كشف أثري جديد يوثق العلاقة بين المصري القديم والحيوانات
نقوش ملكية وصور للتماسيح والزرافات والأفيال في مقابر الفراعنة
كشف أثري جديد، يوثق العلاقة بين المصري القديم والحيوانات، ويجدد مطالب العلماء باقامة معرض للحيوانات عند الفراعنة على غرار "اللوفر".
عثرت البعثة المصرية العاملة في الصحراء الشرقية شمال شرق محافظة أسوان الأربعاء الماضي في منطقة أبو صبيرة، على أوائل النقوش الملكية في العصر النيوليتي "نهاية العصر الحجري"، وتحمل صور العديد من الحيوانات مثل الزرافات والأفيال والتماسيح. جذب الاكتشاف اهتمام علماء المصريات، الذين طالبوا بتنظيم معرض خاص للحيوانات القديمة على غرار ما أقامه معرض اللوفر بفرنسا عام 2014، بالتعاون مع متحف التحرير بالقاهرة.
أوائل النقوش
وصرح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، د. مصطفي وزيري، بأنه تم اكتشاف المئات من النقوش الصخرية ترجع للعصر الحجري الحديث داخل وادي دائري شبه مغلق متفرع من وادي أبو صبيرة، وتصور النقوش حيوانات كانت موجودة في المنطقة خلال هذا العصر مثل الزرافات والأفيال والتماسيح، وتضم أيضا أقدم نقوش تمثل مدينة صغيرة تظهر فيها علامات الاستقرار كرعي الحيوانات وزراعة الأشجار.وأوضح المدير العامل آثار أسوان عبدالمنعم سعيد، أن بعض النقوش يرجح أنها تتضمن علامات الملكية المصرية، مثل علامة "السرخ" أو واجهة قصر وعليها الصقر حورس رمز الملكية المصرية، وأيضا بعض المقاصير المقدسة مربوطة ومزينة بزخارف نباتية، كما أن بعض الرموز تشير إلى ملوك مصر قبل الأسرة الأولى، مثل الملك العقرب أو نعرمر.وأضاف أن كثافة النقوش في مكان واحد تدل على استقرار نفوذ الملكية في الدولة المصرية القديمة في تلك البقعة الصحراوية المترامية الأطراف، منذ العصور المطيرة وحتى بداية الأسرات الفرعونية، في الألف الرابع قبل الميلاد.من جانبهم، طالب علماء الآثار بإقامة متحف لحيوانات الفراعنة على غرار ما أقامه متحف اللوفر بفرنسا عام 2014 والذي ضم أكثر من 420 عملا لمنحوتات الفراعنة وخصص جزءا كبيرا عن النقوش التي تظهر الحيوانات بالتعاون مع متحف التحرير بالقاهرة. وقال رئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار في جامعة جنوب الوادي رؤوف الورداني: "لدينا ثروة كبيرة من النقوش والمومياوات المحنطة لعدد كبير من الحيوانات"، مشيرا الى "أن هذا الاكتشاف يأتي بعد عام من اكتشاف مقبرة أثرية في المنطقة الجبلية المتاخمة لقرية حمرة دوم جنوبي شرق مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا، تضم مومياوات محنطة لعدد من الحيوانات، منها مومياء تمساح بلغ طوله 4 أمتار، ومومياوتين مهشمتين لتمساحين طولهما 120 سم، وتماسيح أخرى بأطوال متباينة، إضافة إلى رؤوس حيوانات أخرى، وأدوات تحنيط كانت تُستخدم عند الفراعنة. وقال الباحث الأثري محمود ناصر بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن نقوش الحيوانات كالأسد والزرافة والتماسيح تعكس مدى احترام المصري القديم لها، وسعيه الى تجسيد القوى الروحية والرمزية الكامنة في الحيوانات، ولذلك ابتكر المصري القديم كائنات نصفها حيوان ونصفها إنسان، ومن أشهرها تمثال "أبو الهول" الذي يجمع بين رأس إنسان ورأس أسد. وأشار ناصر الى أن الملوك الفراعنة اعتادوا وسم تيجانهم بالكثير من الصور والرموز والإشارات المرتبطة بالحيوانات، للتأكيد على قوتهم وسلطتهم المطلقة، ومقدرتهم على حماية دولتهم من التهديد الخارجي، والحفاظ على سلامتها في وجه الأعداء الذين يتربصون بها، وارتبطوا بالحيوانات ارتباطا وثيقا لدرجة تحنيطها معهم بعد وفاتهم، وهو ما يؤكده الاكتشاف الأثري الجديد.تماسيح النيل
