خطة غاريد كوشنر للسلام قد تكون كارثية

نشر في 17-05-2019
آخر تحديث 17-05-2019 | 00:00
 محمود عباس  -  بنيامين نتنياهو
محمود عباس - بنيامين نتنياهو
في الثاني من مايو الحالي، أجريتُ مقابلة مع مستشار البيت الأبيض غاريد كوشنر حول عملية السلام في الشرق الأوسط خلال المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن، وهو حدث تم بثه مباشرة على شبكة «سي سبان»، وكوني كتبت أخيراً مقالاً وصفتُ فيه خطته المقبلة للسلام بأنها «اقتراح سيخسر فيه الجميع في كل الأحوال»، وأنّ على الرئيس ترامب التخلي عنه لتجنب مواجهة الفشل المحرج، فكان لائقاً من كوشنر أن يوافق على إجراء المقابلة، وهكذا «تبارزنا» لمدة 45 دقيقة- أنا أهجم وهو يدافع- وطوال المناقشة، كان رصيناً ومنضبطاً، وهنا ما علمته:

• ستقدم الخطة الأميركية مقترحات مفصّلة للإجابة عن جميع القضايا الأساسية المدرجة على الأجندة الإسرائيلية-الفلسطينية، منها اقتراحات للحدود النهائية لإسرائيل، والبتّ في مدينة القدس المتنازع عليها، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية التي ستحمي اتفاق السلام، والعلاقة السياسية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

• تسلط الخطة الأميركية الضوء على معادلة توفير الأمن للإسرائيليين وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، مع التركيز بشكل أقل على «التطلعات السياسية» للفلسطينيين. قال كوشنر إنه يتجنب مصطلح «الدولة» تماماً، وأوضح قائلاً: «إذا قلتَ «دولتين» فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين، وشيئاً آخر للفلسطينيين، دعونا لا نستخدم هذا المصطلح»، وبقي من غير الواضح السبب وراء اقتراحه إجابات عن جميع قضايا عملية السلام، ولكن امتناعه عن تقديم تعريف أميركي لـ»إقامة دولة». وفي الواقع، كان من الصعب جداً استخلاص تعاطف كوشنر مع التطلعات السياسية الفلسطينية، أياً كان تعريفها.

• تصب الخطة الأميركية تركيزها على جعل المنطقة الفلسطينية مصدر جذب للاستثمار كوسيلة لتحسين حياة الفلسطينيين. أشار كوشنر إلى أنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب ترسيماً للحدود متبوعاً بإصلاحات سياسية جوهرية داخل السلطة الفلسطينية، وجهود شاملة لمكافحة الفساد، وإرساء سيادة القانون بشكل فعال، والتي تشمل حقوق المِلكية. وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى المال- «أموال الغير»، مما يعني فقط مساهمة أميركية متواضعة- سيستغرق الأمر الكثير من الوقت قبل أن يلمس الفلسطينيون تحسّناً في الأحوال المعيشية.

إذا كانت هذه النقاط الثلاث تشكّل مضمون «خطة كوشنر»، فالنبرة تتماشى مع لغة التبجّح والتهديد المعروفة لوالد زوجته، فخلال حديثه إلى غرفة مليئة بخبراء مختصين بشؤون الشرق الأوسط، رفض كوشنر مفهوم الخبرة. وحين سُئل عن تعريفه للنجاح والآثار المحتملة للفشل، وصف السؤال بأنه من نمط «أسئلة واشنطن» مقدّماً تعاريف مختلفة للنجاح الدبلوماسي.

