الأديب محمد هلال: «الشللية» أفسدت الثقافة المصرية
«استلهمت روايتي الأخيرة من الباب الأخضر بجوار مسجد الحسين»
مكث الأديب الشاب محمد هلال، عاماً كاملاً بجوار مسجد الحسين بالقاهرة، ليكتب روايته الأخيرة "الباب الأخضر"، وطاف بالشوارع ليلاً وارتاد مساجد الأولياء، ملتقطاً التفاصيل الإنسانية ليكتب مجموعته "ما تيسر من سيرة العشق" وكتابه "أهل الليل"، إذ توالت إبداعاته بكثافة في الفترة الأخيرة بعد عشرين عاماً من الصيام الإبداعي، تحديداً بعد فوزه بجائزة نجيب محفوظ من المجلس الأعلى للثقافة عام 1996. عن "الباب الأخضر"، وأعماله، وأسباب انقطاعه عن الإبداع، ومسيرته، التقته "الجريدة"، وكان معه هذا الحوار:
● هل تنطوي روايتك الأخيرة "الباب الأخضر"على حس صوفي؟
- تحمل روايتي الباب الأخضر اسم شارع ملاصق لمسجد الحسين بالقاهرة، وتدور أحداثها في هذا الشارع، ورغم ما يوحي تعاطيها للتصوف فإن الأحداث مليئة بغير ذلك، فهناك تفاصيل إنسانية كثيرة، وهذا الشارع لا يبوح بأسراره الغرائبية المدهشة المتنوعة المتباينة إلا لمن يعيش فيه... وقد قضيت عاماً كاملًا بين جنباته لسبر أغواره العجيبة.
● أعمالك محيرة بالتصوف كـ "أهل الليل" و"ما تيسر من سيرة العشق" هل هي سرد أم شعر نثري أم رواية؟
- أقول هي كل ذلك، تختلف باختلاف المتلقي للنص، فمثل هذه النصوص يلزمها التكثيف اللغوي والدلالي المتنوع الذي يليق بعوالمها، ويتوقف كل ذلك على ذوق المتلقي وخلفيته الثقافية، وأضيف هنا أن بعض أعمالي الأدبية مثل كتابي النثري "أهل الليل" أخذ بالمواجيد الصوفية وبحارها العميقة القرار وثراء نصوصها الملغزة في أحايين كثيرة، ولكن هذا الكتاب أيضاً مفتوح على عوالم أخرى لاعلاقة لها بالتصوف على الإطلاق، ومثال ذلك أيضا مجموعتي القصصية "ما تيسر من سيرة العشق". ومثال لذلك توجد قصة قصيرة جدا اسمها "أمنية حزينة" تقول: "عضت أناملها حزنا رغم فرحها الشديد بالأموال التي تسد ديونها، وجوع عيالها... تمتمت: "لو كان لي يارب عشرون كلية أستطيع بيعها! "وأيضا تتضمن المجموعة القصة الومضة، وهو فن حديث لا تزيد فيه القصة على عشر كلمات، منها على سبيل المثال قصة اسمها "نقاء" تقول: "اكتشف عقمه؛ فقضى العمر يهدي الدمى للأطفال اليتامى!"، وهكذا فالصوفية لا تستغرق أعمالي، وإن كانت حاضرة في كثير منها.● هل الأمر يعود إلى نشأتك وتكوينك الثقافي؟
- نشأت في بيئة ريفية مختلفة بعض الشيء، فجدي لأمي كان شيخا لطريقة صوفية، سمعت فيها وأنا صغير كلاما غريبا خزنته ذاكرتي دون قصد مني، وعندما كبرت عرفت بأثر رجعي تلك المعاني والأسماء الكبيرة لأقطاب التصوف مثل محيي الدين بن عربي والحلاج والسهروردي والجنيد وابن الفارض والجيلاني والشعراني والكثيرين، فسعيت إلى كتبهم وأحببتهم حبا كبيرا، وبخاصة كتاب المواقف والمخاطبات للصوفي الفريد محمد بن عبدالجبار النِّفَّري، ومن هنا تكونت ذائقتي المعرفية بهم، وأضف لذلك المترجمات من الأدب العالمي وبشكل خاص الرواية.● ما سبب انقطاعك منذ فوزك بجائزة نجيب محفوظ؟
