حققت شويكار المعادلة الصعبة، وباتت إحدى الفنانات القليلات اللواتي يُجدن التمثيل الكوميدي والتراجيدي في آن، من دون أن يفقدن مصداقيتهن لدى جمهورهن. ولا شك في أن المصادفة التي جمعتها في بداية مشوارها الفني بالعملاقين فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، كتبت تاريخاً جديداً للفتاة الجميلة، وصنعت منها نجمة كوميدية، وفنانة شاملة خطفت الأضواء في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية. لم تنس شويكار أن 1963، كان بالنسبة إليها عاماً فارقاً في حياتها الفنية، عندما وقفت لأول مرة على خشبة المسرح إلى جانب النجم الكبير فؤاد المهندس في مسرحية «أنا وهو وهي» تأليف عبدالمنعم مدبولي وإخراجه، والأخير رشحها لدور البطولة بعدما قرأت دورها في قاعة التمرينات، وأدرك أن لديها موهبة كوميدية جديرة بالاهتمام، واكتشف أن صوتها منغماً، وتنطق الكلمات المنثورة بإيقاع شعري وتنبئ بمشروع نجمة كبيرة.
في ذلك الوقت كان عبدالمنعم مدبولي أحد أبرز نجوم الكوميديا، وتعددت مواهبه بين التمثيل والإخراج والتأليف، وكوَّن مع رفيق دربه فؤاد المهندس ثنائياً ناجحاً من خلال البرنامج الإذاعي الشهير «ساعة لقلبك» ونضجت تجربتهما عبر مسرح التلفزيون وفرقة «الفنانين المتحدين». وكانت شويكار أحد اكتشافات مدبولي المهمة، وهو من نجوم الكوميديا القلائل الذين لم يستأثروا بالبطولة المطلقة على المسرح، بل صنع نجومية كثير من زملائه وتلامذته، فقد منح الفرصة لعادل إمام والضيف أحمد في «أنا وهو وهي»، ووقف إلى جانب سعيد صالح في «هالو شلبي»، وأحمد بدير في «ريا وسكينة»، وغيرهم...اعتبرت شويكار أنها سعيدة الحظ بلقاء معلمها الأول عبدالمنعم مدبولي، وبعد نجاح مسرحية «أنا وهو وهي» قدَّمت معه خلال فترة الستينيات «السكرتير الفني، وحالة حب، والوصية، وحواء الساعة 12». وفي السينما «أشجع رجل في العالم، ومطار الحب» 1968.والتقت شويكار مع مدبولي في فيلم «شباب يرقص فوق النار» 1978، تأليف فيصل ندا وإخراج يحيى العلمي، وشارك في بطولته كل من عادل إمام ومحمود عبدالعزيز ويسرا وصفاء أبو السعود. دارت أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي، حول الموظف البسيط حنفي (عبدالمنعم مدبولي) وحرصه على تعليم أولاده الثلاثة، وبعد التخرج يصبحون في مفترق الطرق، وتتوالى الأحداث.وكادت شويكار تلتقي صانع نجوميتها مرة ثانية في المسرح، ولكنها اعتذرت عن دور «سكينة» في مسرحية «ريا وسكينة» للمؤلف سمير خفاجي والمخرج حسين كمال، والتي شارك في بطولتها كل من عبدالمنعم مدبولي وشادية وسهير البابلي وأحمد بدير وسميحة توفيق، ولاقت نجاحاً منقطع النظير حين عُرضت في عام 1983.وظلت شويكار تحلم بعمل فني جديد مع مدبولي والمهندس، ولكن التيار جرفهم إلى مسارات متفرقة، وبقيت الصداقة تجمع «الثلاثي» المتفرد في فن الكوميديا، ويلتقون في مناسبات متفرقة، وتبدد الحلم بغياب أحد رموز الفن العربي، وأستاذها الأول في 9 يوليو 2006.
