بدأ المخرج كمال الشيخ تصوير «غروب وشروق» في العام 1969، وهو من أفلام الأبيض والأسود، وأسند دور «عزمي باشا» إلى محمود المليجي.تأخر عرض الفيلم جماهيرياً إلى يوم 16 مارس 1970، بعد الانقلاب في الخط الدرامي لمشهد النهاية، الذي أحدثه «الشرير» بنظرته الموحية بالحزن إلى ابنته (سعاد حسني)، واجتمع المخرج مع السيناريست رأفت الميهي والمونتير سعيد الشيخ، وقرر الثلاثة اختصار زمن اللقطة، بلفتة خاطفة منه إلى ابنته، وخروجه منكسراً.
وتأجل عرض «غروب وشروق» حتى أجازته الرقابة، وظهر قبله الفيلم الملون «بئر الحرمان» في نهاية العام 1969، ليعود كمال الشيخ إلى أجواء «السايكو» المميزة في أعماله، ويسند إلى المليجي دور طبيب نفسي يعالج ناهد (سعاد حسني) المريضة بفصام الشخصية، عن قصة للكاتب إحسان عبدالقدوس. وشارك في البطولة كل من نور الشريف، ومريم فخر الدين، ومحيي إسماعيل، وصلاح نظمي، وعبدالرحمن أبوزهرة.
مباراة درامية
ورغم تقارب تصوير الفيلمين، والاختلاف بين «عزمي باشا» و«الطبيب النفسي»، فنجد أن المليجي تقمص الشخصيتين بتلقائية بالغة العمق، وبدت مشاهده مع سندريلا الشاشة سعاد حسني مباراة درامية في الاندماج وصدق التعبير.يعتمد كلا النجمين على موهبة متفردة، وهما لم يلتحقا بمعهد التمثيل، لكن أدوارهما تدرّس لطلاب المعهد، جيلاً بعد آخر. اعتبرت السندريلا أن أفلامها مع المليجي، من العلامات الفارقة في مشوارها الفني، لا سيما المشاهد التي جمعت بينهما في «بئر الحرمان». منحها المخرج كمال الشيخ فرصة التمرد على دور الفتاة الشقية لتجسد دور «ناهد» التي تعاني ازدواج الشخصية، وتعيش مع والدها (صلاح نظمي) وأمها (مريم فخر الدين) وتستعد للزواج من خطيبها (نور الشريف)، وفي كل ليلة تتحول إلى «ميرفت» المستهترة، وفي الصباح لا تتذكر أي أمر مما فعلته. وتتوالى الأحداث في عيادة الطبيب النفسي، ويكتشف حقيقة مرضها، ويساعدها على الشفاء.التقى الشرير والسندريلا في أفلام عدة، من بينها «الحب الضائع» 1970 للمخرج هنري بركات، وقصة طه حسين. شارك في البطولة كل من زبيدة ثروت، ورشدي أباظة، وحسن مصطفى. وفي العام ذاته جمعهما المخرج علي بدرخان في «الحب الذي كان» من بطولة محمود ياسين وإيهاب نافع، وكان لقاؤهما الأخير في «الاختيار» 1971، للمخرج يوسف شاهين، وقصة نجيب محفوظ.قام المليجي بدور ضابط شرطة يحاول كشف غموض جريمة قتل، وتدور الشبهات حول مؤلف (عزت العلايلي) يعيش حياة مضطربة مع زوجته (سعاد حسني) ويتقمص شخصية شقيقه البحَّار، وتتوالى الأحداث لتنتهي بإيداع المؤلف في مشفى الأمراض العقلية.صدام مع الرقابة
لم يكن «غروب وشروق» أول صدمة رقابية لأفلام المليجي، بل سبقه فيلم «مصطفى كامل» للمخرج أحمد بدرخان. بدأ تصويره عام 1950، ويدور حول قصة الزعيم الوطني مصطفى كامل. أدى النجم المصري المليجي دور الشقيق الأكبر للزعيم (الضابط علي) الذي يعمل في السودان، وشارك في البطولة كل من حسين رياض، وماجدة، وفردوس محمد، واستقر بدرخان على الكاتب الصحافي أنور أحمد ليقوم بدور البطولة، لتشابه ملامحه مع «الزعيم» واشترط عليه ألا يمثل مجدداً.