النساء المحاصرات في أميركا الوسطى

نشر في 29-05-2019
آخر تحديث 29-05-2019 | 00:00
تواجه النساء في أميركا الوسطى خيارا مستحيلا بين الهروب من الفقر والبقاء آمنات؛ وفي كثير من الحالات،
لا يحققن أياً منهما، ولديهن القدرة على تأسيس مقاولات وأعمال تجارية صغيرة، وتحسين رفاهية أسرهن، ودفع النمو الاقتصادي المحلي إلى الأمام، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنهن يحتجن إلى الدعم.
 بروجيكت سنديكيت في هندوراس والسلفادور وغواتيمالا، تجد النساء اللواتي يسعين إلى الهروب من الفقر من خلال تأسيس مقاولات وأعمال تجارية صغيرة أن النجاح يجلب المزيد من المعاناة، ليس فقط لهن، ولكن أيضا لأطفالهن. إلى جانب الاضطرار إلى التعامل مع الثقافة الذكورية، فإن عدم توفير حماية الدولة يجعل النساء صاحبات المشاريع الناجحات عرضة للعصابات والميليشيات المسلحة، إذ قالت صاحبة شركة مستحضرات تجميل صغيرة، "أشعر أنه من الأفضل ألا تتقدم تجارتي، لأنه إذا نمت، فسأعاني من الابتزاز".

تؤكد الأبحاث الحديثة هذه المخاوف بشكل كبير، فقد أقامت مؤخراً مبادرة "تمكين النساء والفتيات" (WAGE)، وهي مبادرة تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، هدفها تقليص الحواجز القانونية والاقتصادية والسياسية التي تعترض نشاط المرأة التجاري في البلدان الفقيرة، بتأسيس 27 مجموعة استقصائية عبر هندوراس والسلفادور. توجد العديد من العوائق التي تحول دون التمكين الاقتصادي للمرأة على الصعيد العالمي؛ مثل محدودية فرص الوصول إلى الائتمان، والافتقار إلى التعليم في مجال تنظيم المشاريع والتعليم المالي، وحقوق الملكية غير المتكافئة، وعدم وجود اتصال بالشبكات الاجتماعية والأسواق.

لكن النساء في أميركا الوسطى يواجهن تهديدات إضافية ناجمة عن عنف العصابات والنشاط الإجرامي المنظم. وصلت معدلات قتل النساء- قتل امرأة أو فتاة لأسباب تتعلق بنوع الجنس- إلى مستويات خطيرة. في هندوراس، كان هناك 5.8 حالات إبادة لكل 100.000 امرأة في عام 2016، وفي السلفادور يبلغ المعدل 10.2 لكل 100.000، كما تُجبر العصابات الأطفال على الانضمام إليهم وتُعرض الفتيات للاعتداء الجنسي.

بالنسبة إلى صاحبات المشاريع الصغرى، يتفاقم خطر الأذى الجسدي بسبب مطالب الرشا أو "الضرائب" من العصابات، لتجنب جذب انتباه هذه المجموعات، تتخلى النساء عن واجهات المتاجر أو الفضاء العام، ويعملن بهدوء داخل منازلهن ويقدمن المنتجات مباشرة إلى الزبائن. يسافرن إلى المدن البعيدة- غالبا في وقت متأخر من الليل- لبيع منتجاتهن، مما يزيد من مخاطر الأعمال وتكاليف النقل، وكل هذا يحد من إمكانات نمو أعمالهن.

لكن التوقف عن العمل ليس خيارا جيدا أيضا، فلا تزال المشاريع الصغيرة واحدة من الطرق القليلة المتاحة للخروج من الفقر في أميركا الوسطى، خصوصا للنساء اللائي يواجهن معدلات بطالة تزيد بنسبة 50 في المئة عن معدلات الرجال، ويعزى ذلك جزئيا إلى الأعراف الثقافية التي تعوق العمل خارج المنزل، كما قالت إحدى النساء السلفادوريات لمبادرة "تمكين النساء والفتيات"، "زوجي لا يحب أن أعمل، إذا لم أطعه، فسيقوم بإساءة معاملتي".