النظارة السوداء
لم تفق شويكار من صدمة رحيل عبدالمنعم مدبولي، حتى تلقت ضربة موجعة بوفاة أستاذها ورفيق مشوارها الفني فؤاد المهندس في 16 سبتمبر 2006. ظهرت في الجنازة متشحة بالسواد وترتدي نظارة سوداء، وكانت الدموع تنهمر من عينيها، وتحاول التماسك إزاء ومضات آلات التصوير التي تلاحقها من كل اتجاه، وكانت إحدى أصعب لحظات حياتها، وابتهلت إلى الله أن يعينها على فراق فؤاد المهندس. استقر الحزن النبيل في أعماق «الليدي» وتحوَّل صمتها إلى شريط سينمائي يموج بالذكريات، وتتابعت المشاهد، وتزاحمت الصور، ولم تسعفها الكلمات للتعبير عن قسوة الفقد لحبيب العمر، والأستاذ شريك رحلتها الفنية، وعملاق الكوميديا، وكيف رافقته في اللحظات الأخيرة، ولم تصدق خبر وفاته، وعزاؤها أنه حاضر دائماً في قلبها، وقلوب الملايين من محبيه وعشاق فنه الراقي في مصر والعالم العربي. تعلَّمت شويكار من المهندس في الحياة والفن، وعندما تزوجته في عام 1963، شعرت بأنها وجدت الحب الذي تبحث عنه، وتناغم تألقهما في المسرح والسينما مع حالة التوافق الوجداني في عش الزوجية، ورغم عدم إنجابها منه، فإنها اعتبرت ولديه محمد وأحمد من زوجته الأولى ولديها، وبدوره كان يغدق الحنان على ابنتها منة الله، وتوثقت الروابط بين الأولاد منذ طفولتهم وما زالت مستمرة حتى اليوم.وخلال أكثر من 40 عاماً، تنوعت علاقة «الليدي والأستاذ» بين الحب والزواج والصداقة والتعاون الفني، وما زالت أعمالهما حاضرة في ذاكرة الأجيال، ولا يمكن ذكر شويكار من دون أن يقفز إلى الأذهان اسم النجم الراحل فؤاد المهندس، ومسيرتهما الحافلة بروائع المسرح الكوميدي، مثل «حواء الساعة 12، وحالة حب، وسيدتي الجميلة، وإنها حقاً عائلة محترمة». وفي السينما «شنبو في المصيدة، وإنت اللي قتلت بابايا، والعتبة جزاز، وأرض النفاق»... وغيرها من أعمال رائعة. ورغم انفصال شويكار والمهندس في عام 1983، وبعد زواج دام نحو 20 عاماً، فلم يبح أحدهما بسر الخلاف الذي أفضى إلى الطلاق، وظل الأمر لغزاً يحير المقربين منهما، ولكن صداقتهما وزمالتهما الفنية، بقيت قائمة حتى غياب الأستاذ، وما زالت «الليدي» تعيش على ذكرياتها معه، وأجمل سنوات العمر.«سيدتي الجميلة» صحافية تحت التمرين
دخلت شويكار إلى عالم التمثيل مصادفة، ولكنها بعد تخرجها في الجامعة، تمنت أن تعمل في مجال الصحافة، وتصبح صحافية مرموقة مثل روز اليوسف وأمينة السعيد وسكينة السادات وحُسن شاه وغيرهن. ولكن لقاءها بالمنتج السينمائي جمال الليثي، غيَّر من مسار حياتها بعدما عرض عليها التمثيل في فيلم من إنتاجه، وظهرت الفتاة الجميلة في أول أدوارها على الشاشة بفيلم «حبي الوحيد» 1960 للمخرج كمال الشيخ، وبمرور الوقت تلاشى حلمها في العمل بمهنة المتاعب. وكان 1968 أحد الأعوام الفارقة في حياة شويكار، وبلغت ذروة تألقها الفني بعد أن قدمت على مدى ثمانية أعوام أفلاماً كثيرة ومسرحيات ناجحة، ووصلت إلى أهم محطاتها في المسرح، عندما شاركت فؤاد المهندس بطولة مسرحية «سيدتي الجميلة» ولاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً. وفي غمار هذا النجاح، تعرضت النجمة الجميلة للإجهاد الشديد، وتوقفت مسرحية «سيدتي الجميلة» بعد عرضها لأشهر قليلة، وسافرت شويكار إلى لندن لتلقي العلاج، ونصحها الأطباء بالراحة التامة، وعدم الوقوف إزاء أضواء الكاميرا، والمكوث لساعات طويلة في الاستديو، وعادت «الليدي» من عاصمة الضباب، وشبح الاعتزال يطاردها، ولا يمنحها فرصة التفكير في الأيام المقبلة. ورفض زوجها آنذاك فؤاد المهندس، استئناف عرض مسرحية «سيدتي الجميلة» كي لا تتعرض شويكار لمضاعفات صحية، وبدأ التحضير مع المؤلف والمنتج سمير خفاجي لعمل جديد، وكان الأخير رشح السندريلا سعاد حسني لعمل مسرحي تقوم ببطولته، وتصاعد الخلاف بين «الليدي» وخفاجي، وفي ذلك الوقت شنت شويكار هجوماً شديداً عليه في حواراتها الصحافية.وفي غمار تلك الأزمة، قررت النجمة الجميلة اعتزال التمثيل، والاتجاه إلى عمل آخر، وفوجئ جمهورها بخبر نشرته مجلة «آخر ساعة» المصرية، أحد إصدارات دار أخبار اليوم العريقة، في عددها الذي يحمل رقم 1758 عام 1968، وكان مضمونه أنها عملت صحافية تحت التمرين في المجلة، وفعلاً أمضت في صالة تحريرها أسبوعين فقط، وأنها تركت أضواء الكاميرا وحرارة الاستوديوهات، لتمتهن مهنة البحث عن المتاعب.لم تفصح شويكار عن سر هذا التحول المفاجئ، وهل وافق زوجها، في ذلك الوقت، فؤاد المهندس على امتهانها الصحافة واعتزالها التمثيل، وظل الأمر لغزاً محيراً، والنجمة السينمائية تغادر منزلها كل يوم إلى مقر مجلة «آخر ساعة» وتجلس في صالة التحرير مع زملاء من مهنة أخرى، وتستبدل بأوراق السيناريو والنصوص المسرحية أوراقاً وأقلاماً لكتابة الأخبار والتحقيقات الصحافية، ولا شك في أن المغامرة استهوتها أياماً عدة، وباتت على أعتاب مرحلة جديدة في حياتها. تركت شويكار أضواء الشهرة والنجومية، لتبحث عن النجاح في بلاط صاحبة الجلالة، وتحقق حلماً قديماً في أن تصبح صحافية متميزة، إذ كانت قارئة جيدة لكل المجلات والصحف. ولكن بعد أسبوعين فقط، انقطعت الصحافية تحت التمرين عن الذهاب إلى «آخر ساعة» وأخفق زملاؤها الجُدد في الاتصال بها، ومعرفة أسباب غيابها عن المجلة، وعندما عثروا عليها، قالت لهم: «إن حرارة الاستوديوهات أرحم ألف مرة من العمل في الصحافة، فهي حقاً مهنة المتاعب».