بالنسبة إلى فريق كوشنر، يتمثّل أحد العناصر الرئيسة في الاستراتيجية بخفض توقعات الفلسطينيين بشأن ما سيحصلون عليه في الخطة الأميركية، لا سيّما بعد رفض كثير من المقترحات السابقة المقدمة من إسرائيل. وفي حين هناك أسباب وجيهة تدعو ترامب إلى إصلاح العلاقات مع إسرائيل بعد الضغوط التي واجهتها خلال سنوات حكم أوباما، إلّا أنه لا يمكن لوم الفلسطينيين على نظرة نهج الإدارة الأميركية تجاههم- بدءاً من قطع المساعدات وصولاً إلى إغلاق مكتب التمثيل في واشنطن- كعقاب؛ إذ يبدو وكأنه مأخوذ من قواعد اللعبة التي يمارسها محام لشؤون الإفلاس يرد على تعنّت خصمه عبر عرض 30 سنتاً على الدولار اليوم و20 سنتاً فقط على الدولار غداً.

وأيّ اقتراح أميركي للسلام يجب أن يبدأ بكيفية البناء على الأساسات الحالية، مع بذل جهد شاق لضمان عدم القيام بأي شيء للمخاطرة بالوضع الهشّ الراهن، واللامبالاة بالآثار المحتملة للفشل تجعل من خطته خطراً على المصالح الأميركيّة، وأنّه لتهوّرٌ أن تحاول الإدارة الأميركية حتى تجربتها.

وفي حين يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدّة لتقديم أفكارها الخاصة لمساعدة الطرفين على سدّ الفجوة النهائية في المفاوضات- تماماً كما فعل جيمي كارتر في «كامب ديفيد» عام 1979، بعد أن قضى كلّ من مناحيم بيغن وأنور السّادات وفرقهم 17 شهراً من المساومة المكثفة- تبقى اليوم الهوة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين أوسع من أيّ صيغة يمكن تصوّرها أو اعتمادها لسدّها. ومن هذا المنطلق، لا أهميّة تذكر للتفاصيل التي يستعد كلّ من كوشنر وشركائه إلى وضعها على طاولة النقاش بسبب انعدام التداخل المحتمل بين أكثر ما يمكن لإسرائيل تقديمه، وأقل ما تستعد فلسطين لقبوله (والعكس بالعكس). فبذلْ قصارى الجهد لحل هذه المشكلة يبقى أمراً غير محبذ، بل غير مسؤول.

وحتى لو كان الفشل هو «الرهان على الربح الذكي»، فلا يزال هناك سبب آخر يدفع أصدقاء إسرائيل إلى التفكير مرتين قبل حث الرئيس ترامب على متابعة خطّة صهره للسلام بشكل رسمي، وهو: الخطر من أن يؤدي الفشل إلى نزع الشرعيّة عن أفضل أفكار كوشنر، وقد يعتقد كوشنر أن خطته ستبقى نقطة مرجعيّة جديدة للمفاوضات المستقبليّة حتى لو فشلت في تحقيق السلام بشكل انطلاقة كبرى، إلا أنّه من المحتمل أن يقوم خلفاء ترامب برمي تلك الأفكار في المستنقع الدبلوماسي، حتى لو كانت أفكاراً قويّة وجديرة وقيّمة.

ونظراً إلى التحزّب السياسي القبلي العميق في الولايات المتحدة، فليس من الصعب تخيّل إدارة مستقبلية- ديمقراطية على وجه الخصوص- ترفض إعادة النظر في مقترحات بشأن قضايا مثل الترتيبات الأمنيّة، وإعادة توطين اللّاجئين، والإصلاح السياسي الفلسطيني، والتنمية الاقتصادية الإقليمية في حال حملت ختم ترامب.

وبما أنّ فريق كوشنر يتعامل مع هذه القضايا بعطف عميق مع إسرائيل، فمن المحتمل أن يضرّ ذلك بالأفكار التي تبدو صديقةً للدولة اليهوديّة بشكلٍ خاص، ولهذا السبب آمل أن يعود نتنياهو إلى رشده ويفعل ما في وسعه لإفشال «صفقة القرن» قبل أن تصبح سياسة أميركية رسمية.

ومن بين جميع الشخصيات في هذه الكوميديا التراجيدية الناشئة، لا يُعتبر كوشنر أكثر الأشخاص إثارة للحيرة، وهو الأمر بالنسبة إلى محمود عبّاس، الذي يبدو أنه يؤدي دوره من دون أن يحيد عن الخط، مفضّلاً السير على الطريق المُتعِب المتمثل بالتماس قرارات الأمم المتحدة التي لا معنى لها والتّصفيق في العواصم الأوروبية،وفي المقابل فإن أكثر الشخصيات حيرة هي نتنياهو.

