في بداية الألفية الجديدة، واجهت شويكار شبح الاعتزال، واعتبرت أن مشوارها خلال 40 عاماً، ارتقي بها إلى قمة التألق كممثلة ذات موهبة متفردة، ومن الطبيعي أن تقل الأدوار المعروضة عليها، لا سيما أن الكُتَّاب لا يهتمون بدراما كبار العمر، ويعتبرون حضورهم هامشياً في سياق الأحداث، رغم تراكم الخبرات ونضج الفنان في هذه المرحلة العمرية.

وكان من الصعب على دارسي فن التمثيل، أن يتجاهلوا عطاء هذه الممثلة الموهوبة، والتعلم من رحلة تألقها في الأدوار التراجيدية والكوميدية، وتلقائيتها الشديدة في الأداء، وإدراكها عمق الشخصية التي تؤديها، وكيف تحوَّلت الفتاة الجميلة إلى فنانة شاملة، وتألقت على خشبة المسرح وشاشة السينما، واكتسبت هذا الرصيد الجماهيري الكبير.

Ad

وفي المقابل، واجهت النجمة اختبارات صعبة، بين الحضور والغياب، ولكنها لم ترضخ لقانون العرض والطلب، وحافظت على إطلالتها المميزة على الشاشة، وأدت الأدوار التي تليق بموهبتها الكبيرة، وظلت نموذجاً للالتزام الأخلاقي والفني، وقدوة للأجيال الشابة، حتى لو اضطرت إلى التوقف لفترات طويلة، وعزاؤها أن كثيرين من محبيها يداومون الاتصال بها، ويبعثون إليها برسائل معبرة عن محبتهم وتقديرهم لإبداعها المتميز.

وإذا كانت شويكار دخلت الفن مصادفة، فإنها صقلت موهبتها الفطرية بالعلم والثقافة، وإجادة لغات أجنبية، وتعلمت كثيراً من عمالقة التمثيل، أمثال عبدالوارث عسر وعبدالمنعم مدبولي، وزوجها وأستاذها فؤاد المهندس، ولم يكن غريباً بعد مرور تلك السنوات المفعمة بالعطاء المتفرد، أن تصمد إزاء عاصفة التحولات التي داهمت الساحة الفنية، وتؤكد حضورها المتجدد في أعمال فنية متميزة.

ورفضت النجمة الجميلة أن تقامر بمكانتها الفنية، وتلفتت حولها لتجد بعض النجمات اعتزلن في ذروة نضجهن الفني، كهند رستم، ونادية لطفي ونجلاء فتحي، بينما أخريات تراجعت أسماؤهن في ملصقات الأفلام، وهذا الأمر جعلها تتمهل قبل الظهور في أي عمل سينمائي، لا سيما أنها ليست بحاجة إلى المال، ولن يرغمها أحد لتقدم تنازلات، وتهبط بمؤشر صعودها، ويحاصرها الندم على المشاركة في أعمال دون المستوى.

ألقت شويكار بالكرة في ملعب منتجي السينما ومخرجيها، وكيف يتجاهلون قامات فنية كانت على قيد الحياة، كالعملاق محمود مرسي ومريم فخر الدين ومديحة يسري ولا يصنعون لهم أعمالاً مماثلة لنجوم السينما العالمية، ومن بينهم كلينت إيستوود وميرل ستريب وتوم هانكس وكريستوفر بلامر، وبعضهم تخطى الثمانين من عمره.

اعتبرت شويكار أن كل ما يُقدم إليها لا يحترم تاريخها الفني، ولا يهتم المؤلفون سوى بالبطل أو البطلة فحسب، بينما بقية الأدوار هامشية، ما يُعرِّض الفنان للظلم، واهتزاز صورته إزاء جمهوره. ودفعها ذلك إلى رفض عشرات المسلسلات، منذ عام 2000، وظهورها في أعمال قليلة حتى عام 2012، عندما شاركت في مسلسل «سر علني» للمخرجة غادة سليم، وبطولة غادة عادل وصبري فواز ومايا نصري.

