قال الخبير النفطي د. أنس الحجي، إن منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" منذ اليوم الأول لإنشائها عام 1960 وبذور الخلاف موجودة فيها، لأن الاتفاق على إنشاء المنظمة قام على رغبة خمس دول، لكن لكل منها مصالحها الخاصة، فهدف فنزويلا الأساسي كان استرجاع جزء من حصتها السوقية التي كسبتها بعض الدول العربية بسبب انحفاض تكاليف الإنتاج، بينما كان هدف شاه إيران الضغط على شركات النفط التي سيطرت على النفط الإيراني بشكل لم يكن له مثيل في دول أخرى، بينما كان هدف العراق تحييد مصر عن الموضوع، وهدف السعودية الضغط على شركة "أرامكو" التي كانت أميركية وقتها، بينما كانت الكويت متأثرة بفكرة "بترول العرب للعرب"، وتؤيدها في ذلك مواقف الوزير السعودي الأسبق عبدالله الطريقي.
خلافات «أوبك»
وأضاف الحجي أن بذور الخلاف إذاً كانت موجودة منذ البداية، ومع توسع "أوبك" في عضويتها، انضمت إليها دول لا يجمعها مع غيرها من دول سوى أنها نامية ومصدرة للنفط، ومع مرور الزمن حصلت الحرب العراقية- الإيرانية، علماً أن كلا البلدين هما عضوان في "أوبك"، ثم حصل الغزو العراقي الغاشم للكويت، وأيضاً هما عضوان في المنظمة، ثم وقفت السعودية والإمارات مع الكويت ضد العراق، والجميع أعضاء في "أوبك". وتابع أنه بعد ذلك حصلت خلافات خليجية- إيرانية وجميعاً هم أعضاء في أوبك، وحصل خلاف سعودي ليبي، وسعودي قطري، وجميعهم أعضاء في المنظمة أيضاً، وحصل خلاف ليبي- جزائري وهما عضوان في أوبك أيضاً، والآن هناك خلاف مع قطر التي انسحبت من المنظمة، كما أن هناك خلافاً مع إيران. ورأى أن كل هذا يؤكد أن الخلاف هو جزء من "أوبك" وتاريخها، وعلينا ألا نستغرب الوضع الحالي، أي تاريخ طويل من الخلاف اعتادت عليه "أوبك"، وأحياناً استفادت منه لأنها المنظمة الوحيدة التي تجتمع فيها الأطراف المتصارعة.إيران والإنتاج
وأضاف الحجي أن العقوبات، بلا شك، ستخفض إنتاج وصادرات إيران من النفط، لكن طهران ستستمر في إنتاج النفط لأسباب مختلفة، وستستمر في تصديره أيضاً، وسيكون الانخفاض في الإنتاج أقل بكثير من الانخفاض في الصادرات، مبيناً أن إيران تستطيع تخزين النفط المنتج في مكامن تحت الأرض أو في ناقلات ضخمة في الموانئ الإيرانية، أو استخدامه داخلياً في أمور مختلفة منها توليد الكهرباء وتصديرها للدول المجاورة، فتصدير الكهرباء لايخضع للعقوبات. وأشار إلى أن إيران أتقنت لعبة تصدير النفط في ظل العقوبات خلال العقود الماضية، ولديها شبكة إقليمية وعالمية لتسويق نفطها أشبه بالمافيا، وبناء عليه لا يمكن للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يضغط على طهران والدول المستوردة منها لوقف تصدير النفط الإيراني كلياً إذ تستطيع إيران تصدير نفطها بأشكال مختلفة، بعضها معروف لكثير من الناس، وبعضها مازال يخفى على أكثرهم.السوق مشبّع
وبين الحجي أن عدم ارتفاع أسعار النفط بعد تطبيق العقوبات، ورفض دول الخليج التعويض عن نقص النفط الإيراني إلا بعد وجود أدلة على حاجة السوق لكميات إضافية يؤكد في المجمل أن السوق مشبّع من جهة، وأن إيران ما زالت تستطيع تسويق جزء من نفطها من جهة أخرى، والغريب في الأمر أن أغلب زبائن إيران لم يطلبوا من دول الخليج التعويض عما يفترض أنهم فقدوه من إمدادات النفط الإيرانية. وعن تأثير الحروب التجارية على الاقتصاد العالمي من ناحية والتأثير على أسعار النفط من ناحية أخرى، أفاد الحجي بأن التأثير سلبي في الحالتين، وهناك ارتباط بينهما، لأن الحرب التجارية تؤثر في تباطؤ النمون بالتالي ينعكس ذلك على طلب النفط ويخفض معدلات الطلب عليه.ولفت إلى أنه في حال تفاقمت تلك الحرب التجارية، فإنها ستؤثر في عدة جوانب من أسواق النفط، منها وقف استيراد الصين للنفط الأميركي، وهذا سيغير اتجاهات التجارة الدولية، كما أنها تؤثر في أسعار العملات وأي انخفاض في العملة الصينية وغيرها يرفع من تكاليف فاتورة استيراد النفط بالعملة المحلية، مما ينتج عنه انخفاض الطلب على النفط، وتفاقم الأمور يعني قيام الصين وغيرها بزيادة وارداتها من إيران كخطوة للضغط على حكومة ترامب، والأمر نفسه ينطبق على فنزويلا.احتياطي استراتيجي