إنّ طول فترة حكم نتنياهو، الذي سيصبح قريباً صاحب أطول خدمة كرئيس وزراء، يعود لمزيج من المهارة السياسيّة الصارمة وكرهه الفطري للمخاطرة.

لا يمكن مقارنة أيّ زعيم ديمقراطي في عصرنا الحالي بنتنياهو، من حيث حنكته الطبيعية في معرفة كيفية الفوز بالانتخابات، حتى لو كان النصر ينطوي على المرور القريب بشكل خطير بجانب الحافة السياسية والقانونية والأخلاقية. ولم يسجّل أي قائد على الساحة العالمية اليوم النجاح الذي حقّقه نتنياهو في الجمع بين الدبلوماسيّة الجريئة والإبداعية والاستخدام المقيّد والحكيم للقوة العسكرية لتحسين الوضع الاستراتيجي لبلاده.

وفي ظلّ الظروف العادية، فإن آخر ما يريده نتنياهو هو قيام الرئيس الأميركي باقتراح خطة مفصّلة للحل الدائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، فهو الذي يجيد التدرجية والدبلوماسية التدريجية التي تختبر كل من النوايا الحقيقية للطرف الآخر والمرونة السياسية لمؤيديه الأساسيين، كان محقاً في الابتعاد عن «الأفكار الأميركية» الكبرى حول ما هو الأفضل لإسرائيل.

إذاً، لم يبدو نتنياهو متفائلاً بشأن خطة السلام المقبلة؟ ولماذا يبدو وكأنّه على استعداد لإضفاء الشرعية على سلسلة خطيرة من الحلول التي تقترحها الولايات المتحدة التي تدعي بأنها على معرفة بكل شيء، ولماذا يبدو أيضاً وكأنّه يرحّب، بل حتى يشجّع ترامب على اقتراح كان نتنياهو نفسه قد عارضه منذ فترة طويلة؟

ثمة الكثير من التفسيرات المحتملة، فبعد قرارات ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإفشال الصفقة النوويّة الإيرانية، فضلاً عن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، ربما ينظر نتنياهو إلى رئاسة ترامب على أنّها فرصة العمر لتحويل ميل الإدارة الأميركية الموالي لإسرائيل إلى سياسة رسمية للحكومة الأميركية.

وقد يكون نتنياهو واثقاً من احتمال إخفاق عباس كقائد، وأن الأخطاء الفلسطينية ستسمح لإسرائيل بضم أجزاء رئيسة من الضّفة الغربيّة من دون إثارة أي غضب في واشنطن أو معارضة كبيرة في العالم العربي. وربما يكون نتنياهو مثقلاً بمشاكله القانونية الخاصة، بحيث بات ينظُر إلى «صفقة القرن» كحزام نجاة سياسي.

وأياً كان السبب المنطقي، آمل أن يفوز «بنيامين المفكر الاستراتيجي» على «بنيامين المفكر التكتيكي السياسي»، وأن يستخدم أي أدوات متاحة تحت تصرّفه لإحباط «خطّة كوشنر» خلال الأسابيع القليلة المتبقيّة قبل أن يُعلن عنها ترامب باسمه.

وقد يتطلّب الأمر نداءً مباشراً إلى الرئيس الأميركي، أو حتّى حشد الدعم من شخصٍ يحترمه الرئيس- كالمانح الجمهوري البارز شيلدون أدلسون أو السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يهمس بأذن ترامب- لتوجيه النداء بالنيابة عنه، أمّا بالنسبة الى إسرائيل وأصدقائها، فتظلّ النقطة الأساسية على الشكل التالي: إنّ الطريقة الوحيدة لحماية الاستمرارية الطويلة الأجل لأفضل جوانب «خطة كوشنر» هي بإفشال الخطة.

*روبرت ساتلوف*

back to top