ابتعدت حسناء الشاشة عن السينما، وعاشت على ذكريات التألق والنجاح، وأدركت أن جيلها تعرض لظلم شديد، ولا يجد التقدير الكافي في الوقت الحالي، بينما ظل نجوم عمالقة أمثال ماري منيب ويوسف وهبي وفريد شوقي ورشدي أباظة يعملون حتى النهاية، ويتمتعون بحضور يليق بمكانتهم وسط النجوم الشباب، آنذاك، محمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمي وعادل إمام، ولكن الجيل الحالي من المؤلفين والمخرجين يتجاهل الرموز الفنية، باستثناء القليل منهم.

أحزان مريم

التقت شويكار في عام 2005 كوكبة من النجوم في المسلسل الكوميدي «مرات جوزي» تأليف نبيل غلام وإخراج حسن الصيفي، وأدت دور «تفيدة» إلى جانب نجمي الكوميديا وحيد سيف وهالة فاخر، كذلك وائل نور ومها أبوعوف وفؤاد خليل، ودارت القصة من خلال مفارقات كوميدية بين زوجة وضرتها تعيشان في منزل واحد، ورغبة كل واحدة في التخلص من الأخرى، بينما يمارس الزوج (وحيد سيف) خداعه لهما، ويرث الابن (وائل نور) صفات أبيه، ويلقي بشباكه على سيدة ثرية (هالة فاخر)، وتتوالى الأحداث.

وفي عام 2006، شاركت شويكار في عمل درامي واحد بعنوان «أحزان مريم»، تأليف سماح الحريري، وإخراج عمر عبدالعزيز، وبطولة ميرفت أمين وسوسن بدر وحسين الإمام ودنيا سمير غانم. تدور أحداثه حول مريم (ميرفت أمين) التي تزوجت دون العشرين من عمرها، وواجهت تعنت زوجها ومشاكلهما التي لا تنتهي، وبعد طلاقها تزوجت من رجل آخر، وأنجبت منه ولداً، وبوفاة زوجها الثاني، تحملت مسؤولية أسرتها الصغيرة.

ويعد «أحزان مريم» بداية العد التنازلي لظهور شويكار على الشاشة الصغيرة، واختفائها لأكثر من ستة أعوام لاحقة، وبات شبح الاعتزال على بعد خطوات من «الليدي» وآثرت المكوث في منزلها، والاهتمام بشؤونها الخاصة، وتمضية أطول وقت مع ابنتها وأحفادها، وهذا الأمر جعلها أكثر متابعة لما يُعرض من مسلسلات وأفلام، ومنحها الفرصة لتأمل واقع الساحة الفنية، وكيف تغير مناخ العمل في السينما والمسرح، وظهور نجوم جُدد، واعتبرت أن هذه سُنة الحياة.

وعرف عن شويكار دفاعها عن زملائها الفنانين، وايمانها بأن قيمة الفنان لا تقاس بحجم دوره، بل بموهبته وإجادته في تجسيد الشخصية، وثمة مسؤولية ملقاة على نقابتي المهن التمثيلية والسينمائية، والحفاظ على رموز السينما المصرية، ورفع قيمة معاش الفنان، كي لا يضطر إلى العمل في أفلام دون المستوى، لأنه الواجهة المشرفة لبلده، وضرورة النظر إلى تجربة بلدان كثيرة في التعامل مع فنانيها بما يليق بتاريخهم.في هوليوود، مثلاً، يصنعون أفلاماً لكبار النجوم، وتحقق نجاحاً كبيراً، وحتى الآن ما زالوا يحتفظون بنجوميتهم، أمثال آل باتشينو وروبرتو دي نيرو وديمي مور وروبرت دوفال ومايكل كين وغيرهم.

وهذا الأمر يفسر اختفاء النجمة الجميلة من شاشة السينما، وعدم تحايلها على عمرها الحقيقي، والتخفي مثل أخريات وراء أقنعة جراحات التجميل، لتقوم بأدوار الفتاة الصغيرة، وبقيت إطلالتها الساحرة في الدراما التلفزيونية، تثير إعجاب جمهورها، وتقديره لموهبتها الفارقة، وإخلاصها لفنها، وجرأتها في تجسيد أدوار الأمومة، بينما بعض نجمات جيلها تلاحقهن الانتقادات، وهن يجسدن دور المرأة الشابة، وبعضهن تخطين السبعين!