«الليدي» تقرأ فنجان «عروس النيل» في موقع التصوير
ارتبطت شويكار بصداقات قوية مع بعض زميلاتها في الوسط الفني، ومنهن ميرفت أمين وصفية العمري ولبني عبدالعزيز، ورغم ابتعاد الأخيرة عن التمثيل فترة طويلة، فإن علاقتهما ظلت ممتدة أثناء إقامة بطلة «الوسادة الخالية» خارج مصر، ودائماً تتبادلان الاتصال الهاتفي، وتتحدثان عن ذكرياتهما في أعمالهما السينمائية خلال الستينيات من القرن الماضي. وجاء التوافق بين النجمتين لتشابه نشأتهما الأرستقراطية وميولهما الفنية، فقد تخرجت لبني عبدالعزيز في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وحصلت على ماجستير في التمثيل من جامعة كاليفورنيا في ولاية لوس أنجلس الأميركية، بينما شويكار أتمت دراستها الجامعية، وحصلت على دبلوم في الأدب الفرنسي، وهما تجيدان التحدث باللغتين الإنكليزية والفرنسية. وفي لقاء تلفزيوني أخير مع لبنى عبدالعزيز، كشفت النجمة السمراء الجميلة عن صداقتها بشويكار، وأنها أقرب صديقة إليها في الوسط الفني حتى الآن، وأوضحت أنها التقت بها لأول مرة في فيلم «غرام الأسياد» عام 1961 الذي أخرجه المنتج رمسيس نجيب، وشاركهما البطولة كل من عمر الشريف، وأحمد مظهر، والفنانة الكبيرة دولت أبيض. دارت أحداثه حول نور (لبني عبدالعزيز)، ابنة سائس خيول يعمل لدى أحد الأثرياء، وتتعرض لمضايقات عصام ابن الثري (عمر الشريف) فتفر هاربة من البيت، وتقيم عند «لولو» مصممة الأزياء (شويكار)... وتتتابع الأحداث. كذلك كان لقاء النجمتين في فيلم «عروس النيل» عام 1963 للمخرج فطين عبدالوهاب، وكان هذا الشريط السينمائي فكرة لبني عبدالعزيز، وسيناريو كامل يوسف، وشاركت في بطولته مع كل من شويكار ورشدي أباظة وعبدالمنعم إبراهيم والضيف أحمد وعبدالخالق صالح. دارت أحداثه في إطار كوميدي خيالي، حول مهندس بترول يعمل في مدينة الأقصر (أقصى جنوب مصر)، ويرى في الحلم عروس النيل «هاميس» التي جاءت من عصر الفراعنة، وتطارده من مكان إلى آخر.وفي عام 1964، تجدَّد لقاء الليدي بالنجمة السمراء في فيلم «أدهم الشرقاوي» للمخرج حسام الدين مصطفى، وشارك في بطولته الفنان الكبير عبدالله غيث في دور «أدهم»، بينما جسدت لبنى عبدالعزيز شخصية ابنة عمه «سلمى»، في حين قامت شويكار بدور «ابنة الباشا»، ومعهم كوكبة من النجوم، كسميحة أيوب وصلاح منصور وتوفيق الدقن وعبدالوارث عسر ومحمد رضا، وتولى الغناء العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ. ويحكي هذا الشريط السينمائي سيرة بطل شعبي اشتهر بـ{روبين هود العرب».وتعدَّدت المواقف الطريفة التي جمعت بين النجمتين المحبوبتين أثناء تصوير هذه الأفلام، وكانت شويكار تقتحم غرفة صديقتها لبنى عبدالعزيز في الاستوديو، وتسألها عن أخبارها، وتخرجها من حالة التوتر التي تصيبها خلال تمثيل بعض المشاهد، وتلقي عليها بعض النكات، وتقرأ لها الفنجان، وما زالت النجمة السمراء تتذكر خفة ظل «شوشو» أقرب صديقاتها في الوسط الفني.