساً ونضالات عمالية ونقابية امتدت على مدى أكثر من قرن، ولدي رواية جديدة بعنوان "صحائف الملائكة والشياطين" وهي تتمة لروايتين سابقتين: "وراء السراب.. قليلا" و"كلاب الجحيم"، وتدور أحداثها في مدينة المتلوي عاصمة مناجم الفسفاط في تونس خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وتؤرخ لمجزرة اقترفها المستعمر الفرنسي وزبانيته في حق العمال المضربين عن العمل، فقتل منهم أكثر من عشرين عاملاً وجرح المئات في أقل من عشر دقائق.

أكتب في الليل ولا أغادر بلدتي الهادئة إلى صخب المدن

«الدراويش يعودون إلى المنفى» فتحت أمامي شهية الكتابة
back to top