عندما يكون الخيار الوحيد للهروب من الفقر هو تعريض نفسك وأسرتك للخطر، فإن المستقبل يبدو غير مبشر، ومن غير المستغرب أن العديد من النساء اليائسات في أميركا الوسطى هربن من ديارهن، بحثا عن الأمان والفرص في الولايات المتحدة، لكن خلف النساء النازحات، تبقى الكثيرات في بلدانهن، إما في البلد الأصلي أو في مدن جديدة، حيث يمكن أن يأملن بعض الأمان في المكان الجديد.

تُعد القدرة على كسب دخل لائق والعيش بأمان داخل المجتمع أمرا ضروريا، ليس من أجل رفاهية الفرد فقط، ولكن أيضا من أجل التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، ولهذا يجب على المبادرات التي تسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي في أميركا الوسطى- أو في أي مكان آخر- أن تلبي بشكل مباشر احتياجات النساء صاحبات المشاريع الصغرى.

في حين لا توجد حلول بسيطة، يمكن اتخاذ تدابير مُشجعة، وينبغي أن تكون مؤسسات التمويل الأصغر المحلية في صميم أي استراتيجية لتحسين ظروف صاحبات الأعمال الحرة في أميركا الوسطى.

لا تعتمد النساء على مؤسسات التمويل الأصغر لتمويل الأعمال الناشئة فحسب، فوفقا لبحوث مبادرة تمكين النساء والفتيات، يسعين أيضا إلى الحصول على التكوين المالي والمساعدة في التخطيط للطوارئ، لتسهيل المغادرة السريعة إذا لزم الأمر، وكل ذلك بشكل سري.

ينبغي لمؤسسات التمويل الأصغر أن تولي اهتماما لاحتياجات صاحبات المشاريع وتحديد خدماتهن وفقا لذلك، على سبيل المثال ينبغي عليها توفير المنتجات المالية التي تمكن النساء من الادخار سرا، دون علم أعضاء العصابات، ويمكن لمنتجات القروض التي تقدم أسعار فائدة أقل أو تقدم أهدافا محددة، مثل المدخرات في حالات الطوارئ الصحية، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية، أن تساعد أيضا.

ويؤدي المستهلكون العالميون دورا مهما في تحسين الآفاق الاقتصادية للمرأة في أميركا الوسطى. تعمل نحو 300 شركة دولية في هندوراس وحدها، في قطاعات تتراوح من المنسوجات إلى الإلكترونيات، ويتعين على زبائنها، في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، استخدام قوتهم الشرائية لإقناع هذه الشركات بإحداث التغيير في المجتمعات التي تعمل فيها.

سواء تعرضت للضغط من قبل زبنائها أم لا، يتعين على الشركات الدولية العاملة في أميركا الوسطى استخدام نفوذها لمطالبة الحكومات المحلية والوطنية بالقضاء على الفساد الذي يساعد على الإفلات من العقاب وإنفاذ القوانين التي تحمي النساء والأطفال. في الوقت نفسه، ينبغي إقامة شراكات مع مؤسسات التمويل الأصغر ومنظمات المجتمع المدني لتطوير وتنفيذ مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تدعم المجتمعات المحلية بشكل مباشر، وخاصة النساء.

ويتعين على الحكومات الأجنبية، خاصة الولايات المتحدة، تدعيم التقدم في المنطقة، بما في ذلك من خلال استمرار تقديم المساعدات. لقد أظهر الباحثون أنه في ظل الصدمات الاقتصادية الشديدة، يمكن للمساعدة الأجنبية المساهمة بشكل كبير في منع نشوب الصراعات. نظرا للتأثير القوي الذي قد يحدثه هذا على تدفقات المهاجرين، يجب أن يكون دافع الولايات المتحدة هو تعزيز جهودها للمساعدة في الحد من الفقر والعنف في أميركا الوسطى.

وكما هي الحال الآن، تواجه النساء في المنطقة خيارا مستحيلا بين الهروب من الفقر والبقاء آمنات؛ وفي كثير من الحالات، لا يحققن أياً منهما، ولديهن القدرة على تأسيس مقاولات وأعمال تجارية صغيرة، وتحسين رفاهية أسرهن، ودفع النمو الاقتصادي المحلي إلى الأمام، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنهن يحتجن إلى الدعم، ويجب أن نوفره لهن.

* لورين هندريكس

* نائبة الرئيس التنفيذي لمؤسسة غرامين، وهي عضو في اتحاد WAGE.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top