غطاء دروبادي
«غطاء دروبادي» رواية من تأليف: آناندا ديفي، وترجمة د. شربل داغر، ومن منشورات إبداعات عالمية للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت.أجمل ما في هذه الرواية التحليل الباطني المتجرد والمتعمق بالنظر في باطن كل العلاقات التي تعيشها بطلة الرواية وكل من حولها، تحليل متجرد من أناه بصدق خال من كل مشاعر التعاطف أو التضامن أو الانتماء أو التواطؤ، تحليل مبتعد تماما عن روابطه العاطفية أو المنطقية أو الملتزمة أخلاقيا أو عائليا أو اجتماعيا، تحليل ينظر بمنتهى التجرد لكل العلاقات التي يحياها مع كل من حوله، من أب أو أم أو أخ أو زوج والروابط العائلية والعلاقات الاجتماعية والمقدسات، وحتى الذات خاضعة تحت مجهر التجرد، وهذه قدرة غير عادية أن يتجرد المرء من انحيازه العاطفي تجاه كل ما ينتمي إليه، ويقف عاريا من مشاعره تمام العري في مواجهة كل ما يعنيه ويخص وجوده.رواية تأتينا بعادات وتقاليد عالم مختلف عنا بمعتقداته الدينية وتراثه العقائدي وقيوده الاجتماعية المعقدة، وتناقش المعتقدات وقوتها وصرامة رهابها، ومنها التضحية التي يجب أن تقدمها المرأة لشفاء ابنها الميؤوس من شفائه بالمشي على النار المعروف في الديانة الهندوسية باسم «غطاء دروبادي»: لا تتعب نفسك بهذه الطريقة. إذا كانت الكرما والدرما موجودتين فعلا، فإننا لا نكون مسؤولين عما يصيبنا. لا يسعنا أن نكون أنفسنا وفق جميع تجسداتنا. وكيف لنا أن نصبح أفضل، وأن نشتري أخطاءنا السابقة، التي لا نتذكرها، إن كنا معاقَبِين من دون أن يكون لنا حظ ثان؟ هذا ليس بالمنطقي».
هذه الرواية كشفت هشاشة العلاقات الأسرية الناتجة من الزواج، مرض طفلها عرى غطاء الوعي العام لديها، بكل علاقاتها مع من حولها، زوجها وعائلته، وأمها وأبيها وأخيها وماضيها كله: «لم نعد قادرين على التعرف على حركاتنا الأليفة، ولا إلى قلوبنا الذبيحة فوق أشواك سوء التفاهم، ولا إلى حياتنا كزوجين. لعلها بكل بساطة، اللحظة التي لنا أن نواجه بعضنا فيها، وأن نعي بأن لنا قناعين فوق وجهينا، وأن لنا مسخا من الحب صنعناه بحماستنا الفاضلة». مرض الطفل «وين» الميؤوس من شفائه كشف عن هشاشة علاقة أمه بأبيه، وعلاقة «أنجالي» بكل من حولها، كأن كل الأقنعة تسقط عندما تحدث فجوة صغيرة فيها: «هذه الابتسامات المصطنعة التي يخصونني بها دوما. ذلك أنني لم أكن أبدا منهم، حتى يوم الزواج. كانوا ينتبهون لأي حركة أقوم بها، لكنني كنت الأجنبية، حاليا، أنا المندسة بينهم. عشتُ إلى جانبهم، دوما على الهامش، من دون أن أكون، لا صديقة، ولا عدوة، مشتركة أحيانا في حياتهم الضاجة من دون أن أشاركهم أبدا قرابة شديدة في التفكير، التي كانت موجودة بينهم، ولاسيما في الأعياد.أشعر تجاههم بنوع من العاطفة غير الدقيقة، الغائمة، التي تتغذى من تضامنات ظرفية، ثم تختفي، بل تتحول أحيانا إلى شعور حاد بالاختلاف. اختلاف سدٌ وسوء تفاهم غريب، ما ينشأ من القربى، من الأمانات الزمنية، غير القابلة للمراقبة. اختلافات، تشابهات، والقسمات ذاتها التي للشرقيين، الاعتيادات ذاتها في الزي، والأفكار، والعقليات المتباعدة فيما بينهم تباعد القطب عن القطب».آناندا ديفي كاتبة من جزيرة موريس في المحيط الهندي، وأسلافها منحدرون من الهند استقدمهم الإنكليز للعمل في الجزيرة حيث ولدت فيها، ثم انتقلت إلى لندن لتكمل تعليمها العالي هناك، تكتب وتنتقد تراثها بحياد تام منسلخة عن كل الانتماءات المتعصبة، تكتب رواياتها بلغة تأملية تحليلية نقدية رائعة، فيها ثورة على المعتقدات الموروثة المهيمنة على عقول شعبها كمقدسات يجب أن تُمارس في الحياة، ومنها مشي المرأة على النار لتقديم ذاتها تضحية لإنقاذ الابن المريض: «وسط هذه الاندفاعة، من هذا النفس الأمومي الذي تفجر بعفوية حولي، مؤلفا شرنقة فاترة ومعطرة، ها أنا حرة أخيرا في أن أبكي. أشعر بأني حرة في أن أموت، أو أن أحيا من جديد، أو أن أدع نفسي محمولة، من دون مقاومة، في مجرى الزمن. أنا متقطعة لغياب ابني، متوزعة في دقائق وساعات تدوم كالأبد. لم يعد هناك من حاضر.أنا أسيرة جانب من ماض وجانب من مستقبل، ولا يبقى بين هاتين القوتين المضادتين أي مساحة للحرية».