وقال الحجي، إن المثير في الأمر هو استمرار الصين ببناء الاحتياطي الاستراتيجي النفطي تخوفاً من ردود فعل أميركية، خصوصاً إذا أغلق الأميركيون مضيق "ملقا" بطريقة أو بأخر، لهذا فإن هذه الحرب التجارية ستشجع الصين على زيادة حجم احتياطيها الاستراتيجي، ويتبين مما سبق أن آثار الحرب التجارية على أسواق النفط سلبية وإيجابية في الوقت نفسه، والأثر الصافي سيعتمد على مدى قيام الصين بشراء المزيد من النفط لإكمال بناء الاحتياطي الاستراتيجي.«أوبك» و«أوبك بلس»
وأوضح أن أوبك وحلفاءها يواجهان تحديات عديدة، فعلى جانب العرض هناك الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري، وتذبذب إنتاج نيجيريا وليبيا بسبب أعمال العنف فيهما، والعقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا، إضافة إلى عدم التزام بعض الدول باتفاقيات تخفيض الإنتاج، وهناك العوامل الطبيعية مثل الأعاصير في خليج المكسيك، والعواصف الرملية في الخليج العربي، والأمواج العاتية في بحر الشمال، والصقيع في غرب تكساس، والأمطار الغزيرة في هيوستن، وهناك العوامل الفنية التي تؤدي إلى إغلاق المصافي والأنابيب والمنشآت النفطية بسبب أعمال الصيانة أو بسبب مشاكل فنية أو حرائق وانفجارات. وأشار إلى أنه على جانب الطلب يواجه هؤلاء الكثير من التحديات التي تتمثل في تغيرات النمو الاقتصادي، وآثار الحرب التجارية، وتغيرات الأحوال الجوية، التي تؤدي إلى تغيرات في الطلب على النفط، إضافة إلى النمو الكبير في السيارات الكهربائية، وفرض الحكومات والمنظمات الدولية قوانين بيئية جديدة مثل قانون المنظمة البحرية الدولية القاضي بتخفيض نسبة الكبريت في وقود السفن ابتداء من عام 2020.وبين أن ذلك يؤكد أن قرارات "أوبك" و"أوبك بلس" ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض، ويجب أن تكون واضحة، ومنطقية ومرنة في الوقت نفسه، وترضي أغلب الأطراف وهذا مانراه الآن.التوقعات
وتوقع الحجي أن تؤتي قرارات "أوبك بلس" (أي الدول أعضاء المنظمة والدول من خارجها) ثمارها في الأشهر المقبلة إذ سيكون هناك تحسن في الأسعار بسبب زيادة نسبة تشغيل المصافي بعد انتهاء عمليات الصيانة والتصليح، وبسبب زيادة الطلب العالمي على النفط عادة في النصف الثاني من العام، هذا يعني أننا سنشهد انخفاضاً مستمراً في مستويات المخزون التجاري في الدول المستهلكة، مع ارتفاع في الأسعار. وأخيراً فنّد الحجي المشكلة في عدة نقاط من أهمها: * أن إيران وفنزويلا ستستمران في تصدير النفط، بعضه عبر السوق السوداء، بالتالي لن تعرف الكمية بالضبط، لذا يجب توخي الحذر وعدم قيام "أوبك" بالتعويض عن النفط الذي يبدو أنه فقد وذلك حتى تتضح الأمور.* أن الصين وغيرها استوردوا كميات كبيرة من النفط في الأشهر الماضية وقاموا بتخزينها تحسباً لمقاطعة إيران، هذه الواردات جعلت الطلب العالمي على النفط أكبر من حقيقته، من جهة ثانية، ستستخدم تلك الدول هذا المخزون الآن بعد قرار المقاطعة، بالتالي هي ليست بحاجة حالياً إلى نفط دول الخليج للتعويض عن النفط الإيراني. * المخزون التجاري الأميركي مرتفع بشكل كبير وتخفيضه إلى مستويات تدعم توازن السوق صعب إذ يجب تخفيضه بأكثر من 70 مليون برميل خلال الشهور المقبلة. واختتم الحجي قائلاً أنه على الرغم من توقع ارتفاع الأسعار، فإن هناك ضبابية في السوق ستمنع أسعار النفط من الارتفاع بشكل كبير، مؤكداً أن عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير يأتي لمصلحة دول الخليج لأن الأسعار المرتفعة فوق 80 دولاراً حالياً تضر بمصالحها بسبب أنها ترفع إنتاج دول خارج "أوبك" وتخفض الطلب على النفط.