ربما يكون عقد الجمعية العمومية لشركة الدرة لاستقدام العمالة المنزلية الأسبوع الماضي بمنزلة شهادة فشل لمشروع تدخل الدولة في أمر خارج اختصاصاتها، وتأكيد على أن الحلول المنحرفة ستؤدي حتماً إلى نتائج مالية وإدارية وخدمية وخيمة مهما كانت نوايا المحاولة طيبة وسليمة.فعمومية «الدرة» كشفت أن الشركة، التي كان غرض تأسيسها الأول خفض أسعار العمالة المنزلية، فشلت في تحقيق هذا الهدف، ولم تستطع في عام 2018 سوى جلب 960 عاملاً منزلياً مع استهداف 1500 عامل جديد فقط لعام 2019، أي ما لا يتجاوز 4 في المئة من حجم القادمين سنوياً لسوق العمالة المنزلي، مع تحقيق خسارة مالية لـ 23 شهراً تبلغ 654.8 ألف دينار، وتوزيع مكافآت بعد الخسارة لأعضاء مجلس الإدارة بإجمالي 42 ألفاً!
مراقبة ومنافسة
غير أن فشل «الدرة» يصلح لأن ينُاقش ضمن ما يمكن وصفه بـ «المعالجات المنحرفة للأزمات في الكويت»، والتي غالباً ما تؤتي الضرر من مقصد المنفعة، وأمثلتها في الكويت لا تنتهي، وأبرزها مثلاً ما تطرحه الجهات الحكومية من تصريحات تتعلق بما يعرف بـ «مراقبة الأسعار» أو حتى تخفيضها بقرار وزاري، وهو انحراف في معالجة الغلاء والتضخم من جهة إغفال الدولة لواجبها الأساسي في حماية المنافسة، ومحاربة احتكار السلع، وضمان تكافؤ الفرص بين المتنافسين في السوق، ومنع امتياز أي طرف على الآخر، مما ينتج عنه ممارسات احتكارية، وهذه السياسات هي ما سيؤدي حتماً إلى خفض الأسعار ومنطقيتها بشكل دائم لا عبر تدخلات موسمية في المراقبة والخفض لا يمكن ضمان تطبيقها أو كفاءة الإشراف عليها، كإعلان وزارة التجارة مثلاً اعتمادها 15734 صنفاً لتخفيضات السلع الرمضانية دون أن تعطي لمحة ولا تفصيلاً عن طبيعة هذه الأصناف كي يستفيد المستهلك من تخفيضاتها.خلل التوظيف
ومثل «الدرة» ومراقبة الأسعار، تأتي قضية التوظيف كواحدة تضاف إلى المعالجات المنحرفة على صعيد سوق العمل، فالدولة التي لا تستطيع أن تخلق فرص عمل للشباب الكويتيين تحمل الميزانية عبء هذا الفشل بتوظيف أكثر من 20 ألف شخص سنوياً في القطاع العام، فضلاً عن امتداد تغطية التوظيف على فشل خلق فرص العمل ليصل إلى القطاع النفطي عصب اقتصاد الكويت، إذ قبلت مؤسسة البترول 130 مهندساً مقارنة بـ 100 احتياج، دون أن يناقش أحد اختلال سياسات القبول بجامعة الكويت والابتعاث الخارجي من جهة عدم الارتباط مع الاحتياجات الفعلية أو محدودية مشاريع القطاع النفطي بسبب طغيان عقود المقاولين على أعمال الشركات النفطية الحكومية بشكل يؤثر سلباً على مهنية القطاع وتكاليف تشغيله، فكان الحل السريع والمؤقت كـ «إبرة بنج» سرعان ما سيتلاشى أثرها مع طلبات التوظيف العام المقبل.التركيبة السكانية
غير أن أبرز المعالجات المنحرفة هذه الأيام يتعلق بسوء التعامل مع ملف اختلال التركيبة السكانية في الكويت من حيث استهداف الوافدين مالياً برفع أسعار الكهرباء والماء في القطاعات الاستثمارية والتجارية بنسب تتراوح بين 250 و1100 في المئة، إلى جانب رفع الرسوم الصحية في المستشفيات العامة، مع السعي لفرض ضرائب على تحويلات الوافدين خارج الكويت، وهي معالجات ذات آثار سلبية، أولها أن الأثر المالي السلبي على أصحاب الدخل المتحرك «الوافدين» الذين يرتبط معظمهم بأعمال حرة ومهن معظمها صغيرة سيمتد إلى ذوي الدخل الثابت «المواطنين»، أي الموظفين في القطاعين العام والخاص، ومن ثم فإن الزيادات المالية «الجباية» على الوافدين سيدفعها الكويتيون الذين يعتمدون بشكل أساسي على الخدمات التي يقدمها الوافدون في السوق كعمال الإنشاءات والبناء والنقل وتجار الملابس والأغذية والحرفيين، وعدد كبير من السلع، وستكون لها كذلك مخاوف من إفراز مجتمع عزاب ومحدودي كفاءة بكل آثاره السلبية.تلك المعالجة المنحرفة تتغافل المعالجة المطلوبة والملحة لملف التركيبة السكانية البالغة 31 في المئة مواطنين و69 في المئة وافدين، والمتمثلة بشكل أساسي في محاربة تجارة الإقامات وتوجيه المشاريع الكبرى لتكون بيئة لتشغيل العمالة الوطنية، وتأكيد أنه شتان ما بين العمل على تعديل التركيبة السكانية وفق الأسس الاقتصادية وبين الضغط على الوافدين بكل ما يحمله من خطاب عنصري وأفكار لا تخدم الاقتصاد ولا السوق.شواهد مختلفة
ولعل شواهد المعالجات المنحرفة لا تنتهي، ومنها مطالبات إسقاط القروض دون إيجاد حل لسبب الاقتراض كأزمة السكن أو غلاء المعيشة، ومنها كذلك مساعي فرض ضريبة للقيمة المضافة لاقتصاد استهلاكي أو اعتبار جباية الأموال هدفاً اقتصادياً بحد ذاته.أموال «الدرة»
وبالعودة إلى الدرة، فإنها منذ تأسيسها تهدد أموالاً لجهات حكومية وشبه حكومية وأهلية؛ هي الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية وشؤون التأمينات والقصر وشركة الخطوط الكويتية والمساهم الاكبر اتحاد الجمعيات التعاونية برأسمال يبلغ 3 ملايين دينار، وكان الأجدى تطبيق أحكام القانون رقم 10 لسنة 2007 بشأن حماية المنافسة التي تجرم الممارسات الضارة في أي سوق، ومنها العمالة المنزلية، كالاتفاقات والممارسات المنسقة بين المنشآت، والتي تؤثر في أسعار المنتجات أو الخدمات محل التعامل، وهو ما يحدث فعلاً في سوق العمالة المنزلية الذي يسيطر عليه عدد محدود من المكاتب، مع ضرورة تسهيل إصدار تراخيص مكاتب الاستقدام المنزلية، والأهم فتح أسواق جديدة للعمالة المنزلية، لتنويع الخيارات في الدول التي تعرقل الاستقدام للكويت ومنطقة الخليج، وهذه هي الإجراءات التي يمكن أن تخفض قيمة استقدام العمالة المنزلية بعيداً عن تأسيس شركة كان فشلها واضحاً منذ أول يوم لتأسيسها.