نهاية اسبوع منزوعة البشر!!! *
السم أقوى في الكلمة منه في ذاك السائل أو الدخان الذي ملأ فضاء المدن المزدحمة، هناك حملة شاسعة تحولت هي الأخرى إلى شكل من أشكال لعب الترويج التجارية، أو هوس التخلص من السموم في الجسم بحكم أن كل ما نأكله ونستنشقه ونشربه يحمل كميات من السموم التي تأتي بالعديد من الأمراض أو تتسبب في أشكال مختلفة من الأوجاع والتشوهات حتى النفسية منها!تحولت تلك الجملة الشهيرة "لتخليص جسمك من السموم" كشعار على منتوجات متنوعة من العصائر والمأكولات، إلى مواد التجميل والمواد المرطبة للجسم وغيرها، الكل يعمل على تخليص جسمه من سموم هي نتاج حتمي عندما يصبح الربح هو الهدف الأول لجميع الصناعيين وغيرهم، وعندما تتحمل دول وشعوب غير صناعية الآثار والتكلفة الباهظة لما تقوم به ما يسمى الدول الكبرى، فمعظم التلوث الذي تعيشه الشعوب الفقيرة في جنوب الأرض هو نتاج تلك المتطورة والصناعية في شماله.وكثرت المصحات التي هي الأخرى تروج لقدرتها الكاملة على تخليص البشر من تراكمات كل تلك الملوثات في فترة زمنية محدودة، ولكن بتكلفة باهظة جداً لتصبح هي الأخرى حكراً على طبقة بعينها!! وأصبح تخلص الأجسام من السموم فائدة جديدة لفوائد السفر المتعددة، فهناك سفر للراحة وآخر للصحة والتطبب ومرة لأخذ الأطفال لدزني، ومرة للشواطئ في الصيف، وما بينها سفر بهدف تخليص الجسم من سموم طعام وماء حتى ما يسمى منه "مياها معدنية"، ما لبثنا أن اكتشفنا أنه الآخر ملوثة، وقد يكون ماء بئر عاديا لا معدنيا أبدا أبدا!! هذه المحاولات المستميتة لتنظيف الجسم من ترسبات الملوثات والمواد الحافظة... إلخ، ألا يكون من الأجدى أن تصاحبها عملية تخليص العقل والروح والنفس من تلوث البشر من البشر؟ ألا يجدر أن تكون هناك مراكز متخصصة لكي يغسل المرء روحه من كثرة النفاق والكذب والمؤامرات والمراوغات والغش وغيرها؟ ألا يجوز أن يحتاج الإنسان أينما كان في زمن أصبح فيه الكذب صفة يحمد عليها الفرد لأنه بذلك "فاهم الحياة أكثر" أو أنها "تعرف تاخذ ما تريده" أو تحت أي ذرائع وتبريرات؟
يكثر الحديث عن الحاجة لإجازة في نهاية الأسبوع للابتعاد عن ضجيج المدن، حيث ندين الضوضاء التي نخلقها نحن، ولكن ندعي أن سببها التحضر والمدنية، وتكثر العربات في الطرقات بعوادمها القاتلة والازدحام في الشوارع. كل هذه عوالم واقعية جداً، وبالتأكيد تؤثر في الجهاز العصبي حتى للأكثر قدرة على التكيف أو حتى عند عشاق المدن والضجيج، ولكن علينا أن نفكر ملياً في عطلة نهاية أسبوع منزوعة من البشر المسببين للتلوث والسموم الروحية والعقلية. عندما تعيش أيام عملك أو حتى بين رفقة تعايشت بجد مع هذه المرحلة المتطورة من تاريخ البشرية، كما يدعون مرحلة توصف بأنها طفرة الذكاء الصناعي والابتكار والتكنولوجيا المتطورة وهي نفسها التي تلازمت مع انحدار في الأخلاق والقيم والمحبة والوفاء وغيرها من الصفات التي ركنت في أرفف الكتب أو على جدران المتاحف مع الديناصورات التي انقرضت وكثير من المخلوقات الكونية التي انخفضت أعدادها بسبب البشر... البشر ذاتهم. شيء ما يدعو للتعمق أكثر في معنى التخلص من السموم ومفهومها، شيء ما يدعو للتفكير العميق في الحلقة المفرغة التي تبدأ وتنتهي عند "المشتبه فيهم"، فهم يصنعون ثم يلوثون ثم يعودون ليطرحوا أدوية للعلاج من آثار التلوث، وفي كل مراحل هذه الدائرة هم الرابحون حتما، هم الناشرون لثقافات غريبة على الكثير من المجتمعات، بل على كل البشرية، هم المستفيدون من خلق الأنفس الضعيفة ومن القضاء على كثير من الصفات التي كانت يوما تعد هي القيم المثلى، هم أنفسهم من يجدر أن تخصص مصحات للتخلص من السموم التي ينشرونها في المجتمعات!تردد هي السبت والأحد لي أنا، أنا فقط لا أريد أن أرى شخصاً أو أن أسمع صوتاً عبر الهاتف أو أن أقرأ رسالة على وسائل التواصل مليئة بالكذب أو النفاق أو التملق أو الكراهية، وهي صفة أخرى أصبحت ربما ملازمة للمدنية والحضارة كما يفهمها البشر الآن، بمعنى أن تكون متحضراً هو أن تكون منزوع العواطف والرحمة، وأن تحول قلبك إلى حاسبة للمصالح على أساسها توجهه، أي قلبك، ليحب ويكره أو يتملق أو ينافق، هناك حاجة حقيقية للتخلص من سموم البشر حتما قبل سموم الأطعمة. * ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.