تعرض «مصطفى كامل» لأزمة مع الرقابة، لأن مؤلفه هو فتحي رضوان الكاتب المعروف بمواقفه الوطنية، ومناهضته الاحتلال البريطاني، وسياسات العهد الملكي، وبعد قيام ثورة يوليو 1952، أفرج عن الفيلم، وحقق نجاحاً جماهيرياً لدى عرضه في دور السينما، وأصبح أحد الأفلام التي يعرضها التلفزيون المصري في المناسبات الوطنية. كذلك تحمس المخرج أحمد بدرخان لتصوير «الله معنا» في عام 1952، قصة الكاتب إحسان عبدالقدوس. تدور أحداثه حول الضابط (عماد حمدي) الذي يسافر للمشاركة في حرب فلسطين عام 1948، وتودعه خطيبته وابنة عمه التاجر الثري (محمود المليجي) ويتعرض لإصابة خطيرة، فيضطر الأطباء إلى بتر ذراعه، ويلتقي مجموعة من زملائه، يحاولون كشف المتورطين في توريد الأسلحة الفاسدة، ويتضامن معهم الصحافي (شكري سرحان). وتنتهي الأحداث بالقبض على عمه «التاجر الثري» وقيام ثورة 23 يوليو 1952، والإطاحة بالعهد الملكي.ظل الفيلم حبيس أدراج الرقابة، لمدة ثلاثة أعوام، وانتهت الأزمة بحذف شخصية محمد نجيب أول رئيس مصري بعد حكم أسرة محمد علي، وفي يوم 14 مارس 1955، حضر الرئيس جمال عبدالناصر الافتتاح في سينما ريفولي بالقاهرة، ليقطع حبل الإشاعات التي دارت حول منع «الله معنا» وبعد انتهاء العرض، أثنى على الفيلم، وصافح أبطاله ومن بينهم محمود المليجي، وطلب إليهم أن يقدموا مزيداً من هذه الأفلام الوطنية. يفسر ذلك ظهور المليجي في هذه النوعية من الأدوار، ووضعه أقنعة جديدة للشر، فثمة تشابه بين شخصية «التاجر الثري» في «الله معنا» و«عزمي باشا» في «غروب وشروق»، بينما في «الشوارع الخلفية» عام 1974، ينزع «الشرير» قناعه بأمر من المخرج كمال عطية وكاتب القصة عبدالرحمن الشرقاوي، ليقوم بدور الضابط «شكري عبدالمتعال» الذي يتنامى شعوره الوطني لتحرير وطنه من الاحتلال البريطاني، ويكرس حياته لتربية بناته بعد وفاة زوجته.زمن العجائب
عاصر المليجي أجيالاً من النجوم والمخرجين، ودعم كثيرين منهم في بداية مشوارهم الفني، ولكنه لم يفصح عن أسباب عدم تعاونه معهم في أعمال لاحقة، ومن هؤلاء المخرج صلاح أبوسيف، وكان آخر لقاء بينهما في فيلم «بين السماء والأرض» عام 1960، ليمتد التباعد بينهما، حتى رحيل المليجي في 6 يونيو 1983. وبدوره لم يتطرق أبوسيف إلى هذا الأمر حتى رحيله في 23 يونيو 1996.لكن المليجي ألمح إلى تباعد آخر، بطلته الفنانة فاتن حمامة، بقولها إنها لا تحب التمثيل معه، ولم يفسر هل سمع ذلك من «سيدة الشاشة» أم عبر شخص آخر، ولكن الحقيقة أن انفصالهما الفني دام نحو 30 عاماً. فبعدما بدأ تعاونهما فنياً عام 1949 انتهى سريعاً عام 1952 في فيلم «المنزل رقم 13» مع المخرج كمال الشيخ، و«زمن العجائب» لمخرج الروائع حسن الإمام، الذي كتب له السيناريو والحوار عن رواية «شرقي عدن» للكاتب الأميركي جون شتاينبيك، وشارك في البطولة محسن سرحان وزوزو نبيل وسميحة توفيق ومنسى فهمى. وأدى المليجي دور «عباس بك» الشرير الذي يبتز زوزو هانم (زوزو نبيل) التي تركت زوجها وأولادها، وتزوجت أحد الأثرياء. عندما يعرف ابنها (محسن سرحان) سر اختفائها، وكان يستعد للزواج من نعمت (فاتن حمامة)، يقرر الذهاب إلى أمه، ولكنها تنكر معرفتها به. وبعد عودته يشب حريق في مطحنة والده، ويلجأ إليها مجدداً لتمنحه بعض المال، ولكن والده يرفض المساعدة من طليقته، ويطرد ابنه من المنزل، وتتوالى الأحداث على نحو ميلودرامي. طوى «زمن العجايب» سلسلة من أفلام «المليجي وحمامة» بعد لقائهما الأول في «كل بيت له راجل» 1949، للمخرج أحمد كامل مرسي، و«لك يوم يا ظالم» 1951، و«كاس العذاب» 1952، مع المخرج حسن الإمام، و«أموال اليتامى» 1952 للمخرج جمال مدكور، وأيضاً في الفيلم الأول للمخرج يوسف شاهين «بابا أمين» 1950 والثاني «ابن النيل» 1951.