برزت مسألة مهمة في مرحلة ما بعد الانتخابات في أوكرانيا، ففي مقابلة مقلقة لأندريه بوهدان، محامي الرئيس المنتخب فلاديمير زيلنسكي، حافظ أسراره، ومستشاره السياسي، كشف أنه ما زال يعمل محامياً لرجل الأعمال الثري إيهور كولومويسكي في مسألة تأميم "برايفت بنك"، لكن هذا التأكيد، إذا قبله الرئيس المنتخب، يشكل خطراً كبيراً يهدد أجندة الإصلاح في عهد زيلنسكي.اعتُبرت عملية تأميم "برايفت بنك" في أواخر عام 2016 خطوة مهمة لاستمرار القطاع المصرفي في أوكرانيا، فكشفت عمليات التدقيق في موقف هذا المصرف المالي أنه كان يعاني عجزاً ضخماً مقارنة برسملته. وكان سبب ذلك قروضاً متعثرة وصلت قيمتها إلى مليارات الدولارات، بالإضافة إلى ذلك، مُنحت نسبة كبيرة جداً من هذه القروض المتعثرة إلى شركات يديرها المساهمون في المصرف، وخصوصاً إيهور كولومويسكي (49%) وهيناديه بوهولوبوف (49%)، لذلك احتاج "برايفت بنك" إلى عملية إعادة رسملة ضخمة نفذها المصرف المركزي الأوكراني بموجب اتفاق سلّم هذا المصرف إلى الدولة. نتيجة لذلك، لاحقت الدولة كولومويسكي وغيره من المساهمين بغية استعادة مبالغ ضخمة من المال سُحبت من المصرف.
حجم الأموال المرتبطة بإخفاق هذا المصرف ضخم، فكشفت عملية التدقيق عن نقص في رأس المال بلغ 5.65 مليارات دولار، ويهدد نقص مماثل إيداعات أكثر من 20 مليوناً من عملاء المصرف. وبما أن "برايفت بنك" المصرف التجاري الأكبر في أوكرانيا، فلا شك أن انهياره يؤدي إلى تداعيات مهولة على النظام المصرفي ويؤثر سلباً في عملية التعافي الاقتصادي الهشة. نتيجة لذلك، اعتبر صندوق النقد الدولي إعادة هيكلة هذا المصرف خطوة بالغة الأهمية لأنه هدد استقرار أوكرانيا المالي، وقد شكّلت الأموال الإضافية التي استلزمتها إعادة الهيكلة هذه نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في البلد، لذلك يمثل الإخفاق في استعادة أي من الخسائر التي تسبب بها المساهمون السابقون ثقلاً كبيراً يُضاف إلى عبء الدين الصخم الملقى على كاهل أوكرانيا.لكن كولومويسكي نجح أخيراً في الحصول على حكم صادر عن محكمة دنيا يقضي بأن عملية تأميم "برايفت بنك" غير مشروعة، واستأنف وزير المال والمصرف المركزي الأوكراني هذا القرار أمام محكمة أعلى، وشكّل هذا الحكم أيضاً محور اجتماع لمجلس الأمن الوطني دعا إليه الرئيس بوروشينكو، وبما أن هذا الحكم صدر عن قاضٍ يُشتبه في تقاضيه رشوة في السابق، تحوم شكوك كثيرة حول مصداقيته، ونظراً إلى حجم الفساد المتفشي في النظام القضائي، ثمة احتمال أن يكون حكم المحكمة الأعلى غير نزيه أيضاً.في ظل ظروف مماثلة، يجب أن يكون موقف الرئيس المنتخب زيلنسكي حازماً، ومن الضروري أن يبعد محامي كولومويسكي، بوهدان، عن أي قرار يُتخذ في الأوساط المحيطة به بشأن "برايفت بنك"، ويمثل أي دور يواصل بوهدان تأديته في هذه المسألة تضارباً واضحاً وجلياً في المصالح. ومن المؤكد أن الشعب الأوكراني سيفهم خطوة مماثلة على أنها إشارة إلى أن مصالح رجل الأعمال الثري هذا يُروّج لها بواسطة النفوذ السياسي، كذلك سيتضح أن كل الوعود التي أُطلقت عن رفع سيطرة الأثرياء عن الحكومة فارغة بالكامل، وسيتبين أن تعهد زيلنسكي الرئيس في حملته، محاربة الفساد، ليس إلا رياء، ونتيجة لذلك قد يخسر الرئيس بسرعة مصداقيته في نظر الشعب.ذكر مستشارو زيلنسكي أن "برايفت بنك" لن يُعاد إلى كولومويسكي، ومن الضروري دعم هذا الموقف بوضوح، إذ تنشأ هنا خصوصاً حاجة إلى تعهد باستخدام كل الأساليب المتاحة بغية مقاومة جهود كولومويسكي الرامية إلى إلغاء عملية التأميم وتفادي إعادة دفع الأصول التي سُلبت من المصرف من خلال عمليات إقراض لا أساس تجاريا لها. يجب ألا يقتصر هذا الالتزام على الاكتفاء باحترام "الأحكام القضائية" الصادرة عن نظام المحاكم الفاسد في أوكرانيا، بل يلزم أن يشمل تدابير خاصة هدفها محاربة أي تراجع مماثل، ولهذه المسألة أهمية مالية كبرى، لذلك من الضروري التوصل إلى تدابير فاعلة لحماية موازنة الدولة وماليتها من الأذى.إذا لم يتقيّد زيلنسكي بهذا المسار، فستكون العواقب وخيمة، وستعاني شعبيته انخفاضاً حاداً، مما يؤدي إلى تراجع كبير في الدعم الذي يحظى به حزب "سلوها نارودا" أو "خادم الشعب" في انتخابات المجلس الأعلى الأوكراني، وإذا أخفق الحزب في تحقيق كتلة كبيرة في هذا البرلمان، فذلك يعني أن أجندة إصلاحات زيلنسكي لن تنال التأييد الكافي. كذلك لن تعود المؤسسات المالية الدولية، وخصوصاً صندوق النقد الدولي، تثق بأوكرانيا، وقد تمتنع عن منحها مساعدة مالية إضافية، ومع اقتراب موعد تسديد دفعات عالية المستوى، تواجه أوكرانيا خطراً كبيراً يهدد بتعثرها وقد تنهار عملتها الهريفنا، كذلك سيتبدد الاستقرار الهش الذي حُقق في مجالَي الموازنة والنظام المصرفي، وستكون الخضات مهولة وسيعجز البلد عن مواصلة السير في الاتجاه الجديد المليء بالأمل.*«باسيل كاليمون»
مقالات
الاختبار الكبير الأول لزيلنسكي
23-05-2019