أصدر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون تحذيراً قاتماً وجهه إلى إيران، وأعلن أن الولايات المتحدة ستنشر مجموعة حاملة الطائرات أبراهام لنكولن وقوة من قاذفات القنابل في الخليج العربي بغية "توجيه رسالة واضحة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائنا سيُجابه بقوة شديدة"، وأضاف أن الولايات المتحدة "لا تسعى وراء الحرب مع النظام الإيراني"، إلا أنها "مستعدة بالكامل للرد على أي هجوم".

في جهد إضافي لتعزيز الضغط على النظام، صنّفت إدارة ترامب أيضاً حرس الثورة الإيراني منظمة إرهابية، علماً أن هذه أول مرة تُصدر فيها واشنطن تصنيفاً مماثلاً ضد أحد مكونات حكومة أمة أخرى، فرد مجلس الشورى الإيراني بتمرير قانون وقّعه الرئيس حسن روحاني يعتبر هذا القانون كل الجنود الأميركيين في الشرق الأوسط إرهابيين ويصنف حكومة الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب.

Ad

في المقابل، يبدو أن القادة الإيرانيين يدرسون خطوات لاستئناف برنامج إيران النووي، فلا تزال إيران حتى اليوم ملتزمةً بحدود الصفقة النووية بشأن تخصيب اليورانيوم وغيره من النشاطات المحظورة، مع أنها لم تحصد سوى القليل من الفوائد الاقتصادية التي وُعدت بها ضمن إطار هذا الاتفاق.

بدا هدف طهران خلال السنة الماضية المضي قدماً بما أُتيح لها، مستغلة الاستياء الدولي دبلوماسياً للتصدي للعقوبات الأميركية، وانتظار تغيير النظام في واشنطن بعد انتخابات عام 2020، لكن الإجماع السياسي بين النخب الإيرانية بشأن مواصلة التمسك بالقيود النووية ينهار على ما يبدو.

مع اقتراب الذكرى الأولى لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، أدت دوامة الفعل ورد الفعل التي أطلقتها الإدارة الأميركية بسبب حملة الضغط الأقصى التي تمارسها إلى وضع شديد الخطورة، وضع يزداد فيه خطر المواجهة العسكرية يومياً.

إذا تفاعلت إيران أو المجموعات التابعة لها مع الضغط الأميركي بطريقة تؤدي إلى إراقة دماء أميركية أو توجّه ضربة قوية إلى بنية النفط البالغة الأهمية في المنطقة، فمن الممكن أن تخرج المسائل عن السيطرة بسرعة.

بخلاف السنوات الأخيرة من عهد أوباما، لا تتوافر راهناً خطوط تواصل رفيعة المستوى بين واشنطن وطهران لإدارة الأزمة. ويبدو المتشددون من شتى الأطراف متعطشين للقتال ويبحثون عن فرص لتصعيد التوتر بدل التهدئة.

إذا لم يطرأ أي تبدّل على الأوضاع، لا يريد ترامب على الأرجح حرباً أميركية أخرى في الشرق الأوسط، ولكن إذا استمددنا العبر من الماضي، نتوقع أن يدفعه حدسه إلى الرد على أي استفزاز إيراني بخطاب عدائي يصب الزيت على النار، ومن السهل أيضاً تخيُّل أن يقود سلوك إيران إلى ضغط سياسي حاد من المتبرعين اليمينيين الداعمين للرئيس، وصقور الكونغرس، والحلفاء الإقليميين يدفع ترامب إلى شن عمل العسكري، علماً أن هذه القوى ذاتها التي ضغطت على ترامب للانسحاب من الصفقة الإيرانية.

ما عاد الرئيس محاطاً بمستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وغيرهما من السياسيين المتزنين الهادئين، على العكس، يحيط نفسه اليوم بمستشارين مثل بولتون، فضلاً عن وزير الخارجية مايك بومبيو الذي لطالما دعا إلى حرب ضد إيران.

يبدو أن مستشاري ترامب يفكرون اليوم في هذه النتيجة بالتحديد وفي مبرراتها القانونية المتاحة. خلال جلسة استماع الشهر الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، سأل السيناتور الجمهوري راند بول بومبيو عما إذا كان تفويض استعمال القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة والقوات التابعة لها في عام 2001 يمنح إدارة ترامب صلاحيات السير إلى الحرب مع إيران. رفض بومبيو تقديم جواب واضح مباشر، إلا أنه قال إن إدارة ترامب تعتقد أن ثمة رابطا بين إيران وتنظيم القاعدة.

ما يزيد الطين بلة أن استئناف إيران نشاطاتها النووية سيدفع إسرائيل، كما نتوقع، إلى العودة إلى تهديداتها بتنفيذ عمل عسكري والتي اعتدناها بين عامَي 2009 و2012، لكن الولايات المتحدة في هذه المرحلة ستشجّع الضربات الإسرائيلية على الأرجح بدل أن تسعى إلى كبحها، فقد كان دعم ترامب لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو راسخاً وغير مشروط.

لكن كل هذا يقودنا إلى لحظة بالغة الخطورة، وقبل أن تخرج المسائل عن السيطرة، من الحكمة أن تضبط الإدارة الأميركية خطابها، وتفتح قنوات رفيعة المستوى مع طهران، وتعرب عن استعدادها للعودة إلى الصفقة النووية كنقطة انطلاق في مفاوضات جديدة، لكن احتمال أن تسلك الإدارة هذا الدرب معدوم. على العكس، تراهن بكل ما تملك على استراتيجية الضغط الأقصى. وثمة أدلة متراكمة على أنها تسير نحو الحرب، سواء أدرك ترامب ذلك أم لا.

*«كولن كال»