الجميلة والنقاد

منذ بدايتها الفنية عام 1960، لفتت شويكار الأنظار إلى موهبتها في التمثيل التراجيدي، وبعد ثلاث سنوات فقط، أصبحت نجمة كوميدية على خشبة المسرح، وبطلة لسلسلة من الأفلام مع زوجها، آنذاك، فؤاد المهندس، باستثناء بعض الأعمال التي قدمتها مع نجوم كوميديا آخرين، أمثال محمد عوض ومحمد رضا وأمين الهنيدي.

وطاولت شويكار سهام النقد، لكنها رأت أن ثمة نقاداً يفتقرون إلى الموضوعية في تناول العمل الفني، ويعتبرون الكوميديا نوعاً من التهريج، ويضعونه في المرتبة الثانية بعد التراجيديا، بينما إضحاك الجمهور يتطلب موهبة كبيرة، وقالت إن ثمة فنانين لا يمتلكون خفة الظل، وسنجد «الكوميديانات» يعدون على الأصابع، ولكل عصر نجومه، فقد جاء نجيب الريحاني وعلي الكسار وماري منيب، ثم فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، ولحق بهما محمد عوض وأمين الهنيدي، وظهر ثلاثي أضواء المسرح عادل إمام وسعيد صالح ومحمد صبحي، ومن الجيل الحالي ياسمين عبدالعزيز ومحمد هنيدي وأشرف عبدالباقي وأحمد حلمي.

وظهرت شويكار في مرايا النقاد، وعبر أقلام أنصفت فن الكوميديا، مثل «المضحكون» الكاتب الساخر محمود السعدني وكتابة {المضحكون}، لكنه تناول النجوم الرجال فحسب، وأغفل نجمات هذا اللون الدرامي، بينما خصص الناقد محمود قاسم في كتابه «أبطال الضحك» فصلاً كاملاً بعنوان «نساء مضحكات» ومنهن زينات صدقي وماري منيب وشويكار ونبيلة السيد وغيرهن، ورأى أن ثمة ممثلات لم تكتشف مواهبهن الكوميدية، مثل هند رستم ومريم فخر الدين، متسائلاً: «هل الكوميديا فن قائم للرجال وحدهم، وهل المسرح وسيط درامي كوميدي أفضل بكثير من السينما؟».

بالطبع كانت شويكار حالة استثنائية، ومن خلال حواراتها الصحافية، ألمحت أكثر من مرة إلى أنها لم تتصور يوماً أن تكون ممثلة كوميدية، ولا شك في أن هذا جاء عن طريق نجاحها في المسرح، فأدوارها الأولى في السينما لم تكن تشير إلى أنها ستكون إحدى أهم نجمات الكوميديا على الشاشة وخشبة المسرح المصري، وتصبح أول ممثلة كوميدية تجمع بين جمال الشكل وخفة الظل، وقادرة على تجسيد أدوار المرأة الأرستقراطية والشعبية.

ورصد قاسم التحولات التي مرت بها شويكار، وبداياتها في الأدوار الجادة من خلال فيلم «حبي الوحيد» و{غرام الأسياد» و{أدهم الشرقاوي» ثم الممثلة الكوميدية في أفلام عدة مع الفنان فؤاد المهندس، وقد شكل هذا الثنائي ظاهرة متميزة في عالم الكوميديا في الستينيات، وتهافت عليهما المخرجون في السينما والمسرح والإذاعة.

وتألقت شويكار في الأفلام المأخوذة عن الدراما الإذاعية، مثل «شنبو في المصيدة» و{العتبة جزاز» و{أنت اللي قتلت بابايا» واعتمدت على كوميديا اللفظ. بل إنها تحوَّلت إلى مؤلفة «أفيهات» في كواليس هذه الأعمال، واقترحت على المؤلفين إضافة بعض العبارات التي اشتهرت بها، وبقيت في ذاكرة جمهورها، وحققت حضورها في فضاء خصب للكوميديا مع شريك رحلتها الفنية فؤاد المهندس، ومن خلال نصوص تعتمد على المفارقات المضحكة، واعتبرت أن موهبة الممثل ليست كافية وحدها لتحقيق النجاح، ولا تدري سبباً لتراجع الكتابة الكوميدية في الوقت الحالي، والاتجاه إلى المغالاة في دراما «الأكشن» المليئة بمشاهد العنف، وتأثيرها السلبي في المجتمع.