وسجل اللقاء الأخير بينهما في 1952، أكثر من ستة أفلام دفعة واحدة، والمرجح أن المليجي لم يكتب كلمة النهاية لأفلامه مع فاتن حمامة، وربما صدمه أن «سيدة الشاشة» لا تحب التمثيل معه، وألمح إلى ذلك كنوع من العتاب في وقت متأخر، وبعد سنوات طويلة من انفصالهما الفني. وبدورها لم تعلق حمامة على هذا الأمر، فقد باتت مقلة في أعمالها السينمائية، وكرست وقتها لبيتها وأسرتها، وندر ظهورها في لقاءات تلفزيونية حتى رحيلها في 17 يناير 2015.المنتج والقطة
في ذروة تألقه الفني، صادفت المليجي أزمات متتالية، وطارده شبح البطالة الذي ذاق مرارته في بدايته مع التمثيل، وعُرف عنه أنه لا يطيق الجلوس في المنزل من دون عمل. ذات يوم دقت أجراس الخطر، حين توقفت «مؤسسة السينما المصرية» عن الإنتاج لظروف حرب 1967، وأغلقت الاستوديوهات وشركات الإنتاج الخاصة ودور السينما والمسارح أبوابها، ولكن «الشرير» رفض أن يطير مثل بعض زملائه إلى تركيا للعمل هناك، وفضل الانتظار أشهراً طويلة، حتى تلاشى هذا الكابوس، واسترد رائحة البلاتوه وخشبة المسرح.ولكن الأزمات لاحقته مجدداً عام 1975، وأجبرته على اعتزال الإنتاج من دون رجعة، وإغلاق «شركة أفلام النجم الفضي» التي كونها عام 1947، وأنتج من خلالها بعض الأفلام، ليحقق طموحاته في الارتقاء بالمستوى السينمائي، ومنها «المغامر» 1948 للمخرج حسن رضا و«سوق السلاح» 1960، من إخراج كمال عطية، وشاركه بطولتهما النجم فريد شوقي.آلو... أنا القطة
في عام 1975 أطاح فيلم «آلو... أنا القطة» بمشروعه الإنتاجي، ووجد نفسه على حافة الإفلاس. لم يحقق الشريط الكوميدي نجاحاً جماهيرياً. أخرجه الإيراني منوجهز نوذري الذي أقام في مصر لفترة، ودارت أحداثه حول الشاب مشمش (نور الشريف) الذي يمر بضائقة مالية بعد وفاة والده، واستيلاء عمه الروبي (محمود المليجي) على الميراث، ولكنه يرفض العمل في «كباريه الليالي المضيئة» الذي يمتلكه عمه، ويتجه إلى العمل الحر من خلال «ورشة ميكانيكا». شارك في البطولة كل من بوسي، وعادل إمام، وسهير زكي، وصلاح نظمي، والمطرب محمد حمام. وبعد «آلو... أنا القطة» فوجئ المليجي بأن مؤسسة السينما تطالبه بسداد 6 آلاف جنيه، وتراكمت عليه ضرائب مستحقة بمبلغ 22 ألف جنيه، وانتفض عملاق الشر ليواصل العمل ليل نهار، حتى يسدد هذه الديون، واضطر إلى بيع بعض مقتنياته، واستدان من زملائه، ليبتعد عن أسوار السجن الذي دخل إليه ممثلاً سابقاً، ولا يريد أن يذهب إليه مجدداً، كنجم تلاحق أخباره صفحات الحوادث والجريمة.المليجي يضع «الزعيم» في مأزق بمطار بيروت