تعد التماسيح من أضخم الزواحف الحية، واعتبرها القدماء المصريين مصدرا للخير والشر في وقت واحد، وصنعوا منها تماثيل وأواني فخارية أغطيتها على شكل رأس تمساح، إشارة إلى قوته وخطورته على الصيادين.وتشير معاجم اللغة المصرية إلى أن كلمة تمساح في اللغة المصرية القديمة هي (مسح) msh وتطورت إلى تمساح، وفي الكتابات المصرية القديمة نجد أن التماسيح تلعب دورا متناقضا، فنجد أن التمساح يطلق عليه اسم الإله "سوبك"، خاصة في كوم امبو والفيوم، وأنه يمكن اصطياده ومطاردته، كما نجد أن التمساح في بعض الأحيان يمكن أن يُعبر عن الإله الصالح "أوزوريس"، وفي نفس الوقت يُعبر عن أخيه الشرير "ست"، وأيضاً يمكن أن يُمثل الإله "رع" والإله "حب".وفي الوقت الذي يظهر فيه المصريون القدماء رغبتهم في أن يتحولوا إلى تماسيح بعد الموت نجد أن التمساح الذي يمثّل الشيطان يلتهم أو يفني أرواح الأموات الذين لم يعيشون حياة طاهرة أو فاضلة، ولذلك فهم محتاجون إلى تميمة أو تعويذة تحميهم من التماسيح في الحياة الأخرى.ويشير المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى أن بعض المصريين القدماء يعتبرون التمساح مقدساً، وآخرون يهاجمونه، وأحياناً يعاملونه بتكريم زائد، ويقدمون له أسماكا وأطعمة ثمينة ويزينون رأسه بأقراط وقدميه بأساور وحلقان ذهبية مطعمة بحجارة ثمينة، ويروضون صغاره بلطف شديد، وبعد موته يطيبونه بأطياب ثمينة، وذلك في مناطق طيبة والفيوم. وفي مناطق أخرى يتعاملون معه بشيء من الاشمئزاز الشديد ويتحينون الفرص لقتله أو تدميره.وفي كوم امبو يوجد معبد مزدوج لـ "سوبك" و"حورس"، وأيضاً في محافظة الفيوم، حيث كانت هناك مدينة تسمى مدينة التمساح، وبها أقدم بناء ينتمي إلى "سوبك" تم إنشاؤه في زمن الأسرة الثانية عشرة، وهو بناء ازدهر جداً في أواخر الدولة الوسطى حينما اتخذ عدد من حكام الأسرة الثالثة عشرة أسماءهم مرتبطة بسوبك مثل "سوبك حتب" (اسم الميلاد لثمانية من ملوك الأسرة الثالثة عشرة) و"سوبك نفر" (اسم آخر ملوك الأسرة الثانية عشرة).وصور المصريون القدماء التمساح في المقابر المصرية القديمة في مناظر نيلية تجمع بين الحيوانات البرمائية الأخرى والنباتات، كما يصور وهو يضع بيضه، ويفترس الصيادين أو يصور راقدا في انتظار التهام صغائر "فرس النهر".ويذكر هيرودوت أنه من بين الطرق التي اتبعها المصريون القدماء في اصطياد التمساح أن يضعوا قطعة لحم خنزير في سنارة ويلقونها على الماء، ثم يأتون بخنزير حي على الشاطئ ويضربونه حتى يصرخ، ويقترب التمساح نتيجة الصراخ وبمجرد وصوله إلى الشاطئ يتم سحبه بالسنارة ووضع الطين في عينه لحجب الرؤية والسيطرة عليه.وكان بعض الصيادين يحفرون بعض الحفر على الشاطئ ويغطونها بعصي، وإذ يسقط التمساح في إحداهما لا يقدر أن يخرج منها. ويتركونه لعدة أيام بلا طعام، وبعد ذلك يربطون فكه بحبال يعقدونها حوله ثم يقومون بسحبه.
عبد المنعم سعيد: كثافة النقوش في مكان واحد تدل على استقرار نفوذ الملكية في مصر