الأم الإيطالية تثير أزمة حول أجرها في «بنت من شبرا»

بدأت شويكار رحلتها في السينما بأجر 500 جنيه عن دورها في فيلم «حبي الوحيد» 1960، وتضاعف ليصل إلى ألفي جنيه خلال فترة الستينيات، وتقاضت عشرة جنيهات عن الحلقة في الإذاعة، بينما لم تفصح عن أجرها في المسرح خلال عملها مع فؤاد المهندس، بداية من «أنا وهو وهي» 1963 حتى آخر لقاء بينهما في مسرحية «مراتي تقريباً» 1990.

وفي حوار معها، قالت إنها كانت نجمة في المسرح، وبطلة في السينما، بما يدل على أن ثمة فارقاً في الأجر بين النجمة والبطلة. ولكنها على مدار نحو 44 عاماً من مشوارها الفني لم تتطرق إلى أزمة حول أجرها، وترفعت عن إثارة خلافات مع المنتجين، رغم الفارق الشاسع في الأجر بين دور البطولة المطلقة وبقية الأدوار، مهما كانت محورية ومؤثرة في السياق الدرامي للمسلسل أو الفيلم.

إلا أن «الليدي» اضطرت إلى إثارة أزمة حول أجرها، عندما بدأت العمل في مسلسل «بنت من شبرا» 2004، وهدَّدت بالانسحاب من بطولته، ووضعت المسؤولين عن الإنتاج في مأزق، وأصرت على عدم تقديم تنازلات، وأنها طوال حياتها لا تهتم بالنواحي المادية، ولكنها في هذا الموقف تدافع عن تاريخها الفني، وتعبر عن اعـــتزازها بذاتهـــــا، وأنهـــــا ما زالت نجمة ولها رصيد جماهيري كبير.

وفي حوار معها، قالت إنها شعرت بالإهانة عندما طالبت بأجر 7000 آلاف جنيه عن الحلقة، وفوجئت بأن الشركة المنتجة حدَّدت 1500 جنيه فقط، ما دفعها إلى تصعيد الأزمة، وألقت الكرة في ملعب الإنتاج والمخرج جمال عبدالحميد والسيناريست مصطفى إبراهيم، وأخبرتهم أن موقفها ليس تعنتاً، بل لتحافظ على مكانتها الفنية.

وبرهنت شويكار على موقفها، بأنها ليست مفلسة أو في حاجة إلى المال، خصوصاً أنها سافرت على نفقتها الشخصية إلى إيطاليا، واشترت الملابس والأكسسوارت اللازمة للشخصية، ومكثت هناك أسابيع عدة، تدربت خلالها على اللهجة الإيطالية، ولكن المشكلة في عدم تقدير المسؤولين لها، ومعاملتها كأنها ممثلة درجة ثالثة، وانتهى الخلاف بالموافقة على طلباتها، واستأنفت تصوير المسلسل.

كانت شويكار تحمست للمشاركة في بطولة «بنت من شبرا»، لا سيما أنه مأخوذ عن قصة للأديب فتحي غانم وإخراج المخرج المتميز جمال عبدالحميد، وتعود به إلى جمهورها، بعد فترة غياب، وتقوم بدور الأم الإيطالية إلى جانب كل من النجمة ليلى علوي وعزت أبوعوف وأشرف عبدالغفور، وتدور أحداثه في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

وحقق «بنت من شبرا» نجاحاً كبيراً عند عرضه في خريطة الدراما الرمضانية، وقدمت شويكار دوراً من أروع أدوارها على الشاشة الصغيرة، وتلقت إشادة الجمهور والنقاد على تجسيد شخصية الأم «ماتيلدا» والدة «ماريا» (ليلى علوي) الإيطالية الجنسية التي عاشت في مصر طفولتها وشبابها، وأقامت في حي شبرا بالقاهرة، ثم سافرت إلى إيطاليا حيث عاشت فيها سنوات طويلة، أنجبت خلالها ابنتها وبعد بضعة أعوام، عادت بابنتها إلى حي شبرا، وتتوالى الأحداث.

البقية في الحلقة المقبلة .....