هل تخفف الصين الضغط الأميركي على إيران؟
مع ممارسة إدارة ترامب الضغط الأقصى على إيران، الذي تجلى من خلال قرارها عدم تمديد الإعفاءات التي منحتها سابقاً لمستهلكي نفط طهران الأساسيين، يبلغ التوتر بين الولايات المتحدة وإيران مستويات غير مسبوقة خلال العقود الأخيرة، وبغية التخفيف من العبء الملقى على كاهلها، قد لا تعوّل إيران على الصين بصفتها أبرز مشتري نفطها، لكن بكين قد تبقى جزءاً رئيساً من الحل بهدف الحد من تأثير العقوبات الصارمة. لا تُعتبر التدابير الأميركية الرامية إلى الحد من التفاعل بين إيران والصين جديدة، إذ تعود هذه السياسات إلى ثمانينيات القرن الماضي حين عارضت واشنطن بشدة صفقات بيع الأسلحة الصينية إلى إيران التي كانت منهمكة آنذاك بخوض حرب طويلة شنتها ضدها جارتها العراق. كذلك نجح الضغط الأميركي على الصين منتصف تسعينيات القرن الماضي بسبب تعاونها النووي مع إيران في وقف هذا التعاون بالكامل، ولكن رغم كل التقلبات حافظت الصين وإيران بمرور الوقت على علاقة وطيدة عموماً.في ظل الظروف العالمية الراهنة، نشهد إعادة صوغ للمثلث الأميركي-الإيراني-الصيني، وتقترب بكين وواشنطن تدريجياً من التوصل إلى تسوية في حربهما التجارية، علماً أن هذه خطوة مهمة بالنسبة إلى الصين، وتشمل أجندة هذه المحادثات طلب الولايات المتحدة أن تتوقف الصين عن شراء النفط الإيراني، وإذا عُقدت هذه التسوية، فقد تشكّل الصفقة التجارية الأميركية-الصينية ضربة للعلاقات بين طهران وبكين ولصادرات نفط إيران الخام إلى مستهلكها الرئيس، ولكن مع التبدلات الأخيرة في مواقف الولايات المتحدة والصين في المحادثات التجارية، يبقى التوصل إلى نهاية فورية لحربهما التجارية غير مرجح. رغم ذلك، يعتمد الكثير على كيفية التزام الصين بالشروط التي فرضتها الولايات المتحدة على شراء النفط من إيران، فلبكين سجل طويل من ردود الفعل المعقدة تجاه الأزمات الدولية، وخصوصاً تلك التي تشمل الولايات المتحدة، ومن الأمثلة الأحدث موقف الصين من انفتاح ترامب على القائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون وكيف ولد لدى الرئيس الأميركي مشاعر مختلطة من الشعور بالامتنان والانتقاد.قد يؤدي التضييق على صادرات النفط الإيرانية إلى تداعيات سياسية وأمنية إضافية أيضاً، منها توترات جديدة متوقعة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز الاستراتيجي. تستورد الصين نحو نصف نفطها من الخليج العربي، مما يعني أن أي خلل في نقل النفط الخام هناك قد يكلّف بكين غالياً. بالإضافة إلى ذلك، في أسوأ سيناريو ممكن، قد تقود الاضطرابات المحتملة في إيران الناجمة عن الضغط الإيراني إلى إلحاق الضرر بالمصالح الصينية. وإذا تأملنا هذه المسألة من بعيد، نرى أنها قد تؤدي إلى تبدل في ميزان القوى في الشرق الأوسط بما لا يناسب مصالح الصين، فقد يؤثر عدم الاستقرار في المنطقة في عائدات بكين من مشروعها الدولي الضخم، مبادرة الحزام والطريق، الذي يشمل عدداً من أمم الشرق الأوسط. في المقابل، بحفاظها على وارداتها النفطية من إيران مع إبقاء هذه الواردات عند أدنى مستوى ممكن، تنجح بكين في صون قدرتها على التأثير في طهران، أما إذا أُوقفت هذه الصادرات بالكامل وخسرت بكين بالتالي مكانتها كشريك طهران التجاري الأبرز، فسيتراجع نفوذ الصين، علاوة على ذلك، قد يشكّل استمرار واردات الصين من إيران وسيلة تشجّع الجمهورية الإسلامية على عدم التخلي عن خطة العمل المشتركة الشاملة، علماً أن هذه الصفقة وعدت بمنح قيمة كبيرة لسياسة الصين الخارجية المتعددة الأطراف، وضمن هذا الإطار عينه وفي تجاهل للضغوط الأميركية، قررت الصين في الأشهر الأخيرة زيادة كميات النفط التي تشتريها من إيران.
بغض النظر عن كل ما تقدّم، تستطيع طهران رغم ذلك أن تتوقع أن تشكّل بكين جزءاً مهماً من استراتيجيتها لمحاربة ضغط واشنطن المتواصل، فمن المرجح أن تتجاهل الصين تدابير الولايات المتحدة العقابية التي تفرضها على التجارة مع إيران، إلا أن هذا التعامل سيظل عند حده الأدنى ودون العتبة بقليل، حرصاً منها على عدم مواجهة أي عقوبات. إذاً لا يزال بإمكان إيران أن تعلق آمالها على الصين بصفتها صمام الأمان، إنما هو صمام قد يكون أقل استعداداً من المتوقع لتعزيز الدعم.* محسن شارياتينيا*«المونيتور»