واصلت جهود خفض التوتر في المنطقة تقدمها بشكل أكثر وضوحاً، أمس، مع تراجع ملحوظ في ضجيج طبول الحرب المدمرة بين واشنطن وإيران التي قرعت عالياً في الأيام الماضية. في هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف محادثات مع المسؤولين العراقيين في بغداد التي وصل إليها أمس الأول، شدد خلالها على أن بلاده لا ترغب في التصعيد العسكري، ومستعدة لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد، واقترح توقيع اتفاق عدم اعتداء مع دول الخليج، مبتعداً عن بعض التصريحات الإيرانية العدائية، خصوصاً تلك الصادرة عن بعض قادة الحرس الثوري الإيراني.
علاقات متوازنة
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي محمد علي الحكيم ببغداد، قال ظريف، إن طهران لديها رغبة قوية في بناء علاقات متوازنة مع جميع دول الخليج، مؤكدا أن بلاده اقترحت إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة.وبشأن التوتر مع الولايات المتحدة، قال ظريف، إن «التصرفات الأميركية تناقض قرار مجلس الأمن بشأن استخدام القوة»، في إشارة إلى إرسال واشنطن تعزيزات عسكرية إلى الخليج، من حاملات طائرات وقاذفات صواريخ، وجنود إضافيين.وأكد أن إيران ستتصدى لأي مساع للحرب على إيران سواء كانت اقتصادية أو عسكرية وستواجهها بقوة، معلنا أن بلاده بدأت العمل على خط سكك حديدية يربط بين العراق وإيران.وشدد وزير الخارجية الإيراني، على أن طهران لم تنتهك الاتفاق النووي، داعيا الدول الأوروبية إلى الوفاء بالتزاماتها وعمل المزيد للحفاظ عليه. وقال إن «الحديث لا يكفي للحفاظ على الاتفاق النووي، وعلى الأوروبيين اتخاذ إجراءات عملية».منطقة آمنة
من ناحيته، قال الحكيم، إن بلاده مستعدة أن تكون وسيطا بين طهران وواشنطن. مضيفاً: «تباحثنا مع الجانب الإيراني على أهمية أن تكون المنطقة آمنة، والتواصل لحل مرضٍ لجميع الأطراف».وأضاف أن بغداد لا ترى في «الحصار الاقتصادي» فائدة، مؤكدأ أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات الأميركية على طهران.الرؤساء الثلاثة
وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ندد، مساء أمس الأول، خلال استقباله ظريف بـ«مخاطر الحرب»، مؤكداً أهمية «الأمن والاستقرار للمنطقة». من ناحيته، أعلن الرئيس العراقي برهم صالح خلال استقباله ظريف، أن العراق «يسعى إلى أن يكون نقطة التقاء وعامل استقرار في المنطقة من أجل بناء علاقات متوازنة مع الدول كافة، لاسيما دول الجوار وفقاً للمصالح المشتركة».وأضاف «ان العراق حريص على تعزيز الوشائج مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعي لتعزيز العلاقات مع الجوار الإسلامي وعمقه العربي».بدوره، أكد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، خلال لقائه الوزير الايراني أمس، ان العراق سيلعبُ دورا محوريا لخفض التصعيد بين طهران وواشنطن، ولن يكون في أيِّ محور، مشيرا إلى «خطورة التصعيد في المنطقة، وضرورة الحوار والمبادرات السلمية؛ لبناء الثقة بين كل الأطراف».من جانبه، عبَّر وزير الخارجية الإيراني، بحسب بيان صادر عن مكتب الحلبوسي، عن ترحيبه «بدور العراق في تقريب وجهات النظر، وألا محدودية لدى طهران لحلحلة كلِّ المشاكل مع بلدان المنطقة»، لافتا إلى أن «بلاده لا ترغب في أيِّ تصعيد عسكري، وهي على استعداد لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد وتكوين علاقات بنَّاءة مع جميع دول الجوار».بن علوي
إلى ذلك، أجرى نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، أمس، محادثات مع يوسف بن علوي، الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية، بمسقط في مستهل جولة ستقوده إلى الكويت وقطر.وتأتي زيارة عراقجي للسلطنة بعد أن كشفت «الجريدة» عن مضمون زيارة بن علوي لطهران وحمله رسالة خاصة للمرشد الأعلى علي خامنئي تضمنت فحوى الاتصالات العمانية مع واشنطن. وعلمت «الجريدة» أن واشنطن اقترحت من خلال عمان إجراء لقاء بين المرشد والرئيس الاميركي دونالد ترامب على غرار لقاء الأخير مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون. كما اقترح بن علوي استضافة مسقط لمفاوضات استكشافية على مستوى الخبراء بين إيران وواشنطن.في سياق متصل، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تنظيم استفتاء شعبي حول برنامج إيران النووي، والحدّ من تخصيب اليورانيوم. وقال روحاني: «المادة 59 من الدستور الإيراني المتعلقة بالاستفتاء، من شأنها فتح الطرق المغلقة، وهي نافذة مفتوحة أمام المواطنين في أي وقت إذا اقتضى الأمر».وأكد الرئيس أنه تقدم عام 2004 عندما كان كبير المفاوضين الإيرانيين حول البرنامج النووي إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، بمبادرة إجراء استفتاء على القضية النووية، وأيّد المرشد هذا الاقتراح، لكن الأمور تطورت على نحو مغاير مع تغيّر الحكومة. وتابع: «لكن على أي حال فإن المادة 59 يمكنها تمهيد السبيل في أي مرحلة كانت».ومن شأن الاستفتاء على البرنامج أن يمنح زعماء إيران مساحة للمناورة وفرصة لحل الخلاف مع الولايات المتحدة. وكانت «الجريدة» انفردت بنشر خبر عن دعوة أنصار روحاني الى استفتاء حول التفاوض مع أميركا. ولم تجر إيران سوى ثلاثة استفتاءات منذ الثورة الإسلامية عام 1979 كان أولها للموافقة على تأسيس جمهورية إسلامية ثم لإقرار وتعديل الدستور بعد ذلك.ورأى مراقبون أن تلويح روحاني بالاستفتاء هو بمثابة تهديد للمتشددين، لأن الغالبية الساحقة من الإيرانيين تؤيد التفاوض وحل الخلافات مع واشنطن بالطرق السلمية لتقوية الاقتصاد والخروج من حالة الفقر التي بدأت تهدد قطاعا واسعا منهم.الحرس الثوري
بدوره، قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الأميرال علي فدوي أمس، إن «الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط هو الأضعف في التاريخ»، واصفا القيادة المركزية وقواتها بـ «الإرهابيين».وقال فدوى، إن «الأميركيين اليوم أضعف من أي وقت مضى منذ وجودهم في غرب آسيا وفي أقل عدد لسفنهم في الخليج أيضا، حتى حاملة الطائرات الأميركية التي كانت متوجهة إلى المنطقة قاموا بإيقافها في المحيط الهندي، ولم يتجرأوا على إدخالها إلى الخليج بسبب خوفهم ورعبهم».