إن هذا مقالي رقم 100 لوكالة بروجيكت سنديكت الإخبارية، وقد جاء هذا المقال بعد 20 عاما تقريبا من مقالي الأول، وكما هي الحال في معظم المناسبات المهمة فإنها تكون بمثابة فرصة جيدة لتحليل ما كتبته، وما الذي كانت تقوله كتاباتي عن العالم خلال العقدين المنصرمين وإلى أين نسير.

إن هناك ثلاثة مواضيع عامة بارزة في هذا الخصوص، وهي: أولا، كيف استطاع الشرق الأوسط أن يحظى باهتمام العالم بما في ذلك اهتمامي أنا شخصيا. إن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة تضم حوالي 6% من سكان العالم وعلى الرغم من امتلاكها لكميات هائلة من النفط فهي تشكل أقل من 5% من الإنتاج الاقتصادي العالمي، ولكنها لا تزال تهيمن على مساحة كبيرة من عناوين الأخبار بالإضافة إلى حصتها الكبيرة من الصراعات والإرهابيين واللاجئين.

Ad

يعزو البعض مشاكل الشرق الأوسط العديدة للقوى الاستعمارية الغربية، لكن هذه الحقبة أصبحت من الماضي البعيد، بحيث لا يمكن أن تبرر الفشل الحالي، وفي واقع الأمر فإن العديد من المستعمرات السابقة في أماكن أخرى من العالم تعيش في ازدهار.

ولكن على الرغم من ذلك فإن القوى الخارجية جعلت الأمور أكثر سوءا خلال العقدين المنصرمين سواء من خلال ما فعلته تلك القوى (مثل الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 وتدخل الناتو في ليبيا وروسيا في سورية) وما فشلت في القيام به.

هنا، أرغب في أن أشير إلى التردد الأميركي في التدخل في سورية حتى بعد أن تحدت الحكومة التحذيرات واستخدمت الأسلحة الكيماوية، وفي حين كان التدخل في ليبيا خاطئا فإنه كان يجب على الولايات المتحدة الأميركية وشركاءها الأوروبيين بعد أن اتخذوا ذلك القرار أن يعملوا على تثبيت الاستقرار في ذلك البلد بعد الإطاحة بمعمر القذافي.

لكن حصة الأسد من المسؤولية عن السجل السيئ للشرق الأوسط تقع على عاتق قادة المنطقة والذين فشلوا بشكل عام في توفير الفرص الاقتصادية أو الحقوق السياسية في أوطانهم والذين رفضوا الحلول الوسط من أجل تحقيق السلام، وعوضا عن ذلك رأينا صراعات طويلة ومكلفة في سورية واليمن وجمود في مصر وتلاشي الآمال في أي تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

إن الموضوع الثاني الذي ينبثق عن العقدين المنصرمين هو بروز آسيا كساحة رئيسة للعلاقات الدولية الحديثة. لقد كانت أوروبا المسرح الرئيس لمعظم أحداث القرن العشرين على مستوى العالم بما في ذلك حربان عالميتان ساخنتان وحرب باردة، واليوم جاء الدور على آسيا ففي هذه المنطقة نجد جزءا كبيرا من سكان العالم ومعظم إنتاج العالم الاقتصادي بالإضافة الى القوة العسكرية المتعاظمة، وفي تلك المنطقة تتواجه القوى الرئيسة في هذه الحقبة وجها لوجه.

إن الاخبار الطيبة هي أنه خلال العشرين سنة الماضية– في واقع الأمر منذ الحرب الباردة- بقيت آسيا مستقرة مما يعكس عامل الاستقرار الذي تؤديه أميركا والانتعاش الحاصل بفضل النمو الاقتصادي السريع.

إن السؤال الان هو ما إذا كان هذا الاستقرار سيستمر، ويبقى كاتجاه سائد اذا اخذنا بعين الاعتبار صعود الصين والاحتمالية شبه المؤكدة بأن كوريا الشمالية لن تحتفظ بقدراتها النووية والصاروخية، فحسب بل ستعمل على توسيعها بالاضافة الى النزاعات الطويلة في بحر الصين الجنوبي والشرقي وتايوان والعديد من الجزر والحدود.

والموضوع الثالث الذي تناولته في العديد من مقالاتي التسعة والتسعين السابقة هو نهاية العالم الذي نعرفه فلقد لخصت عناوين العديد من مقالاتي تلك النتيجة: "نهاية النظام العالم الليبرالي"، "الحرب الباردة 2"، "حقبة الفوضى".

إن أحد أسباب هذا التقييم المتشائم هو البروز المتصاعد للصين والتي لا تزال غير ليبرالية داخليا وتنخرط في ممارسات غير عادلة كثيرة من اجل تعزيز موقفها التجاري وهي غير راغبة بشكل عام في تحمل مسؤوليات عالمية تتوافق مع قوتها. إن سببا آخر لذلك التشاؤم هو روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين والتي تسعى إلى انتهاك السيادة– وهي من أهم القواعد الأساسية للنظام العالمي– وذلك من خلال الجيوش التقليدية والرقمية على حد سواء بالإضافة الى توسع الفجوة بين التحديات العالمية مثل التغير المناخي ورغبة العالم في التعامل معها.

إن الفكرة الرئيسة لمقالي سنة 2013 "ماذا نعني بالمجتمع الدولي؟" لا تزال قائمة فهذه الجملة لا تزال تمثل مفهوما ينطوي على الطموح بدلا من الواقع.

إن هناك عاملا لا يزال بارزا في خضم هذا التدهور وهو رفض الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار في تأدية دورها التقليدي بالعالم، فلقد كان واضحا خلال العقدين المنصرمين أنه لا يوجد توافق ضمن السياسة الخارجية الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فالذي يوجد حاليا هو الحذر بسبب التدخلات العسكرية المكلفة في العراق وأفغانستان والصعود الشعبوي الذي أشعلته الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، وتزايد انعدام المساواة وانخفاض قدرة الناس على الارتقاء طبقيا.

إن هذه الخلفية هي التي أدت إلى انتخاب الرئيس دونالد ترامب وخلال فترة تزيد على عامين ساهم ترامب في تأجيج الاضطرابات العالمية، وذلك من خلال خليط فريد من عدائه للمنظمات المتعددة الأطراف، ومن التحالفات واستخدامه الدائم للرسوم الجمركية والعقوبات، وذلك لتحقيق أهداف طموحة للغاية، ولدرجة أنها غير واقعية، كما قام ترامب بزيادة الإنفاق العسكري مع تقليص العمل العسكري، بالإضافة الى تقليصه وبشكل كبير لجهود الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان وولعه بالقادة الأقوياء وإيمانه بدبلوماسيته الشخصية لا بالدبلوماسيين المحترفين.

كما ذكرت أعلاه فلقد ساهمت كل تلك الأمور في تلاشي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة والعالم الذي سيحل مكانه لا يزال غامضا فترامب هو شخص يفضل التعطيل على البناء، وهكذا فإن العشرين سنة القادمة مرشحة لتكون أكثر اضطرابا من العشرين سنة الماضية، ومن المؤسف أن أقول إنه ستكون هناك الكثير من المواضيع التي ستكون كافية لمئة مقال آخر على أقل تقدير.

* ريتشارد ن هاس

* رئيس مجلس الشؤون الخارجية ومؤلف كتاب "عالم الفوضى".

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»