ـ- في البداية كان دخولي عالم الأدب من خلال نافذة الشعر، وأنا في مرحلة مبكرة، ولكن مثل كل منتج للأدب جربت كل الأنواع بما فيها المسرح، وكان عشقي لمسرح وأشعار صلاح عبدالصبور دافعاً لذلك، وغرامي بأشعار نازك الملائكة التي عرفتها عن طريق مجلة الشعر عندما كان يرأسها الشاعر عبده بدوي، ثم تعرفت على دواوينها أكثر في مكتبة المدرسة الثانوية، وكانت مفاجأة سارة لي عندما وجدت فيها أول ديوان رأيته لها اسمه "قرارة الموجة"، وقبل ذلك غرامي بالشعر الجاهلي والمعلقات بشكل خاص بشرح الزوزاني، وأخيرا استقر بي المقام في الرواية. وحصلت على جائزة نجيب محفوظ للرواية من المجلس الأعلى للثقافة المصرية في سن مبكرة عام 1996 عن روايتي الأولى، واسمها "أرض المراغة"، ثم صمت عن الإبداع صوما إجباريا فترة طويلة عندما عملت بالصحافة، وقد أفادني الشعر في تكثيف القصة القصيرة والقصيرة جدا والقصة الومضة حتى أن من يقرأها يسألني عن ممارسة كتابة الشعر، وبالفعل كتبت الكثير من القصائد ضمنت بعضها في رواياتي حسب سياق الرواية، كأن يكون أحد أبطالها شاعرا، وخصوصا روايتي الثانية "عطش الشيطان".● هل استنزف العمل الصحافي وقتك وأهملت الأدبي؟
- أهم ما أعيبه على نفسي هو ما يسمى "الكسل الأدبي"، ولعل السبب فيه يرجع إلى عملي بالصحافة، فهي استنزاف يومي لمخزون الأديب إلا من رحم ربي، فممارسة الكتابة الصحافية بشكل يومي تستنزف طاقة الأديب الإبداعية، رغم أن الصحافة توهمنا برحابة الفكر وتنوعه، ولكنها في حقيقتها صناعة وليست موهبة، فكنت أسجل أفكار الكتب التي تعني لي لإنجازها فيما بعد، ولكن "فيما بعد" قد يقتل الأديب أو يسطح موهبته، أما أن الصحافة تفتح بابا واسعا للمجال الأدبي فذلك ما توهمته مثل غيري، فهي تفتح مجالًا لمعرفة الأدباء الكبار الذين، للأسف الشديد، لا يهتمون بالأدباء المبتدئين إلا إذا انضموا إلى "شللهم"، فالشللية أفسدت الثقافة المصرية، وخصوصا عندما سيطر "اليسار" عليها، وأصبح لزاماً على من يكتب الأدب أن يكون يساريا ليهتموا به، حتى لو كان من أشباه المواهب، ويتم تصعيده إلى مرتبة لا يدرك خطورتها، ومن هنا استفحلت "الشللية" أكثر، وأصبح غير اليساري متطفلاً على الأدب.المشهد الراهن
* ما هي رؤيتك للمشهد الأدبي والعربي؟
- المشهد الثقافي الأدبي المصري والعربي الآن يشهد حالة من التقزم الإبداعي، ليس لندرة المبدعين الحقيقيين، بل لإهمالهم والانحياز إلى أشباه المبدعين- إذا جاز التعبيرــ ورغم ذلك فممارسة الكتابة الأدبية دون النظر للمحبطات هي السلوى للأديب وهي اللحظات الحقيقية التي يعيشها، لذا فهي تفرض نفسها فرضا على روح ونفس المبدع حتى لو كان ما سيبدعه سيكون لنفسه فقط.● ماذا عن مشروعاتك القادمة؟
- لديّ أكثر من فكرة أنجز منها الآن رواية اسمها "صانع الآلهة"، وهي أشبه ما تكون برواية تاريخية، وأشرع في كتابة الجزء الثاني من كتاب "أهل الليل"، ولا يفوتني أن أشير إلى متنفس جديد هو وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "الفيسبوك" إلا أنه لا طاقة لها بالنصوص الطويلة.معايشة واقعية
يعايش الأديب الشاب محمد هلال، أبطال قصصه ورواياته قبل أن يكتبهم، ويلتقط كل تفاصيلهم من الواقع، ويمزجهم بخياله لتصير شخوصاً تتحرك عبر السطور. وصدر لهلال من قبل روايات "أرض المراغة"، التي فاز بها بجائزة نجيب محفوظ من المجلس الأعلى للثقافة، ورواية "عطش الشيطان"، وكتاب نثري بعنوان "أهل الليل"، وأصدر الجزء الأول من مجموعته "ما تيسر من سيرة العشق"، وهي عبارة عن قصص قصيرة جدا تنتمي الى ما يسمى بالقصة الومضة، كما أنه عضو في اتحاد الكتاب بمصر.
لدي أكثر من فكرة سأنجزها في الفترة المقبلة