هناك مثقفون كبار، لكن ثقافتهم موظفة للسلطة، فصموئيل هينتغنتون، وبرنارد لويس، وأحياناً يضاف إليهما هنري كسنجر، وأمثالهم يقررون شرعية إقامة الحروب، بل ومباركتها، ولا يعنيهم كم سيكون عدد قتلى تلك الحروب ما دامت تحقق لأميركا امتيازات وأرباحاً تحت شعار الديمقراطية البراق، ولهذا نجدهم قبل أي حرب يقفون تحت قبة الكونغرس ليمنحوا الشرعية الثقافية والتاريخية إلى جانب القانونية لأميركا في قتل الشعوب الأخرى.***
• بينما المثقف الملتزم حيال قضية الإنسان في أي مكان، نعوم تشومسكي، ألقى محاضرة منذ أيام في جامعة أريزونا، وهو متشائم جداً مما يجري من مخططات لمستقبل العالم، حيث ذكر النازية، وجاء على ما فعلته في الثلاثينيات، وكيف تعاملت مع الدول التي احتلتها، واسترسل في سرد الأحداث الدموية المؤلمة التي عاناها ثلث الإنسانية، ثم تطرق في حديثه إلى منطقة الشرق الأوسط، وتكلم عن هدايا ترامب لنتنياهو يوم نقل سفارة أميركا إلى القدس، ثم ألحقها بهضبة الجولان، وهناك قرارات جديدة بضم أجزاء من الضفة الغربية، وتحديد أماكن لتوطين الفلسطينيين، وكما يقول تشومسكي: كل هذا يتم بالاتفاق مع قيادات ودول عربية (ذكرها بالاسم)، ثم قال إن هؤلاء القادة العرب ينسقون مع ترامب لتحقيق إقامة إسرائيل الكبرى؛ من النيل إلى الفرات. ***• والخطر الذي يراه تشومسكي يدق الأبواب سيكون قادماً من إيران، فإيران، على حد تعبيره، لها هيمنة على العراق، ومتدخلة لوجستياً في سورية، وتمول أحزاباً قوية في لبنان، وكذلك لها نشاط واضح في مساندة اليمن، ومما قاله تشومسكي أن هناك مخاوف كبيرة من تطلعات إيران لدول الخليج العربي التي لها مصالح كبرى مع أميركا، ولهذا فهو يقول إن ورقة إيران التي تُمسك بها إدارة ترامب ستكون الفتيل الذي -إذا لم يحكمه التعقل السياسي- سيحرق الأخضر واليابس، وستغدو المنطقة في مهب ريح ڤيتنام جديدة مدمرة. ويضيف تشومسكي في محاضرته: كأن انتخاب ترامب قد تزامن قدرياً لتتحقق على يديه كل هذه المآسي الإنسانية، والغريب أن هناك من يصفق لترامب كمروج لشعار أميركا أولاً، وما دامت تجارة السلاح منتعشة، وربما سنوات طويلة، فليس من المهم عند هؤلاء الذين يصفقون لترامب كيف ستكون تعاسات شعوب العالم من جراء هذه التوترات كشعب اليمن مثلاً... ثم استفاض تشومسكي في الحديث عما يجري في دول غنية كڤنزويلا، وكيف تلعب بها إدارة ترامب التي تخصصت في تجويع الشعوب، فالآن إيران ستعاني المقاطعة، وسورية قوطعت ولديها معاناة كبيرة في خدماتها التحتية، وهناك قائمة طويلة من دول العالم تحاصرها الديمقراطية الأميركية.***• أكتفي بهذه الخلاصة الموجزة لمحاضرة تشومسكي، الذي يعتبر الأكثر تميزاً كبروفيسور في علم اللسانيات، والذي تجاوز التسعين بأربع سنوات. وبالمناسبة، رغم أنه يهودي أميركي فإن هناك قراراً بمنعه من دخول إسرائيل،بينما مثقفو السلطة العرب لا يخجلون من أنفسهم من التهريج اليومي للتطبيع، ويظنون أن إسرائيل ستحقق لهم سلاماً.
أخر كلام
«تشومسكي» يدق ناقوس الخطر!
16-05-2019