السياسات الهند تستغل النزعة الإسلامية
يعتبر الكثير من المراقبين السياسيين الانتخابات الحالية في الهند على شكل استفتاء حول علمانية البلاد والمستقبل الجماعي فيها، ويتطلع حزب رئيس الوزراء نارندرا مودي اليميني بهاراتيا جاناتا بارتي الى ضمان فترة حكم أخرى واعتمدت استرتيجيته في تجنيد الناخبين الى حدٍ كبير على الهندوس وعلى أخطار الأقليات الصغيرة في البلاد وخاصة المسلمين وفي أعقاب نشر البيان الانتخابي للحزب لهذه السنة والتي اشتملت على خطط لتقديم «سجّل للمواطنين» غرّد رئيس أمين شاه على حسابه على «تويتر»: «سنضمن تنفيذ الدعوى للتسجيل للمواطنين في شتى انحاء البلاد وسنزيل التسلل من البلاد باستثناء البوذيين والهندوس والسيخ»، وقد استعاد حزب رئيس الوزراء في الأساس الحضارة الهندية التي تستبعد مجموعتين من الأقليات هما الطائفتان الإسلامية والمسيحية، وفي حين يعتبر الحزب المسيحي ديانة مقبولة فهو يعتبر الإسلام ديانة الغزاة وأكلة لحوم البقر والإرهابيين. وبحسب تقرير ميداني فإن استخدام لغة الكراهية والتقسيم من كبار السياسيين في الهند قد ازدادت بحوالي 500% منذ وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى السلطة، ونظراً لأن المسلمين هم أكبر أقلية في البلاد ويشكلون 15% من عدد السكان فإنهم يواجهون أشد مظاهر العنف وعدم التسامح. والأعضاء والمرشحين من الحزب الحاكم غالبا ما يستخدمون منطق الرهاب الإسلامي لتأسيس قواعد محافظة، واجتذاب الناخبين وهم يصفون الإسلام بالإرهاب ويصورون المسلمين كطائفة خطرة، وفي أحد الأمثلة سنة 2016 قال وزير الحزب للبراعة والتنمية وريادة الأعمال أنانت كومار هيجد «إنه ما دام هناك إسلام في العالم فسيكون هناك إرهاب وإلى أن نقتلع جذور الإسلام لا يمكننا إزالة الإرهاب».
وتنسب كل أعمال العنف والإرهاب إلى الإسلام في الهند، وتستغل حوادث العنف من أجل إضافة وقود إلى الوضع السياسي والأمن الوطني. وفي الآونة الأخيرة ومع سعي سريلانكا للتعايش مع مجزرة سببتها هجمات يوم الأحد استخدم الوطنيون الهندوس تلك الهجمات من أجل تغذية المشاعر المعادية للمسلمين. من جهة أخرى بعث الكثير من أعضاء الحزب الحاكم ومرشحي الحزب والنشطاء برسائل على تويتر تؤكد أنه «ليس كل المسلمين من الإرهابيين ولكن كل الإرهابيين من المسلمين». ودعا رئيس الوزراء الهندي الى التصويت لحزبه، وقال إن الوضع في الهند يشبه الوضع الذي كان سائداً في سريلانكا قبل الهجمات الدموية الأخيرة وقبل عام 2014 عندما وصل الحزب الحاكم الى السلطة، وتعاملت الأحزاب السياسية المعارضة بليونة مع الإرهاب، كما اتهمها بعدم تحميل تلك الأحزاب الإرهابية المسؤولية عن دورها في العمليات الإرهابية، حرصاً على عدم خسارة الأصوات الانتخابية. وبالمثل سأل رئيس الوزراء الهندي متى كانت آخر مرة أقدم فيها مودي على قتل إرهابي باكستاني؟ورشح الحزب الحاكم لمنصب في البرلمان سيدة هندوسية متطرفة تدعى براغيا ثاكور التي خرجت من السجن بكفالة لأسباب صحية، وهي المتهمة الرئيسة في قضية تفجير ماليغون لعام 2008 الذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص، وجرح أكثر من مئة، وقد اتهمت بالإرهاب والقتل والتآمر الاجرامي وتعزيز العداء بين المجتمات.ويظهر استخدام السياسات المحلية صرف الانتباه عن الفشل المتكرر لسياسة الحزب الحاكم الذي وصل الى الحكم في سنة 2014 مع وعود بتحقيق تقدم اقتصادي وخلق وظائف والقضاء على الفساد وخلق «هند جديدة»، وعلى أي حال فإن هذه الوعود لم تتحقق وقد ازدادت تكلفة الأعباء الزراعية الناجمة عن الديون وارتفاع التكلفة منذ عام 2017 حيث سار المزارعون في مسيرات في أنحاء مختلفة من الهند للتعبير عن الاستياء من الوضع. وفي شهر يناير الماضي احتشد ملايين العمال ضد سياسة الحزب الحاكم الاقتصادية وطالب المتظاهرون ضمن أشياء أخرى بأن توقف الحكومة كل الإصلاحات المؤيدة للشركات والمعارضة لمصالح العمال ومعالجة التضخم ودفع الحكومة باتجاه مزيد من الخصخصة، وكان هناك أيضاً ارتفاع في معدلات البطالة وبحسب تقرير صدر عن مكتب الدراسات الوطنية ونشر في شهر فبراير فإن معدلات البطالة في الهند ارتفعت إلى 6.1% في العام الماضي، وهي أعلى نسبة منذ 45 سنة، كما فشل أيضاً أسلوب الحكومة في التعامل النقدي الذي كان يهدف إلى منع من استخدام الأموال لتمويل الإرهابيين والإعلان عن سياسة مالية أكثر شفافية وكان ذلك الفشل سيئا الى حد كبير.ولا بد من الاشارة الى أن مضاعفات منطق الحزب الحاكم ضد الإسلام تنطوي على خطورة كبيرة. وإذا لم يتم وضع حد لها فإنها ستغذي التمييز الديني في الهند وتنفير المجتمعات الإسلامية. واضافة الى ذلك ستطرح للسؤال موقف الهند من التعددية التقليدية النشطة وتغذي عدم الثقة والشكوك المتبادلة، ومن شأن ذلك أن يفضي بدوره الى خلق مشاكل للهند على الصعيد الأمني الوطني لأنها ستولد عدم أمن بين الأقليات فيما تعزز الرواية الحالية عن وجود مجموعات ارهابية اسلامية تستغل ببراعة الخطوط الطائفية.● نازنيم محسنة