لماذا تقرع طبول الحرب؟!
تشهد منطقة الخليج تصعيداً سياسياً وإعلامياً غير مسبوق منذ سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وقد يتخلل هذا التصعيد موجات من التهديد أو مؤشرات ذات طابع أمني وعسكري، وهذا أمر طبيعي في ظل الخلافات الأميركية-الإيرانية تاريخياً، والتي تعاظمت في عهد الرئيس دونالد ترامب.لكن الوضع في منطقة الخليج، رغم حساسيته المفرطة، لا يزال تحت السيطرة وضبط النفس، ليس لانفراجات سياسية، إنما لإدراك الجانب الأميركي أن اشتعال نار الحرب في هذا الإقليم غير قابل للاحتواء، وستكون نتائجه كارثية وفق كل المقاييس على دول المنطقة والولايات المتحدة ذاتها، كما أن الطرف الإيراني يدرك القوة التدميرية لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، ومقتضيات المنطق ومعادلات القوة تقضي ألا يكون الحرب هو خيارها الأول.إلا أن اللافت أن دق طبول الحرب تأتي من الداخل الخليجي، والتغطية الإعلامية توحي بأن المواجهة العسكرية قد دنت ساحة قرارها، كما لا تخفي بعض وسائل الإعلام فرحتها وترحيبها بمثل هذه الحرب، وقد يكون منطلق ذلك أن الحرب لن تتعدى المحيط الإيراني، وأن العدو الجديد سيلقن درساً مهماً ورادعاً من جانب واحد، وأن الولايات المتحدة ستكون الظهر والسند والأمن والأمان وحامي الحمى وكل ما يحتويه مصباح علاء الدين.
في كل حال، يبقى هذا رأي يعكس وجهات نظر الأطراف المعنية، وخاصة بحسب طبيعة العلاقة مع إيران، ولكن ما تفسير التطبيل والتهليل للحرب من بعض وسائل الإعلام الكويتية، وخاصة من قبل بعض الصحف التي بنت مجدها وتاريخها على مبادئ القومية ومناهضة الإمبريالية بالإضافة إلى المهنية الصحافية، إلى جانب التباكي دائماً على المال العام، وفرض الرسوم والضرائب، وإلغاء الدعومات عن ذوي الدخل المحدود، وخصخصة الدولة بحجة الحفاظ على خزينة الدولة، علما أن ترامب قد شفط إلى الآن أكثر من نصف تريليون دولار منا كخليجيين دون أن يرسلوا لنا جندياً واحداً أو حاملة طائرات استعداداً لهذه الحرب المزعومة؟كما أن الموقف الرسمي، كما الرأي العام الشعبي في الكويت، من التصعيد الأميركي، ورغم الضغوط الهائلة، ما زال يتسم بالحكمة والتوازن والنأي بالنفس عن المشاكل، بل عرض الوساطة الحميدة، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية بشكل واضح، ولكن يبدو أن كلامه لم يحلُ للبعض فتم التراجع عنه في سقطة دبلوماسية لا تتعدى دقائق معدودات.إضافة إلى ذلك، فإن المعنيين بالأمر، بدءاً بالرئيس الأميركي ووزير خارجته ووزير دفاعه والكونغرس الأميركي يستبعدون خيار المواجهة العسكرية في الوقت الحالي، وبالمثل أعلن الإيرانيون أنهم لن يبدؤوا بأي عمل عسكري.الأدهى من ذلك، الولايات المتحدة اعتمدت سياسة الاقتصاد لتمرير ما يسمى "صفقة القرن" عبر البوابة الخليجية، وستستضيف مؤتمراً عالمياً في البحرين خلال أسابيع، فكيف يستقيم ذلك مع خيار الحرب، وهذا ما نتمنى أن يجيب عنه طبالة الحرب. باختصار لم يبق طفل صغير ولا عجوز ولا محلل استراتيجي ولا مسؤول سياسي ولا كاتب صحافي ينطلي عليه حركات ترامب البهلوانية، واستنزافه للمال الخليجي، وكذبه في كل ما يدعي ليل نهار، ولكن مع الأسف بقينا في الخليج الوحيدين الذين نعلم أن الرجل كاذب ومخادع ولص ومع هذا ندفع له، فمن هو أفضل حالاً منا على هذا الكوكب؟!د. حسن عبدالله جوهر