في غمار تألقه السينمائي، ظل الفنان محمود المليجي عاشقاً للمسرح، وكان يرفض الخروج عن النص، ويعتبره نوعاً من التهريج والاستخفاف، وذلك منذ التحاقه بفرقة فاطمة رشدي حيث تعلم الكثير عن الالتزام من أستاذه المخرج عزيز عيد. حدث أن الفرقة تقدمت لنيل جائزة عن أحد عروضها باللغة العربية الفصحى، ولكن أحد الممثلين أضاف كلمة عامية، وتسبب في فقد الجائزة، وظل «الشرير» محافظاً على الانضباط والتقاليد حتى في مسرحياته الكوميدية، التي يجنح فيها بعض النجوم إلى إلقاء «الأفيهات» المرتجلة لإضحاك الجمهور. ولكن المليجي خرج عن النص، وتسبب في مأزق لأبطال المسرحية الكوميدية «غراميات عفيفي» 1970 من إعداد عبدالله فرغلي وإخراج نور الدمرداش، وشارك في بطولتها مع كل من أمين الهنيدي، وليلى طاهر، وعادل إمام، وزهرة العلا، ونظيم شعراوي، وحققت نجاحاً جماهيرياً، وقدمت عروضها في كثير من العواصم العربية.دارت أحداث المسرحية حول المحامي حسنين (محمود المليجي) الذي يعيش مع زوجته (زهرة العلا) في الإسكندرية. يوهمها أنه يسافر إلى القاهرة للعمل، بينما يقابل الراقصة دلال (ليلى طاهر)، ويفاجأ بحضورها حفلة عيد ميلاده، ولا يجد مخرجاً من هذا المأزق سوى صديقه عفيفي (أمين الهنيدي) الذي يهوى كتابة الشعر، وحضر إلى الإسكندرية ليشارك في مسابقة شعرية. يطلب إليه «حسنين» أن يؤدي دور زوج «دلال»، وتتوالى الأحداث.طارت الفرقة إلى بيروت لعرض المسرحية هناك أياماً عدة، وبعدها توجهت إلى المطار للعودة إلى القاهرة. لم يلحق المليجي بالأعضاء، فانتظروا ظهوره أو الاتصال بهم من الفندق، ولكن اقترب موعد إقلاع الطائرة ولم يأتِ، فتقدموا بجوازات السفر إلى الضابط. عندما وقف أمامه النجم عادل إمام، نظر إليه مبتسماً وقال: «حضرتك الأستاذ محمود المليجي؟»، فأجاب إمام: «لا يا فندم.. أنا عادل إمام»، فتعالت ضحكات الضابط وسأل: «هل ممكن أن أرى الفنان محمود المليجي؟، فردّ إمام: «المليجي لا يزال في بيروت ويمكن أن يلحق بنا غداً»، فقال الضابط: «لا أظن أنه يستطيع السفر»، فتلبد وجه «الزعيم» من الخوف، وقال: «هل حدث أمر ما للأستاذ المليجي؟»، فقال الضابط وهو يواصل الضحك: «هذا جواز سفر الأستاذ محمود»، فضرب إمام جبهته بكفه، وصرخ: «إزاي ده حصل؟». ناول الضابط جواز السفر إلى الزعيم وسرى الخبر بين أفراد الفرقة، ولم يتبق على موعد الإقلاع سوى 20 دقيقة، فقرروا ركوب الطائرة وعدم انتظار «الشرير» وفقدوا الأمل في مجيئه. وكانت الفرقة في طريقها إلى الإسكندرية، لعرض المسرحية هناك، وقرر المخرج إسناد دور المليجي إلى مدير المسرح، وكان الأخير يحفظ الدور جيداً، بينما ظلت مشكلة عادل إمام قائمة. لم يعرف عادل إمام كيف تبدل جواز سفره مع جواز سفر المليجي، وجلس في صالة المطار لا يدري ماذا سيفعل، وهل يعود إلى الفندق أم ينتظر إلى آخر لحظة، وظل أفراد الفرقة يسألونه: كيف وصل جواز سفر المليجي إليك، ويجيبهم شارداً: «أكيد حصلت لخبطة»، وبات سفر الزعيم مستحيلاً، ولم يتوقف عن النظر إلى ساعته. فجأة ظهر المليجي راكضاً، كأنه شاب في العشرين، ودخل مسرعاً إلى صالة الجوازات، وركض خلفه عادل إمام، ولم يتبق على موعد الإقلاع سوى خمس دقائق. تجمع حوله زملاؤه، يسألونه أين كان ولماذا تأخر؟ فقال: ليس هذا وقته، وسأله أحدهم: هل ثمة خسائر مادية؟ فأجاب ضاحكاً: «ولا أدبية». وتحرك معهم لركوب الطائرة، وكانت هذه المرة الأخيرة التي خرج فيها الشرير عن النص.