قوانين تضبيط المصالح!
عادة ما تصطدم التشريعات الخاصة بضبط أسس الشفافية أو اعتماد المعايير النمطية العالمية أو إقرار مبدأ العدالة والمساواة والساعية إلى كبح جماح الفساد ومحاسبة مرتكبيه، بمخالفتها لأحكام الدستور، ويتم رفضها وإبطالها من المحكمة الدستورية!
أليس من اللافت أن التشريعات الخاصة بضبط أسس الشفافية أو اعتماد المعايير النمطية العالمية أو إقرار مبدأ العدالة والمساواة وأخيراً الساعية إلى كبح جماح الفساد ومحاسبة مرتكبيه، عادة ما تصطدم بالمخالفة لأحكام الدستور، ويتم رفضها وإبطالها من قبل المحكمة الدستورية؟!وآخر هذه المسرحيات قانون تعارض المصالح، الذي يعد من أهم التشريعات العالمية اليوم في مكافحة الفساد، تم إبطاله فوراً من المحكمة الدستورية لثغرات مبدئية واضحة، تماماً كما كان مصير المرسومين المتعاقبين لإنشاء هيئة مكافحة الفساد، ومن قبل ذلك قانون الشركات وقانون أسواق المال وقانون الذمة المالية.وفي المقابل، فإن القوانين المتينة التي كان لها الأثر المهم في تعزيز الديمقراطية وترسيخ مبدأ الحريات العامة والخاصة، فقد تم إعادة تفريغها من محتواها عبر التعديلات الدقيقة والمتقنة ببساطة لأنها موجهة ضد الإرادة الشعبية.
ومثل هذه المفارقة لا يمكن أن تكون بالمصادفة أو نتيجة لقصور عفوي، حيث إن العملية التشريعية عادة ما تمر عبر سلسلة من القنوات والإجراءات والمتابعات من أهل الاختصاص على مستوى الحكومة والمجلس، فالحكومة تملك أكبر مؤسسة قانونية ممثلة بجهاز الفتوى والتشريع كما أن مجلس الأمة يمتلك لجنة تشريعية يفترض أنها تضم المتخصصين في مجال القانون ناهيك عن فريق ضخم من المستشارين، وأخيراً فإن السلطتين يمكنهما الاستعانة بمن شاءتا من أهل الاختصاص الفني والقانوني عند دراسة ومداولة أي قانون جديد، أو التعديل على القوانين القائمة.هذا التشويه القانوني، مهما كانت أسبابه ودواعيه، فنتيجته هي تخريب العملية التشريعية ورسالة واضحة بإبقاء مكامن الخلل والقصور التشريعي في ما يزعم بالإصلاح واستمرار قصص التجاوزات التي باتت محمية أيضاً من المجلس على ضوء ما رأيناه في سلسلة الاستجوابات، خصوصا تلك التي كشفت عن مادة رصينة ومؤكدة لمؤشرات العجز والفشل والفساد الحقيقي في مختلف مفاصل الدولة والتلاعب بالأموال العامة.وتبقى حقيقة تفشي هذه الظاهرة الفاسدة بشقيها التشريعي والرقابي مرتبطة بالمجلس الحالي والمجلس الذي سبقه، وهما نتاج نظام الصوت الواحد ومخرجاته والمساعي المنظمة من خلالهما لتشويه الديمقراطية من الداخل أو تحويل المؤسسة التشريعية الدستورية إلى أداة أخرى من أدوات النفوذ والهيمنة على القرار، وإبقاء حالة الفوضى الخلاقة كمرتع لاستمرار اللعب بمقدرات الدولة.ومن المضحك أن يتم طرح البرامج والرؤى المستقبلية وفي مقدمتها مشروع الحرير والكويت الجديدة 2035 كمركز إقليمي وعالمي يستهدف استقطاب الشركات العالمية والدول التي تعتمد على هيبة القانون، وعلى معايير الشفافية والنزاهة والتنافسية النمطية، ويكون هذا نتاجنا الوطني، فأبشروا بالخير يا أهل الكويت!